وسّع الجانب الروسي قاعدة حميميم الجوية على الساحل السوري غربي البلاد، وفق ما أظهرت صور التقطتها أقمار اصطناعية أواخر العام الفائت، ما يؤكد أنّ موسكو التي تعتبر هذه القاعدة بمثابة أرض روسية، تخطط لوجود طويل الأمد في شرقي البحر المتوسط، وترسّخ سطوتها على جانب مهم من الجغرافية السورية، مع تحوّل النظام إلى مجرد تابع للروس في مسعى لبقاء بشار الأسد في السلطة.
إضافة نحو 300 متر للمدرج الغربي في القاعدة الجوية
ووفق تقرير نشره موقع "The Drive" المهتم بالشؤون الدفاعية والعسكرية، يوم الجمعة الماضي، فإنّ الجانب الروسي يوسّع مدرجاً رئيسياً في قاعدة حميميم الجوية، لزيادة الطاقة الاستيعابية للقاعدة وتسهيل عمليات النقل اللوجستية والاستراتيجية للروس في منطقة شرقي البحر المتوسط. وبحسب الموقع، أظهرت صور أقمار صناعية التقطت في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن وزارة الدفاع الروسية أضافت نحو 300 متر للمدرج الغربي في القاعدة الجوية، مؤكداً أنّ الإجراء الجديد يمكن أن يدعم المزيد من عمليات النشر المنتظمة للطائرات الأكبر والأكثر حمولة، بما في ذلك طائرات الشحن العملاقة وحتى القاذفات بعيدة المدى. وأشار التقرير إلى أنّ هذا يعني أنّ طائرات الشحن الروسية ستكون قادرة على جلب المزيد من البضائع والجنود في كل رحلة، وتسهيل العمليات اللوجستية من وإلى القاعدة، لافتاً إلى أنّ التوسعة الجديدة قد تمهّد لجعل قاعدة حميميم نقطة انطلاق لأسلحة استراتيجية من سورية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد أن كانت تنفذ طلعاتها انطلاقاً من روسيا وفي بعض الأحيان من إيران.
وفي خطوة أخرى تؤكد أنّ موسكو تتعامل مع قاعدة حميميم على أنها باتت بمثابة أرض روسية، دشنت أخيراً تمثالاً نصفياً لطيار روسي قتل في محافظة إدلب في عام 2018، ليضاف لتماثيل أخرى لضباط وجنود روس قتلوا أثناء مشاركتهم إلى جانب قوات النظام في الحرب ضدّ فصائل المعارضة السورية. وكان كرّس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سطوة بلاده في سورية أواخر عام 2017، حين زار هذه القاعدة، في رسالة واضحة للغرب مفادها بأنه بات المتحكم بسورية. وإثر تلك الزيارة، سرّب الروس مقطع فيديو يظهر ضابطاً روسياً يمنع الأسد من اللحاق بالرئيس الروسي، في مشهدٍ بدا أنّ الهدف منه إذلال رئيس النظام وإظهاره بمظهر التابع.
التوسعة تمهد لجعل حميميم نقطة انطلاق لأسلحة استراتيجية
وعن الهدف الروسي من توسيع قاعدة حميميم، أشار الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ ذلك رسالة واضحة مفادها بأنّ الوجود العسكري الروسي في شرق البحر المتوسط "ربما باق لأمد بعيد". وأضاف: "بالتأكيد هذه التوسعة تحمل رسالة للإدارة الأميركية الجديدة، بأنه لن يكون هناك انسحاب قريب للروس وأنّ سورية بالنسبة لهم ثقل رئيسي". وأشار زيادة إلى أن "موسكو أعلنت مرتين سحب قواتها من سورية، ولكن تبيّن بعد ذلك أنّ الأمر مجرد خدعة وأنها زادت عدد قواتها في سورية بدل تخفيضها". وكان الروس قد انتهزوا فرصة بدء انهيار نظام بشار الأسد أمام ضربات فصائل المعارضة السورية في سبتمبر/أيلول من عام 2015، للتدخل بشكل غير مسبوق في الشرق الأوسط، حيث حانت الفرصة لهم أخيراً للوصول إلى "المياه الدافئة"، وإيجاد موطئ قدم ثابت في شرقي البحر المتوسط، يستطيعون من خلاله مناكفة الغرب، سعياً لاستعادة السطوة الروسية في العالم. وقبيل التدخل المعلن بشكل رسمي، منح النظام السوري الجانب الروسي منتصف عام 2015 حرية استخدام قاعدة حميميم التي تقع بالقرب من بلدة على الساحل السوري تحمل الاسم ذاته، لا تبعد سوى 4 كيلو مترات من مدينة جبلة، و19 كيلو متراً من مدينة اللاذقية.
