ألمانيا عرّابة حرب الإبادة على غزة

21 أكتوبر 2024
تظاهرة في دسلدورف غربي ألمانيا تطالب بوقف الحرب، 5 أكتوبر 2024 (هشام الشريف/الأناضول)
+ الخط -

تنافس ألمانيا الولايات المتحدة في الدفاع عن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحت شعار "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، ونفي ارتكاب الاحتلال إبادة جماعية في القطاع الذي تجاوز عدد الشهداء فيه الـ42 ألفاً، إضافة إلى التدخل في الدعوى التي كانت مرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية للدفاع عنها بحجة استغلال سياسي للقضية.

وكأن ذلك لا يكفي، بل إن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لم تتوان عن تبرير قصف إسرائيل أماكن نزوح المدنيين الفلسطينيين في غزة، بحجة أن "الإرهابيين" يختبئون في التجمعات المدنية والمدارس، مدافعة بذلك عن قصف الاحتلال عشرات أماكن النزوح والمدارس وحتى المستشفيات في القطاع. ولا يقتصر دفاع برلين عن حرب تل أبيب في غزة على الموقف السياسي، بل تحرص الحكومة الألمانية على تزويد الاحتلال بمزيد من الأسلحة لتشارك فعلياً في المجزرة التي يرتكبها في القطاع المحاصر.

"الدفاع عن النفس" إبادة من وجهة نظر برلين

"الدفاع عن النفس يعني بالطبع تدمير الإرهابيين، وليس مهاجمتهم فقط، فحركة حماس تختبئ في التجمعات المدنية والمدارس"، كان هذا التصريح لبيربوك في 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بعد أكثر من عام من الحرب على غزة، تعبيراً واضحاً عن موقف الحكومة الألمانية في تبنّي الموقف الإسرائيلي بشكل كامل وتبرير واضح لمجازر الاحتلال في القطاع. ولم تكتف بيربوك بذلك، بل أضافت أنه "لهذا السبب أوضحت للأمم المتحدة أن المناطق المدنية قد تفقد أيضاً وضعها المحمي بسبب إساءة استخدامها من قبل الإرهابيين".

برلين انضمت طرفاً ثالثاً لدعم موقف الاحتلال في قضية الإبادة الجماعية التي قدمتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية

ليس هذا هو الموقف الوحيد من الحكومة في برلين الذي يبرر حرب الإبادة في القطاع، فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية سيباستيان فيشر، قال في بيان قبل أيام: "لا نرى أي مؤشرات على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة". كما أن المستشار الألماني أولاف شولتز قال، الخميس الماضي، إن ألمانيا ستواصل "مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها" من خلال إمدادها بالأسلحة، مضيفاً أن إسرائيل عليها الالتزام بالقانون الدولي. وتابع شولتز على هامش قمة زعماء الاتحاد الأوروبي "بالنسبة لي، من الواضح أن دعم إسرائيل يعني أيضاً أننا نضمن دوماً قدرة إسرائيل الدفاعية، على سبيل المثال من خلال توريد المعدات العسكرية أو الأسلحة".

قرار ألمانيا الدفاع عن إسرائيل ليس جديداً، بل إن برلين كانت قد انضمت طرفاً ثالثاً لدعم موقف الاحتلال في قضية "الإبادة الجماعية" التي قدمتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية. حينها رفضت الحكومة الألمانية اتهامات الإبادة الجماعية الموجهة ضد إسرائيل، محذرة مما وصفته "الاستغلال السياسي لهذه التهمة". هذا الموقف جلب شكراً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وجّهه للمستشار الألماني على انضمام برلين طرفاً ثالثاً في مداولات الدعوى كـ"أول دولة في العالم تتخذ هذا القرار".

ألمانيا أمام محكمة العدل

لا يتوقف دعم إسرائيل على المواقف، فألمانيا تعد ثاني مصدّر للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، وهي زادت مبيعاتها من الأسلحة والمعدات العسكرية لإسرائيل في الآونة الأخيرة، بعدما نفت مرارا تعليق تراخيص أي صادرات أسلحة جديدة إليها.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، كشفت وزارة الاقتصاد أخيراً، أن قيمة الأسلحة الألمانية التي أصدرت برلين تصاريح بتصديرها إلى إسرائيل خلال العام الحالي، حتى 13 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وصلت إلى 45.74 مليون يورو. علماً أنه بحسب التقارير اقتنت إسرائيل 30% من المعدات العسكرية في 2023، من ألمانيا. وبلغت قيمة مشتريات الأسلحة الألمانية 300 مليون يورو.

