أثار إصدار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، تعليماته إلى الخارجية من أجل إعلان عشرة سفراء لدى أنقرة أشخاصاً غير مرغوب فيهم بأسرع وقت، امتعاض الأوساط السياسية الألمانية، وذلك بسبب بيان مشترك لهم حول قضية رجل الأعمال التركي عثمان كافالا.
والسفراء العشرة الذين تكلم عنهم أردوغان هم سفراء دول: الولايات المتحدة وألمانيا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وهولندا والسويد وكندا والنرويج ونيوزيلندا، وذلك إثر مطالبتهم بالإفراج عن كافالا المحتجز منذ عام 2017، والمتهم من السلطات التركية بدعم الاحتجاجات في إسطنبول عام 2013 والضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وهو ما اعتبرته أنقرة "تدخلا مفرطا" في شؤونها الداخلية، و"غير مقبول".
ومع إعلان دوائر الخارجية الألمانية أنها أخذت علما بالتصريحات الصادرة عن الرئيس التركي بهذا الخصوص والتقارير المتعلقة بها، وقيامها بمشاورات مع الدول التسع الأخرى المعنية، لم يتردد السياسيون الألمان في إدانة ما صدر عن أردوغان. ودعت نائبة رئيس البرلمان الألماني (البوندستاغ)، كلوديا روث، إلى فرض عقوبات على أنقرة ووقف صادرات الأسلحة. داعية، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، إلى "مواجهة المسار الاستبدادي لأردوغان دوليا"، على حد تعبيرها.
أما زميلها في حزب "الخضر"، جيم اوزديمير، فدعا، في حديث مع مجموعة "فونكه" الإعلامية، الاتحاد الأوروبي وشركاءه إلى الكفاح من أجل ضمان إطلاق سراح كافالا وجميع السجناء الأبرياء في تركيا، والرد بشكل مشترك على استفزازات أردوغان، على حد تعبيره. وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد طالبت، في عام 2019، بالإفراج عن كافالا.
من جهته، أعرب نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب "المسيحي الديمقراطي" في البوندستاغ، يوهان فاديفول، عن أمله في ألا تقدم وزارة الخارجية التركية على خطوة طرد السفراء، محذرا من "عواقب وخيمة" في حال حدوث ذلك. ودعا إلى تنسيق أي خطوة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي ومع الشركاء عبر حلف شمال الأطلسي، قبل أن يستدرك بالقول: "ما زلنا مقتنعين بالأهمية الخاصة للشراكة الألمانية التركية، ومع ذلك يجب احترام القانون الدولي".
أما السياسي عن حزب "الديمقراطي الحر"، ذي التوجه الليبرالي، ألكسندر غراف لامبسدورف، فغرد على "تويتر" قائلا إن "احتمال طرد عشرة سفراء سيكون غير حكيم وغير دبلوماسي وسيضعف تماسك العلاقات". من جهتها، طالبت السياسية في كتلة حزب اليسار، سيفيم داغديلين، بطرد السفير التركي لدى ألمانيا، علي كمال الدين، ووقف صادرات الأسلحة والمساعدات المالية، و"أي شيء آخر سيشجع أردوغان على الاستمرار في مساره التصعيدي بلا هوادة".
وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "فرانكفوتر الغماينه تسايتونغ"، إلى أن هذا النوع من التعليمات يمثل نهجا غير مسبوق حتى بمعايير الرئيس التركي، بحق سفراء دول ترتبط بعلاقات وثيقة مع تركيا، ومن بينها 6 دول من الاتحاد الأوروبي التي ترغب أنقرة في الانضمام إليه.
وزعمت الصحيفة أن أردوغان أصبح عبئا على تركيا، مرجحة أن يكون التصعيد من قبله إرضاء شخصيا لنفسه. واعتبرت أن "السياسات الخاطئة المرعبة تدفع بالفعل إلى التضخم الاقتصادي وتذويب قيمة العملة التركية ولا تخدم المصالح وتضر بالاقتصاد وسمعة أنقرة"، مضيفة أن أردوغان "بهذه الطريقة فهو يعمل فقط على تسريع الانحدار الهبوطي للاقتصاد التركي، وتعاطي نظامه مع السجين كافالا يظهر مدى تباعد جمهورية أردوغان عن مجتمع القيم الغربي، وهو الذي يعتقد أن الدعوة إلى إطلاق سراح كافالا موجهة ضده مرة أخرى".
في الأثناء، رجحت تقارير ألمانية أخرى إمكانية أن تكون خطوة الرئيس التركي بحق السفراء لتحقيق أهداف داخلية، كما حصل عام 2017 وقبل الاستفتاء على الدستور، مضيفة أنها قد تحقق له بعض المكاسب، وملف كافالا مناسب بشكل خاص لذلك، لا سيما لمواجهة ضغوط يتعرض لها مع تدهور عملة بلاده في ظل وضع اقتصادي صعب. أما صحيفة "تاغس شبيغل"، فتساءلت "من يخبر أردوغان أنه في خضم أزمة بلاده الاقتصادية يزعج أهم الشركاء التجاريين لبلاده؟".
وتتجه الأنظار حاليا إلى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، وما إذا كان سينفذ تعليمات أردوغان، فيما تشير التوقعات إلى أن الإقدام على هذه الخطوة عمليا قد يضع المزيد من الضغوط على تركيا ويجعل علاقات أردوغان على المحك مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وذلك قبل أسبوع من قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في روما، وسط الحديث عن لقاء متوقع بين أردوغان والرئيس الأميركي جو بايدن.