أسماء الأسد تلتقي وفداً روسياً رسمياً بصفتها زوجة الرئيس

16 نوفمبر 2020
أسماء لا تحمل صفة رسمية سوى زوجة الأسد(ميغيل مدينة/فرانس برس)
+ الخط -

يمضي النظام السوري بخطوات متسارعة في تعويم أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام، بشار الأسد، من خلال تكثيف ظهورها الإعلامي في مناسبات متعددة، واستقبالها الوفود الرسمية، التي كان آخرها الاجتماع الذي عقدته قبل أيام في القصر الرئاسي مع مفوضة رئيس روسيا الاتحادية لحقوق الأطفال، آنا كوزنيتسوفا، بحضور وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل سلوى العبدالله، والمستشارة الخاصة لرئيس النظام، لونة الشبل، إضافة إلى معاون وزير الصحة الروسي، أوليغ سالاغي، والقنصل في سفارة روسيا بدمشق، وزار غوسينوف وآخرين. 
نبأ الاجتماع الذي نشرته صفحة رئاسة الجمهورية الرسمية على فيسبوك، ونقلته وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، أشار إلى أن أسماء الأسد "أكدت خلاله استعداد سورية دائماً للتعاون حتى إخراج آخر طفل روسي من مخيمي الهول والروج"، فيما قالت كوزينتسوفا إن "روسيا تعمل على استعادة الأطفال الروس، وهم أبناء متشددين إسلاميين قدم أباؤهم إلى سورية للقتال ومعظمهم قتلوا خلال معارك، دون أن تشير إلى ظروف مغادرة هؤلاء الأراضي الروسية، على الرغم من أن تقارير غربية، ومن بينها تقرير لوكالة "رويترز"، أكدت أن ضباط مخابرات روساً دفعوا في وقت سابق هؤلاء المتشددين للقدوم إلى سورية للتخلص منهم.

ظهور أسماء الأسد 
وفيما ظهر بوضوح أن أسماء الأسد باتت الآن تتحدث باسم سورية، وهي لا تحمل أية صفة رسمية سوى أنها "زوجة الرئيس"، تعددت التوقعات حول البروباغندا التي يرسمها النظام لها، وقد جلست حديثاً على إمبراطورية النظام الاقتصادية بعد إزاحة رامي مخلوف، مسؤول اقتصاد النظام وذراعه التي كانت تهيمن على مؤسسات هي الأضخم في البلاد، ومن هذه التوقعات الأكثر ترجيحاً أن الهدف تلميع صورة النظام والإمساك باقتصاد البلاد، وهناك من تحدث عن أن النظام أراد تعويمها خلافاً لزوجة حافظ الأسد لأنها تنتمي إلى المكون السني، بهدف الترويج أن النظام يحكم بقطبين، وذلك في إطار ترتيبات المرحلة المقبلة وقبيل استحقاق الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وتنطلق هذه التحليلات من مسألة غياب مواقف واضحة وصريحة من القوى الكبرى إزاء مسألة قبول استمرار النظام في الحكم بشكل قطعي، التي لا تزال ضبابية على الأقل في العلن، ولا تفصح إلا في إطار وجوب التزام القرار 2254 الذي تتعدد التفسيرات حوله، ولا سيما ما يتعلق بعملية الانتقال السياسي، وتحقيق تقدم في عمل لجنة صياغة الدستور، ما يعني عدم وجود حل سياسي في الأفق واستمرار وضع البلاد على ما هو عليه حتى إشعار آخر، ولا سيما أنها تخضع لنفوذ قوى خارجية مستفيدة من حالة الجمود القائم في البلاد بمباركة إسرائيل لبقاء الوضع في البلاد على حاله.

سيدة أعمال ممسكة بالاقتصاد
ويبدو عدد المرات التي ظهرت فيها أسماء الأسد خلال الأشهر القليلة الماضية أكبر من المناسبات التي ظهر فيها زوجها، سواء مباشرةً من خلال مناسبات لم يكن آخرها استقبال الوفد الروسي أو رعايتها فعاليات، من بينها عرض شركة "ايماتيل" التي تملكها أسماء الأسد لهاتف الآيفون 12 في دمشق، وتعليق صورة كبيرة لها في حمص خلال فعالية دعم الجرحى.
ويقول الصحافي سامر العاني، لـ"العربي الجديد"، إن أسماء الأسد تحاول من خلال الظهور المكثف أن تكون سيدة أعمال تمسك اقتصاد سورية، وجلّ ما تريده الآن، أن تظهر بمظهر السيّدة صاحبة الفضل وصاحبة الأعمال الخيريّة وصاحبة النفوذ الاقتصادي، وهي تستفيد من كونها سنيّة في دعايتها الإعلاميّة.
 ويضيف العاني أن المطلوب من أسماء الأسد أن تكون هي "حريري سورية" (المقصود رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري) ومن أجل أن تكون في هذا المكان يجب أن يكون لديها مشاريع خيريّة، أطفال، تعليم، امرأة، جمعيّات لمصابي الحرب وغير ذلك، وأنها تستهدف في نشاطها الاقتصادي بالدرجة الأولى تجّار الشام، الذين هم إحدى دعائم حكم بشار الأسد، وقد أظهروا تململاً في المدة الأخيرة. 

