تتسارع الخطوات في الملف الأفغاني على مسارين أساسيين، الأول الإبقاء على فرص التسوية السياسية الممكنة بين الحكومة وحركة "طالبان"، أما الثاني فيرتبط بالتفلت الأمني المحتمل في حال لم تنسحب القوات الأميركية في 1 مايو/ أيار المقبل، الموعد الذي أقرّه اتفاق الولايات المتحدة و"طالبان" في الدوحة القطرية في 29 فبراير/ شباط 2020. في الملف السياسي، يبدو "مؤتمر إسطنبول للسلام حول أفغانستان"، المقرر عقده في إبريل/ نيسان المقبل في تركيا، محورياً في الحوار الأفغاني. ومع أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز الحوار القائم أصلاً في الدوحة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، غير أن محوريته تكمن من وجهة نظر أكثر من مسؤول أفغاني تحدث لوكالة "الأناضول"، في كونه المنعطف الأخير قبل حلول موعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد في 1 مايو. وأظهرت تحضيرات المؤتمر والمواقف المواكبة له، مدى الرهان عليه لتفادي أي تطور ميداني في أفغانستان. وبرز ذلك في موقف محمد محقق، وهو مستشار الرئيس الأفغاني أشرف غني لشؤون الأمن والسياسة وأيضاً زعيم حزب "الوحدة الإسلامي الشعبي"، حين اعتبر أن أنقرة قادرة على "أداء دور مؤثر في الخروج بنتائج إيجابية في المحادثات". وأوضح أن الحكومة الأفغانية و"طالبان" لديهما مطالب وتطلعات مختلفة، وأن الولايات المتحدة قدمت تصوراً مخالفاً لرأي الطرفين، ولذلك لا بد من إيجاد حل وسط. من جهته، اعتبر الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي أن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بالحوار بين الأفغان، مضيفاً أن "قبول طالبان الانضمام إلى الحكومة الأفغانية الحالية سيكون أسهل طريقة للتوصل إلى حل، وبذلك سيتمكن جميع الأطراف من العمل معاً من أجل تلبية احتياجات البلاد، كما يمكنهم إجراء تعديل دستوري إذا اقتضى الأمر". وشدّد على أنه يجب على "طالبان" وعلى كل القوى السياسية بالبلاد أن يدركوا جيداً أن الشعب الأفغاني يؤيد السلام ويرغب في تقدم البلاد، وأن من أهم متطلبات التقدم الحفاظ على الحقوق والحريات. وأكد على ضرورة الاهتمام بتعليم المرأة وتمكينها من الوصول إلى أعلى المناصب وتمتعها بكافة الحقوق.
قدّم بلينكن مقترحاً لتفعيل السلام لكنه يتطلّب بقاء الأميركيين
أما السفير الأفغاني في أنقرة أمير محمد رامين، فكشف أن الهدف من المؤتمر هو "إعلان وقف إطلاق النار أولاً، ثم بعد ذلك إحلال السلام العادل والدائم في أفغانستان". وبخصوص تفاصيل انعقاد المؤتمر والمشاركين فيه، أوضح أن التاريخ النهائي لعقده لم يحدد بعد، إلا أنه يتوقع أن يكون في منتصف إبريل المقبل، مشيراً إلى أنه سيضم وزراء خارجية وممثلين رفيعي المستوى عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وذكر رامين أن الرئيس الأفغاني أعرب عن استعداده التام للمشاركة بالمؤتمر في حال شارك زعيم حركة "طالبان" هيبة الله أخوند زاده. لكن رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغاني عبد الله عبد الله لم يكن متفائلاً. في الشق الميداني، بوشر الحديث عن تداعيات بقاء القوات الأميركية في أفغانستان بعد 1 مايو المقبل، على ضوء إقرار الرئيس الأميركي جو بايدن ذلك، في مؤتمر صحافي له يوم الخميس الماضي، وإن حاول التأكيد على "تصوّره" بعدم بقاء القوات الأميركية في عام 2022 في أفغانستان. وجاء في تقرير لموقع "وور أون ذا روكس" الأميركي المتخصص في مناقشة التحليلات والاستراتيجيات العسكرية، أن الخيارات الأميركية في أفغانستان صعبة للغاية. وذكر الكاتب سمير لالواني أن الفرضية المرجحة هي نشوب حرب أهلية في حال لم ينسحب الأميركيون، والرهان على القدرات الذاتية للحكومة للقضاء على "طالبان". ووصف هذا التقهقر في الخيارات بـ"عدم نجاح الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان لعقدين"، أي منذ اجتياح الجيش الأميركي البلاد لمطاردة زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن، بسبب شنّه اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة. وأضاف الكاتب أنه بدلاً من الخوض في نقاشات حول البقاء والخروج والاعتماد على العملية السياسية الأفغانية، فإنه يتوجب على واشنطن التركيز على وضع استراتيجية لإدارة المخاطر بعد 1 مايو. وتطرق لالواني إلى تفاصيل الاستراتيجية، معتبراً أن على إدارة بايدن وضع عناوين دبلوماسية وعسكرية لمرحلة ما بعد 1 مايو. ورأى أنه يجب على بايدن تحضير استراتيجية الخروج من أفغانستان، على الرغم من المساعي لتحقيق السلام. ومن شأن ذلك الابتعاد عن نهج الإدارة السابقة، بقيادة دونالد ترامب، التي أعلنت عودة الجنود الأميركيين إلى ديارهم من دون استراتيجية واضحة لمستقبل أفغانستان.
يجب على بايدن تحضير استراتيجية الخروج من أفغانستان
وفي رأي الكاتب، فإن "مكافحة الإرهاب" هي الهدف الأهم للأميركيين، لكن على واشنطن أن تديرها من دون وجود قوات لها على الأرض، بالتالي فإن هذا النهج سيُجبر الحكومة على إبداء نوايا حسنة في التفاوض مع "طالبان" من جهة، وسيدفع الحركة إلى تأخير "هجوم الربيع" السنوي من جهة أخرى. وبرأي الكاتب، فإن خطة "هايل ماري" (السلام لمريم)، التي اقترحها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تتضمّن نهجاً متعدد المسارات وتطلق عملية السلام من خلال تحديد شروط ترتيبات تقاسم السلطة، ووقف إطلاق النار وتشكيل حكومة أفغانية انتقالية. وبغض النظر عن مزايا الاستراتيجية، التي أشاد بها البعض، إلا أنها تتطلب تأجيل انسحاب القوات من أفغانستان إلى ما بعد 1 مايو. وكشف لالواني أن الإدارة تدرس التمديد لبقاء القوات الأميركية في أفغانستان من 6 إلى 8 أشهر. واعتبر الكاتب أن تمديد الوجود الأميركي في أفغانستان قد يكون ضرورياً، لأنه من المستحيل تقنياً إتمام عملية الانسحاب في 1 مايو، كاشفاً عن وجود أكثر من 8500 أميركي في البلاد: 2500 جندي و6 آلاف متعاقد. وأشار إلى احتمال قبول "طالبان" ومن خلفها باكستان، بتمديد محدود لموعد خروج القوات الأميركية، ويمنع في الوقت نفسه شنّ الهجمات عليها.
(العربي الجديد، الأناضول)