أمير دولة قطر: يجب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والتوصل لاتفاق عادل حول البرنامج الإيراني
حملت كلمة أمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77، اليوم الثلاثاء، مواقف واضحة من أبرز القضايا الشائكة عربياً وإقليمياً ودولياً، خصوصاً في ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أو في ما يتعلق بخذلان الشعب السوري وعجز المجتمع الدولي عن محاسبة مجرمي الحرب في سورية، وضرورة التوصل إلى "اتفاق عادل حول البرنامج النووي الإيراني".
وأشار أمير دولة قطر إلى النهج الذي تعتمده قطر في التركيز على التنمية الوطنية والوساطة في حل النزاعات بالطرق السلمية، وهو ما مكنها من ترسيخ موقعها، كما تناول كأس العالم الذي تستعد دولة قطر لاستضافته في حدث ينظم للمرة الأولى في دولة عربية ومسلمة وفي الشرق الأوسط، مؤكداً على ترحيب قطر بجماهير كرة القدم والاحتفاء بالتنوع و"بإنسانيتنا المشتركة".
وقال أمير دولة قطر في كلمته: "تحول عالمنا إلى قرية عالمية تتداخل فيها همومنا وتتشابك قضايانا، ومع أن عالمنا تغير بوتيرة سريعة لناحية انتشار آثار أي حدث بيئي أو أزمة اقتصادية ومواجهة عسكرية على المستوى العالمي، إلا أن مقاربتنا وأساليبنا لم تتطور بالوتيرة ذاتها لتواكب هذه التغيرات. وسواء أكان الرأي أن العالم أحادي أم متعدد الأقطاب فإن السياسة الدولية ما زالت تدار بمنطق القدرات المتفاوتة والمصالح والأولويات، وليس بمنطق العالم الواحد والإنسانية الواحدة. وأقصد تحديداً إدارة الأزمات العالمية من منظور مصالح ضيقة وقصيرة المدى وتهميش القانون الدولي، وإدارة الاختلاف بموجب توازنات القوة وليس على أساس ميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة الدول. كما أقصد عدم توفر آليات كافية للردع ومعاقبة المعتدين على سيادة الدول وعجز المجتمع الدولي عن فرض التسويات حين يرفضها الطرف القوي في أي نزاع"، وأضاف "في هذه الظروف تبرز أهمية الحكمة والعقلانية في سلوك القادة والتمسك بمبادئ العدالة والإنصاف في العلاقات بين الدول".
وفي ما يخص الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ومع تأكيده على إدراك البعد الدولي له، قال أمير دولة قطر: "مع ذلك ندعو إلى وقف إطلاق النار ومباشرة السعي إلى حل سلمي للنزاع بين أوكرانيا وروسيا"، معتبراً أن هذا ما سينتهي إليه الأمر على كل حال مهما استمرت الحرب، واعتبر أن دوامها لن يغير هذه النتيجة، بل سوف يزيد من عدد الضحايا كما يضاعف الآثار الوخيمة على أوروبا وروسيا والاقتصاد العالمي عموماً.
وتطرق إلى القضية الفلسطينية معتبراً أنها لا تزال من دون حل، وأنه في ظل عدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية ومع التغير المتواصل للواقع على الأرض، أصبح الاحتلال الاستيطاني يتخذ سياسة فرض الأمر الواقع، ما قد يغير قواعد الصراع وكذلك شكل التضامن العالمي مستقبلاً. وفي السياق، جدد التأكيد على التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني الشقيق في تطلعه للعدالة، وكرر التأكيد على ضرورة تحمل مجلس الأمن مسؤوليته بإلزام إسرائيل بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
أما في ما يتعلق بسورية، فتوقف أمير دولة قطر عند عجز المجتمع الدولي عن محاسبة مجرمي الحرب في سورية على ما ارتكبت أيديهم، إمعاناً في الخذلان أصبح البعض يسعى إلى طي صفحة مأساة الشعب السوري من دون مقابل ويتجاهل التضحيات الكبيرة التي قدمها هذا الشعب المنكوب دون حل يحقق تطلعاته ووحدة سورية والسلم والاستقرار فيها.
وأشار إلى أنه لا يجوز أن تقبل الأمم المتحدة أن يتلخص المسار السياسي في ما يسمى باللجنة الدستورية تحت رعايتها. تقدم القضية السورية درساً مهماً بشأن عواقب غياب الرؤية بعيدة المدى لدى قوى المجتمع الدولي الفاعلة حين يتعلق الأمر بتخليص الشعوب من الطغيان اللامحدود، والفقر المدقع والحروب الأهلية، وأن تصبح المظاهر المرافقة لها مثل اللجوء هي المشكلة التي تحتاج إلى حل، وأضاف "نقدر عالياً دور الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين، ولكن لا يسعنا إلا أن نذكر أن علينا الالتفات إلى جذور القضايا قبل أن تطرق آثارها أبواب بلادنا".
وفي ما يخص ليبيا، قال أمير دولة قطر: "نطالب باتخاذ إجراء دولي وفوري من أجل استكمال العملية السياسية والاتفاق على القاعدة الدستورية للانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة"، ولفت إلى أن الجميع بات يدرك أنه لا يمكن استعادة الدولة دون توحيد القوى العسكرية وإعادة تأهيل الفصائل المسلحة في جيش وطني واحد، ونبذ من يرفض هذا الحل ومحاسبته.
وبخصوص اليمن، قال أمير دولة قطر: "نرى بصيص أمل في توافق الأطراف على هدنة مؤقتة ونتطلع إلى وقف شامل ودائم للنار تمهيداً للتفاوض بين الأطراف اليمنية بناء على أساس مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية والقرارات الدولية ومجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار 2216".
