لم يكن أكثر المتفائلين في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يتوقع أن ترتكب مرشحة حزب الخضر، المنافس بقوة على منصب المستشار الألماني، الشابة أنالينا باربوك، أخطاء تعرضها لانتقادات شديدة بسبب التناقضات في سيرتها الذاتية ومزاعم الغش في رسالة الدكتوراه، الأمر الذي سمح للاشتراكي ومرشحه أولاف شولز، نائب المستشارة ووزير المالية الاتحادي، بالعودة وفرض نفسه كمنافس جدي.
وزادت شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي أخيراً في استطلاعات الرأي بالتوازي مع تراجع الخضر إلى أقل نسبة منذ مارس/ آذار الماضي، لتتساوى الأرقام بين الحزبين عند 17%، وفق ما أعلن أخيراً معهد "إنسا" لأبحاث الرأي، علماً أنه، وقبل أسبوعين فقط، كان أداء حزب الخضر أقوى بمرتين من أداء الاشتراكي.
استطلاعات الرأي الأخيرة وضعت شولز في المرتبة الثانية كأفضل شخصية لمنصب المستشار بنسبة 19%، خلف مرشح المسيحي الديمقراطي أرمين لاشيت، فيما حلت باربوك في المركز الثالث بنسبة 15%.
وتعثرت باربوك في أزمة مصداقيتها وافتقادها للخبرة الوزارية، مقابل الشعبية التي يلقاها شولز حول شخصيته وأنه جدير بالثقة وقادر على مواجهة الأزمات، تجعل الاشتراكي واثقاً جداً من أنه سيتفوق في السباق مع الخضر، "وبعد ذلك يكون الكثير ممكناً"، وفق ما ذكرت صحيفة "مورغن بوست" نقلا عن زميله السيناتور المالي في ولاية هامبورغ أندرياس دريسل.
استطلاعات الرأي الأخيرة وضعت شولز في المرتبة الثانية كأفضل شخصية لمنصب المستشار بنسبة 19%، خلف مرشح المسيحي الديمقراطي أرمين لاشيت، فيما حلت باربوك في المركز الثالث بنسبة 15%
وحيال ذلك أيضاً، ذهب الأمين العام للاشتراكي كلارس كلينغبايل لإشاعة جو من التفاؤل، وفق شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، حيث أشار إلى أن الحزب "خلية عمل، وهناك تواصل مع الناخبين وأعضاء الحزب" البالغ عددهم 400 ألف شخص، ومبرزاً أن "هناك تعويلا على الناخبين عبر البريد"، علماً أن ميزانية الحملة الانتخابية للاشتراكي في هذه الدورة الانتخابية تبلغ 15 مليون يورو، وهي الأقل، حيث بلغت في انتخابات عام 2013 حوالي 24 مليون يورو.
وعن أسباب مراكمة الاشتراكي الأرقام وارتفاعها في الاستطلاعات الأخيرة، تبرز صحيفة "دي فيلت" أن مرشح الحزب شولز يعمل على صورته كرجل دولة في الحملات الانتخابية، رغم أنه "من الشخصيات غير الملهمة للجماهير، ويتعامل مع القضايا بثبات، ومن بينها اهتمامه مع دول العشرين، الأغنى في العالم، بالإصلاح الضريبي العالمي المخطط له للشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات لإنهاء الملاذات الضريبية"، وحيث وضعت الخطوط العريضة على قواعد التغيير الضريبي خلال الاجتماع الذي عُقد قبل أيام في إيطاليا، والمتوقع البدء بتطبيقها عام 2023، وحيث ينبغي تنفيذ الحد الأدنى المخطط له بمعدل 15%، وتطبيق توزيع عادل للحقوق الضريبية بين الدول، ومنع الشركات من نقل مقارها إلى البلدان التي تفرض نسبة ضريبة منخفضة، كما أنه سيتعين مستقبلاً على الشركات الدولية ليس دفع الضرائب في بلدانها الأصلية فقط، بل حيث تزدهر أعمالها، وهذا ما ينطبق بشكل خاص على الشركات الرقمية، والتي عادة ما تدفع القليل من الضرائب.
فيما تعاني الأحزاب الرئيسية الأخرى مع مرشحيها، فمرشح المسيحي الديمقراطي في جنوب تورينغن، الرئيس السابق لهيئة حماية الدستور هانس غيورغ ماسن، هاجم الإعلام أخيراً، وسط الحديث عن تعاطفه مع اليمين الشعبوي ومعاداته للسامية، الأمر الذي لا يتوافق مع قيم المسيحي الديمقراطي، فيما الخضر يحاول لململة ذيول أخطاء مرشحته، حتى أنه دارت تساؤلات حول استبدال باربوك بزميلها الزعيم المشارك للخضر روبرت هابيك، الذي رفض هذا الخطوة في حديث صحافي.
وفي ما يمكن أن يسمى "شجاعة اليأس"، يدفع الاشتراكي لتعزيز حضوره، رغم اعتبار بعض المحللين، بينهم أستاذ العلوم السياسية في جامعة ترير أوفيه يون، أن "هناك صورة بأنه قديم الطراز من الماضي، ولم يعترف بقضايا المستقبل الحاسمة، وإذا ما سألت الناخبين تجد أنهم يعتبرون أن المسيحي الديمقراطي يمثل الاستمرارية والاستقرار، وعندما يتعلق الأمر بالتجديد يشار إلى الخضر. وهنا تفيد التعليقات بأنه، وبغياب ميركل عن الصورة السياسية، يجب أن يكون مرشح الاشتراكي شولز، مع خبرته الحكومية كوزير للمالية ونائب للمستشارة، هو الضمان لانتقال موثوق للسلطة".
في المقابل، ومن وجهة نظر الاشتراكي، فهو قام بواجبه وقدم مرشحه في وقت مبكر، وطرح برنامجه الانتخابي بشعارات تتناغم مع قضايا واهتمامات المواطن، بينها الحد الأدنى للأجور والإسكان مع ضوابط للإيجارات، أملاً باستعادة كتلة ناخبة لا بأس بها.
ويحافظ الاتحاد المسيحي على وضع مستقر، ويحل أولاً في الاستطلاعات عند ما نسبته 28%، فيما ينال الديمقراطي الحر 12% من الأصوات، والبديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي 11%، وحزب اليسار 8%. ووفقاً لهذه الأرقام، ستكون خيارات الائتلاف الحكومي على الشكل التالي: تحالف جامايكا يتكون من الاتحاد المسيحي والخضر والليبرالي الحر، أما الخيار الثاني فقد يتشكل من الاتحاد المسيحي والاشتراكي والليبرالي الحر.