وسيلة أخرى لتعويم بشار الأسد  
السيطرة الاقتصادية لأسماء الأسد نقطة يتقاطع حولها الكثير من المحللين، خاصة أنها بدت مرحباً بها من مؤيدين للنظام وممن يمتهنون التصفيق، على الرغم من الأوضاع المعيشية المأساوية في البلاد، وعلى الرغم أيضاً من إمساك أقاربها بمفاصل اقتصاد البلاد، فهي صورة تزيينية ناعمة أراد النظام إظهارها للداخل والخارج بعد سنوات من القتل، وهي تحاول أن تروج لنفسها "كسيدة قصر راقية" لا تنفك عن الظهور بشكل إنساني كما تقول الصحافية، مزن مرشد. 
وترى مزن مرشد، لـ"العربي الجديد"، أن الظهور المكثف لأسماء الأسد خلال الفترة الماضية، هو وسيلة أخرى لتعويم بشار الأسد دولياً ومحاولة لترويج أنها ضمن عائلة علمانية وحضارية ومناسبة للاستمرار في حكم سورية، مستبعدة أن يكون الهدف من وراء تعويمها أن تكون بديلاً لبشار الأسد. 
 

صورة أسماء في بابا عمرو 
وكان لافتاً ظهور صورة كبيرة لأسماء على أحد مباني حيّ بابا عمرو في حمص بمناسبة تكريم مؤسسة "العرين" للجرحى التي تتبع لها، وهو ما عُدّ سابقة بتاريخ عائلة الأسرة الحاكمة في سورية، فرضته ظروف المرحلة بالنسبة إلى النظام، ولكن ما الهدف من وراء هذه الخطوة، خاصة أن مدينة حمص التي تُعَدّ عاصمة الثورة، والتي كانت من أولى المدن التي استهدفها النظام بالقصف والتدمير؟ 
قد يطرح هذا الحدث نظرية تزداد احتمالاتها مع ما تضمنه من رسائل، وتنطلق من طريقة تفكير النظام في الحكم، وضربه على الوتر الطائفي، وهي أنه يرمي من خلال تعويم أسماء الأسد بالشكل التي تظهر به محاكاة المكون الرئيس والأكبر في البلاد، أي السُّنة، وإظهار أن للنظام شقين من مكونين، في وقت يبدو النظام فيه يسابق الزمن لكي يكرّس نفسه مسيطراً على البلاد بعناوينه في الهيمنة وفرض الأمر الواقع، فهو أنجز استحقاقات من بينها انتخابات مجلس الشعب، ويؤكد أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها وضمن الأصول كما يقول فيصل مقداد نائب وزير الخارجية، متجاهلاً مسار الحل السياسي وفق القرار 2254.
ومن هنا من الصعب ألا يكون لأسماء الأسد دور سياسي في تركيبة النظام التي هي عائلية بالأساس، كذلك فإنّ من الصعب تصور أن يكون الدافع وراء إبعاد رامي مخلوف "فقط" اقتصادياً، وهو أحد أعمدة نظام بشار الأسد الرئيسية وخازن العائلة الحاكمة، ووريث والده محمد مخلوف الذي كان جناح النظام الاقتصادي في فترة حكم حافظ الأسد. 

دور سياسي قادم 
وبدأت أسماء بتكثيف حضورها بعد شفائها من مرض سرطان الثدي قبل بضعة أشهر، من خلال زيارة قطعة عسكرية في ريف دمشق مع زوجها وأولادها، إذ إن هذا الحدث كان لافتاً في إظهاره البعد العسكري فيه، مع ما يعنيه ذلك من استعراض للقوة، ويعد سابقة بالنسبة إلى نشاطات أسماء الأسد التي كانت تركز بأوقات متباعدة على الظهور من خلال حالات إنسانية، وتبع ذلك مناسبات استقبلت فيها الجرحى، "بشكل منفرد" كان آخرها زيارة قرى تضررت من الحرائق في مناطق الساحل وحمص، يضاف إلى ذلك الحدث الأكبر والأهم، وهو تعليق صورتها في حمص.
ويبقى أن الظهور الأخير لأسماء الأسد خلال استقبالها الوفد الروسي مع التغطية الإعلامية الرسمية اللافتة له، يحمل أبعاداً سياسية، خاصة أنها أطلقت مواقف لا يعلنها إلا مسؤول كبير. فهي أكدت أنها اتفقت مع الجانب الروسي على الاستمرار بالعمل على طرح ملف الأطفال في المخيمين على المستوى الدولي بالتعاون بين روسيا وسورية لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم، سواء من الدول أو المنظمات الدولية المتخصصة بهذا الشأن، كما قالت.
ومن خلال الروس تخرج أسماء الأسد من النشاط الداخلي إلى ساحة أوسع، مع ما يعنيه ذلك، في ظل سيطرة روسيا، الداعم العسكري الرئيس للنظام، والممسكة بقراره السياسي، وقد تكشف الأيام القادمة خفايا ربما من خلال روسيا التي كان لها الدور الأكبر في تعويم مسألة رامي مخلوف قبل أن ينقضّ النظام عليه، ولا سيما إزاء المهمات التي أسندت إلى أسماء الأسد في نشاطاتها والأبعاد الحقيقية وراء تكثيف ظهورها.