تكبّدت جماعة الحوثيين خسائر بشرية فادحة في محافظة مأرب النفطية خلال مارس/آذار الماضي، وذلك جراء تصعيد عسكري لافت أرادت من خلاله استغلال الانشغال الدولي بجهود إنهاء الأزمة اليمنية، وتحقيق اختراق جوهري على الأرض.
ومنذ 7 فبراير/شباط الماضي، بدأ الحوثيون عملية عسكرية واسعة من محاور مختلفة نحو منابع النفط والغاز، وعلى الرغم من الضغوط الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، إلا أن الجماعة واصلت المراوغة في قبول مبادرات إنهاء الأزمة بالمضي في هجومها الذي يهدّد أكبر تجمع للنازحين على مستوى اليمن.
وينظر الحوثيون إلى مأرب على أنها الورقة الرابحة التي ستحدّد مصير الأزمة وتحسّن شروط تفاوض العملية السياسية، ولذلك يواصلون الدفع بمئات المقاتلين إلى الأطراف الغربية والشمالية للمحافظة النفطية، من دون الاكتراث بحجم الخسائر البشرية الهائلة.
وباتت مأرب أكبر بؤرة استنزاف للمقاتلين الحوثيين خلال النزاع الممتد منذ 6 سنوات، وخلال مارس/آذار الماضي، دفعت الجماعة عواقب وخيمة لتصعيد ظل مستمراً على وقع زخم دولي غير مسبوق لوقف إطلاق النار.
وكان جامع الصالح في ميدان السبعين بصنعاء، والذي قامت الجماعة بتغيير اسمه إلى جامع الشعب، منطلقاً لمواكب تشييع رسمية يومية، يتم تخصيصها للقادة العسكريين البارزين الذين يحملون رتباً تبدأ من لواء وعميد وعقيد وتنتهي بمساعد أول، فيما يتم تجاهل مواكب تشييع المقاتلين القبليين أو المتطوعين الذين يتم تجنيدهم والزج بهم في جبهات القتال من دون تدريب.
وبحسب بيانات تشييع نشرتها وسائل إعلام رسمية حوثية، أحصى مراسل "العربي الجديد"، مقتل 716 عنصراً حوثياً خلال مارس الماضي، وهو معدل شهري أكبر من الخسائر البشرية التي تم تسجيلها مع بداية الهجمات على مأرب في الأسبوع الأول من فبراير/شباط الماضي.
وكان الأسبوع الثاني والأسبوع الأخير من مارس، الأكثر تسجيلاً للخسائر البشرية، بأكثر من 400 قتيل، وهي الفترة التي تزامنت مع نشاط دولي مكثف وجولات مكوكية لإنهاء الأزمة ووقف إطلاق النار.
وخلال الفترة الممتدة من 27 حتى 30 مارس الماضي فقط، تكبّدت جماعة الحوثيين أكثر من 80 قتيلاً، تم تشييعهم في صنعاء وحجة بدرجة رئيسية، وزعمت الجماعة أن من بينهم مواطنا سعوديا، يدعى عبدالعزيز يوسف سعد محمد عمر، قاتل في صفوفها ضد القوات الحكومية بعد سنوات من وقوعه أسيراً ورفضه العودة إلى بلاده.
وحاولت جماعة الحوثيين الحدّ من حجم الخسائر البشرية بمحاولة تحييد طيران التحالف، بشنّ هجمات مختلفة على المنشآت السعودية لكنها فشلت، حيث كانت المقاتلات الحربية سبباً رئيسياً في كبح تقدم مقاتليها نحو مأرب.
كما توسلت الجماعة قبائل مأرب بعدم قتالها، ودعتها إلى تغليب الحكمة وحقن الدماء ونسيان الأحقاد التي زرعها العدو بين أبناء القبائل اليمنية، في إشارة للتحالف بقيادة السعودية، لكن هذه الدعوات أيضاً لم تجد أي آذان صاغية مع استماتة القوات الحكومية ورجال القبائل في صدّ الهجمات القادمة من جبهات صرواح ومدغل.
ولم تحصد جماعة الحوثيين مكاسب نوعيةً على الرغم من الخسائر الحاصلة، وأكدت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، أن التقدم الحوثي الوحيد خلال مارس كان في سلسلة جبال هيلان وجبهة المشجح، وهي مناطق لا تُعدّ السيطرة عليها تحولاً كبيراً في خط سير المعركة.
وفي المقابل، لم تكن القوات الحكومية في منأى عن النزيف البشري، وخلافاً لجماعة الحوثيين، كان الجيش الوطني يخسر في 26 مارس الماضي أبرز القيادات العسكرية في معركة مأرب، وهو اللواء أمين الوائلي، قائد المنطقة العسكرية السادسة في القوات النظامية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً.
كما خسرت القوات الحكومية رئيس عمليات القوات الخاصة بمأرب العقيد صالح لضمد العباب، والذي قُتل أمس الأربعاء في معارك مأرب، بعد نحو شهر من تعيينه في المنصب، وفقاً لحديت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد".
ولا يُعرف على وجه الدقة إجمالي خسائر القوات الحكومية، وفي الأسبوعين الماضيين، أعلن محافظ مأرب الموالي للشرعية، سلطان العرادة، أن عدد قتلى الجيش الوطني في مأرب خلال عام من الهجمات الحوثية التي بدأت في إبريل 2020، بلغ 3 آلاف قتيل و18 ألف جريح، ومن المؤكد أن الرقم قد تضاعف خلال الأيام الماضية جراء ضراوة المعارك.
ويبدو أن التصعيد العسكري سيكون العنوان الأبرز للفترة المقبلة، وخصوصاً في ظل عدم وجود مؤشرات على تحقيق أي تقدم بالجهود الدولية الرامية لوقف الحرب، حيث أنهى المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ، أمس الأربعاء، جولته الأخيرة التي أجرى فيها سلسلة لقاءات بين مسقط والرياض، من دون أي نتائج معلنة.