في الداخل الألماني، تواجه حكومة شولتز بعنف أي تحرك داعم للفلسطينيين ورافض للإبادة الجماعية المرتكبة في غزة. في هذا السياق، استخدمت الشرطة الألمانية، أمس الأول السبت، الكلاب لتفريق متظاهرين خرجوا في العاصمة برلين للتنديد بالجرائم الإسرائيلية في غزة. وانطلق المتظاهرون في مسيرة مرددين هتافات من قبيل "الحرية لفلسطين" و"إبادة جماعية". وشهدت المسيرة مواجهات بين المتظاهرين وقوات الشرطة. وتحت ذريعة "عدم الالتزام بالقوانين" في الاحتجاج، وأن "التظاهرة تضر بالأمن العام"، طالبت الشرطة المتظاهرين بفض احتجاجهم. ورغم مغادرة العديد من المتظاهرين المنطقة، استخدمت الشرطة الكلاب لتفريق عدد من المتظاهرين الرافضين لإنهاء احتجاجهم. كما اعتقلت الشرطة العديد من المتظاهرين، واتخذت إجراءات أمنية مشددة، واستخدمت العنف ضد المحتجين.

استخدمت الشرطة الألمانية العنف والكلاب ضد المشاركين في تظاهرات مناصرة لفلسطين

وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات إلى القوة لتفريق التظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية في غزة. وقبل نحو أسبوعين، استخدمت الشرطة العنف ضد المشاركين في تظاهرة مناصرة لفلسطين في برلين بمناسبة مرور عام على الإبادة المتواصلة في غزة.

في سياق موازِ، قال وزير العدل الألماني ماركو بوشمان إن "حماية المؤسسات الإسرائيلية في ألمانيا لها أهمية خاصة في هذه الأوقات التي تنتشر فيها كراهية متعصبة ضد إسرائيل ومعاداة السامية في جميع أنحاء العالم، ويجد الإرهاب الإسلاموي باستمرار أنصاراً جدداً... سنواصل بذل كل ما في وسعنا لضمان عدم نجاح الخطط الخطيرة لكارهي إسرائيل والمعادين للسامية". جاء ذلك بعد اعتقال شخص ليبي، أمس الأول السبت، قرب برلين يُشتبه في انتمائه إلى تنظيم داعش وبتخطيطه لشن هجوم على السفارة الإسرائيلية في ألمانيا.

وقال بوشمان لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن المؤسسات الإسرائيلية مستهدفة بشكل خاص، وأضاف: "ما نعرفه أن الرجل المعتقل كان يستهدف السفارة الإسرائيلية في برلين". وكانت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر قد قالت خلال إحياء الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر، إن "مستوى تهديد العنف الإسلامي والمعادي للسامية مرتفع". وأحصت الشرطة في ألمانيا أكثر من 3200 عمل معادٍ للسامية منذ بداية العام وحتى بداية أكتوبر الحالي، وهو ما يعادل ضعف العدد المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي.

مقابل ذلك، أعلن سفير نيكاراغوا لدى هولندا، كارلوس خوسيه أرغويلو غوميز، أن بلاده قد تعيد رفع دعوى لدى محكمة العدل الدولية ضد ألمانيا بتهمة "التورط في إبادة جماعية"، استناداً لاستمرار تزويد برلين إسرائيل بأسلحة تستخدمها في حربها على غزة.

وفي حديث لوكالة الأناضول، قال غوميز إن "ما يحدث في فلسطين يتم تنفيذه بشكل مباشر من إسرائيل والحكومة الصهيونية، لكن بدعم من العديد من الحكومات الأجنبية". وتابع: "العديد من الحكومات تساعد إسرائيل، وتقدم كل أنواع الدعم السياسي والاقتصادي والأسلحة لإسرائيل في الإبادة الجماعية والقتل الجماعي والتدمير". وقال غوميز إن "طلب ألمانيا ضمانات من إسرائيل بعدم استخدامها للسلاح في الإبادة الجماعية يعني في الواقع اعتراف حكومة برلين بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي".

واستطرد غوميز: "كيف يمكن لدولة أن تقول لدولة متهمة بارتكاب جريمة إبادة جماعية، سأعطيك السلاح، لكن عدني بأنك لن تستخدمه لقتل أي شخص؟ هذا غير معقول!". وأكد أنه "في حال استمرت ألمانيا في تزويد إسرائيل بالأسلحة، فيمكن لنيكاراغوا تقديم طلب جديد إلى محكمة العدل الدولية لاتخاذ إجراءات جديدة". في 30 إبريل الماضي، قضت محكمة العدل الدولية برفض طلب قدمته نيكاراغوا مطلع الشهر ذاته، لمطالبتها باتخاذ "إجراءات احترازية عاجلة" ضد ألمانيا بتهمة انتهاك الأخيرة اتفاقية 1948 لمنع الإبادة الجماعية، من خلال تزويدها إسرائيل بأسلحة تستخدمها في حربها بغزة.

(العربي الجديد، فرانس برس، الأناضول)

المساهمون