ووفق دراسة نشرها مركز "حرمون" في عام 2017، "جلبت روسيا إلى قاعدة حميميم طائرات سوخوي 34 و24 و30، ومروحيات هجوم وطائرات تجسّس، إضافة إلى طائرات هجومية أخرى ومنظومة صواريخ أس-400". وأوضحت الدراسة أنّ موسكو "استقدمت إلى هذه القاعدة قوات برية من الجيش الرابع الروسي، وتتمثّل بفرقتين مدرعتين بريتين، إضافة إلى لوائي مدفعية ومدفعية صاروخية"، مشيرة إلى أنّ "مهمة هذه القوات كانت في البداية ضرب طوقٍ أمني بعمق 10 كيلومترات حول القاعدة، من أجل تأمين حمايتها من أي هجوم أو تسلل بري في اتجاه القاعدة. ولكن بعد ذلك، امتد الطوق الأمني إلى عمق 70 كيلومتراً، في اتجاه مدينة طرطوس وذلك من أجل حماية القاعدة"، وفق الدراسة. ولعبت قاعدة حميميم الدور الحاسم في القضاء على فصائل المعارضة السورية في ريف دمشق، وخصوصاً في غوطة دمشق الشرقية، وفي محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سورية، وفي ريف حمص الشمالي، وفي مدينة حلب وريفها، إضافة إلى ريف اللاذقية الشمالي، وبعض مناطق ريف إدلب في الشمال الغربي من سورية.
من جانبه، قال القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "كان لقاعدة حميميم الدور الرئيسي في حرب النظام والروس على الشعب السوري"، مضيفاً أنه "أقلعت منها غالبية الطائرات الروسية التي كانت تقصف مواقع الثوار والمدنيين منذ عام 2015 وإلى الآن". وأوضح أنّ القاعدة "تضم مقر قيادة القوات الروسية في سورية، ويوجد فيها مركز المصالحة الروسي"، مشيراً إلى أنه يوجد فيها كذلك "وسائط الدفاع الجوي الروسية من طراز أس-300 وأس-400، وطائرات من طراز سوخوي 24 وسوخوي 35، وحوامات ميل مي 28، التي شاركت أخيراً في معارك البادية". وتابع البكور: "هذه القاعدة تتحكم بالأسطول الروسي العامل في البحر الأبيض المتوسط، ومنها تدار كافة الأعمال العسكرية الروسية والأسدية في كل المعارك".
سيجري: القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، كانت غرفة العمليات الرئيسية في إدارة الحرب ضدّ الشعب السوري
وفي السياق ذاته، اعتبر القيادي في فصائل المعارضة، مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، قاعدة حميميم بمثابة "القصر الرئاسي في سورية"، موضحاً أنّ "كل القرارات الداخلية والخارجية السياسية والعسكرية والأمنية لا يمكن إلا أن تصدر عنها". وتابع: "القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، كانت غرفة العمليات الرئيسية في إدارة الحرب ضدّ الشعب السوري، ليس فقط على المستوى العسكري، وإنما على المستويات السياسية والإعلامية والاجتماعية. باختصار القاعدة الروسية هي الحاكم المطلق وقوة احتلال مباشر".
وعلى الرغم من أنّ الروس اتخذوا من محاربة الإرهاب غطاء للتدخل في سورية، إلا أنّ محاربتهم لتنظيم "داعش" اقتصرت على البادية السورية، حيث ساعدوا قوات النظام ومليشيات معها في استعادة مدينة تدمر من التنظيم مرتين الأولى في مارس/ آذار من عام 2016، والثانية في الشهر ذاته من عام 2017. ولاحقاً وقّع النظام اتفاقيات عدة مع الروس تتعلق بطبيعة وجودهم في قاعدة حميميم. وكانت سربت وسائل إعلام غربية مطلع عام 2016 ما قالت إنه "اتفاق سري" بين النظام والجانب الروسي ينصّ على أنّ "استفادة قوات روسيا الفيدرالية من قاعدة حميميم تتم بدون مقابل"، وأنّ "من حق الطرف الروسي نقل أي أجهزة أو ذخائر إلى داخل سورية أو إلى خارجها، من دون أي تكاليف أو رسوم". كما تضمنت الاتفاقية بنوداً ترسّخ وجوداً روسياً طويل الأمد، يكاد يرقى إلى مستوى "الاحتلال المباشر" لأراض سورية، وفق توصيف المعارضة.