لم يجد وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، أمير أوحانا، والمعروف بمواقفه العنصرية، حرجاً أو صعوبة في تفسير موقفه الفاشي المعارض لإعطاء اللقاح المضاد لجائحة كورونا للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ولا حتى في محاولة تغطية موقفه العنصري والفاشي بالادعاء أن معارضته جاءت بالتنسيق مع وزير الصحة الإسرائيلي، يولي إدلشتاين. ولم يتردد أوحانا في القول صراحة وعلانية إن "لقاح كورونا" هو "مورد قومي"، وبالتالي فإن الأولوية لإعطائه أولاً لسكان دولة الاحتلال.
وعلى الرغم من أن وزير الصحة سارع إلى تكذيب أوحانا، ونفي مسألة التنسيق بينهما، مؤكداً ثقته بقرار اللجنة الصحية لشؤون جدولة اللقاح على الفئات العمرية والحالات الصحية، إلا أنّ ذلك لم يخف حقيقة البعد العنصري الفاشي في تعامل وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي خصوصاً أن الحديث هو عن شريحة لا تجد من يؤازرها، بالرغم من أن القانون الدولي يحمّل دولة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن صحة الأسرى.
وما قاله الوزير العنصري بشأن كون اللقاح "موارد قومية محدودة" يتعارض أولاً مع إعلان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو أمس الأول، عن ترقب وصول شحنة كبيرة إضافية من لقاحات فايزر، ومع تقديراته بأن يتم تطعيم كل سكان إسرائيل من جيل 16 عاماً فما فوق بحلول نهاية مارس/آذار المقبل. والأهم من ذلك يشكل ما قاله الوزير ترجمة لقاعدة العنصرية التي تحكم عموماً سياسات دولة الاحتلال أيضاً تجاه الفلسطينيين في الداخل ممن فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية بعد النكبة. وهي المنسوبة لقول في التوراة: "فقراء مدينتك قبل غيرهم".
وتشكل هذه القاعدة أساساً في تعامل دولة الاحتلال منذ النكبة مع فلسطينيي الداخل، لكنها تطبق اليوم بوتيرة أكبر، خصوصاً بعد قانون القومية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة في كل ما يتعلق بموارد المياه والأرض، وفي مسألة الطبابة وتقديم العلاجات الصحية لفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة في المستشفيات الإسرائيلية المختلفة.
ولعله من المفيد الإشارة هنا مثلاً إلى أنه حتى عندما كانت المؤسسة العسكرية والأمنية توصي بتقديم تسهيلات سواء لقطاع غزة، أو حتى في المعتقلات، من أجل تفادي انفجار الأوضاع على الجبهتين (الأسرى والقطاع)، كان المستوى السياسي في الحكومة هو من يعرقل ذلك ويرفض، ما عطل، في أكثر من مناسبة، فرص التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن عزل هذا الموقف العنصري والفاشي للوزير ولا لإشهاره عن السياق الانتخابي العام في إسرائيل، لجهة سد الطريق أمام منافسي نتنياهو والليكود من اليمين الأكثر تطرفاً، وحرمانهم من فرصة مهاجمة الحكومة في حال قدمت اللقاح للأسرى الفلسطينيين والادعاء بأن حكومة نتنياهو تمنح الأسرى الفلسطينيين ظروفاً معيشية جيدة، وتقدم لهم اللقاح حتى قبل مواطني إسرائيل، إلا أن المحور الأساسي لقرار الوزير نابع من العنصرية الدفينة ومن وجود جو عنصري وفاشي عام في إسرائيل يتيح مثل هذه السلوكيات، المرتبطة أصلاً بالاحتلال ومنظومته.
ومثلما لا يمكن عزل القرار عن السياق الانتخابي، فإنه لا يمكن فصله أيضاً عن خطوات وقرارات سابقة للاحتلال لضرب الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية وحرمانهم من أبسط الحقوق التي تقرّها المواثيق الدولية، مثل منع الزيارات عنهم، ومنع العلاج أو حرمانهم من الاتصالات الهاتفية، واشتراطها وربطها بتقديم حركة حماس في قطاع غزة، معلومات عن الجنديين المفقودين والمحتجزين لها شاؤول أورن وهدار غولدين، من عدوان الجرف الصامد عام 2014. وقد سبق أن قام أعضاء في الكنيست الإسرائيلي في العامين الماضيين في أكثر من مناسبة، مصحوبين بعائلات إسرائيلية قتل أبناء لها في عمليات فدائية، بمحاولات لاعتراض حافلات عائلات الأسرى الفلسطينيين وهي في طريقها لزيارة أبنائها، وفي إحدى المرات اشتبك عضو الكنيست السابق عن الليكود، أورن حازان، مع عائلات أسرى فلسطينيين عندما اعتلى إحدى الحافلات عند قطاع غزة محاولاً وقف الزيارة.
مع ذلك فإن البعد الشعبوي للموقف العنصري للوزير الإسرائيلي يظل حاضراً، وقد نراه مع بدء المعركة الانتخابية الدعائية لجهة محاولات إبراز الوزير أوحانا لنشاطه كباقي وزراء حكومة نتنياهو بالأساس لوقف ما يسميه نتنياهو واليمين المتطرف، بتسلّط جهاز القضاء، وكبار الموظفين، في إشارة للمستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت. وبما أن الوزير يدرك أنه على ضوء توصية المستشار القضائي للحكومة بتوفير اللقاح للأسرى، فإنه من المرجح أن تقر المحكمة ذلك رداً على التماسات قدمتها خمس جمعيات حقوقية بهذا الخصوص، سيمكن رؤية كيف يستخدم نتنياهو والليكود، في الدعاية الانتخابية، القرار المرتقب للتدليل على أن "الدولة العميقة" المكونة من كبار الموظفين في حلّتها الحالية تعيق وتعرقل عمل الحكومة والنواب المنتخبين، حتى عندما تسعى الحكومة إلى ضمان الأمن الصحي أولاً للمواطن اليهودي قبل "المخربين والإرهابيين" لكن القضاء اليساري حال دون ذلك.
هو إذا قرار عنصري في منطلقاته ودوافعه، وتحصيل حاصل لواقع الاحتلال وتحكمه بشعب بأكمله يرى الأسرى أنهم الشريحة الأضعف، لكنه أيضاً خطوة انتخابية شعبوية لتجنيب نتنياهو مزايدة عليه من حزب يميني وأوساط يمينية أخرى في المعركة الانتخابية.