من جهة ثانية، قال أمير دولة قطر: "إننا نأمل أن يتحقق التوافق الوطني في كل من لبنان والعراق والسودان، من خلال ارتقاء النخب السياسية إلى مستوى المهام المطلوبة والمعروفة ليكون ممكناً تحقيق تطلعات المواطنين والتي تضمن وحدة الشعب والوطن وتحفظ تنوعه في الوقت ذاته"، وأضاف: "ليس الأمر ممكناً فحسب، بل هو واقعي للغاية لو توفرت الإرادة والاستعداد لتقديم التنازلات للتوصل إلى تسويات والتخلي عن نهج المحاصصة الحزبية الطائفية التي ترفضها الأجيال الشابة".
وشدد أمير دولة قطر على إيمان دولة قطر "بضرورة التوصل إلى اتفاق عادل حول البرنامج النووي الإيراني يأخذ بالاعتبار مخاوف الأطراف كافة ويضمن خلو المنطقة من السلاح النووي، وحق الشعب الإيراني في الاستفادة من الطاقة النووية للأغراض السلمية"، وأضاف "ليس لدى أحد بديل عن مثل هذا الاتفاق، وسيكون التوصل إليه في صالح أمن واستقرار المنطقة وسيفتح الباب لحوار أوسع على مستوى الأمن الإقليمي".
وفي ما يتعلق بأفغانستان، دعا أمير دولة قطر جميع الأطراف إلى الحفاظ على مكتسبات اتفاق الدوحة للسلام والبناء عليه، ومنها ألا تكون أفغانستان ملاذاً للأفراد والجماعات الإرهابية والمتطرفة حتى يحظى الشعب الأفغاني بالاستقرار والازدهار الذي طال انتظاره، وأضاف: "لقد أكدنا مراراً على ضرورة حماية المدنيين في أفغانستان، واحترام حقوق الإنسان والمواطن، بما في ذلك حقوق المرأة، وحق الفتيات في التعليم وتحقيق المصالحة الوطنية بين فئات الشعب الأفغاني"، ولفت إلى تحذير الدوحة من "خطورة عزل أفغانستان وما يمكن أن يترتب على محاصرتها من نتائج عكسية".
في موازاة ذلك، أكد أمير دولة قطر أنه "بسبب الافتقار إلى التنسيق العالمي والتخطيط الرشيد والمتوازن للسياسات المتعلقة بالطاقة على مدى عقود عديدة، فإننا جميعاً نواجه اليوم أزمة طاقة غير مسبوقة، إذ يعيش ما يقرب من مليار شخص في العالم من دون مصدر أساسي موثوق به للطاقة"، وأضاف: "ربما كانت أزمة الحرب في أوكرانيا جديدة، ولكن الأوضاع التي تتحول فيها الأزمات السياسية إلى أزمة طاقة ليست جديدة. فقد كانت تتفاقم بصمت حتى قبل الحرب في أوكرانيا"، وأشار إلى أن الحرب "تسببت في نقص إمدادات الطاقة. عقود من الضغط لوقف استثمارات الطاقة الأحفورية قبل توفير البدائل المستدامة والصديقة للبيئة التي يجب أن نسعى إلى تطويرها، ولا شك أن التغير المناخي وحماية البيئة يفرضان علينا تنويع مصادر الطاقة في أسرع وقت، لكن علينا أن نوفر الطاقة في هذه الأثناء، وأن ندرك بواقعية أن مستقبل الطاقة سيشمل مزيجاً متنوعاً من مصادرها المستدامة مثل الطاقة الشمسية...".
وأضاف: "بفضل استثمار قطر في الغاز الطبيعي المسال منذ عقود خلت تمكنّا الآن من الشروع في توسعة حقل غاز الشمال، والذي سيلعب دوراً محورياً في التخفيف من أزمة نقص إمدادات الطاقة في أجزاء مهمة من العالم".
وأشار إلى أنه "ثمة سلع مثل الغذاء والطاقة والدواء تحمل المصدّرين مسؤولية تتجاوز المسؤولية التجارية، وذلك بدءاً بالموثوقية واحترام العهود، ومن ناحية أخرى لا يجوز حظر مرور مثل هذه السلع أو منع تصديرها أو استيرادها في الأزمات السياسية، وفرض الحصار على الدول. وبالدرجة ذاتها لا يجوز استخدامها أداة في النزاعات، فهي ليست سلاحاً، تماماً مثلما لا يجوز التحكم بمصادر المياه كأنها أدوات سياسية".
من جهة ثانية، قال أمير دولة قطر: "قد ترسم وقائع العالم اليوم صورة قاتمة عن مستقبل الإنسانية، لكننا نؤمن بالحوار والعمل المشترك ومحاولة تفهّم كل طرف للطرف الآخر بأن يحاول أن يضع نفسه في مكانه ليرى الأمور من منظوره"، وأضاف: "الدول الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر حاجة لقواعد ثابتة تنظم العلاقات الدولية. فلا يصِح أن تكون الاتكالية على الدول العظمى سبباً في التقاعس عن تحقيق التواصل بيننا"، وتابع: "لكل منّا دور يقوم به، وما يبدو اليوم مستحيلاً سيكون واقعاً إذا توفرت الرؤية والإرادة والنوايا الحسنة".
وفي ما يتعلق بدولة قطر، قال: "إن النهج الذي اتخذناه في قطر هو التركيز على التنمية الوطنية والتنمية الإنسانية داخلياً، وعلى السياسة الخارجية القائمة على الموازنة بين المصالح والمبادئ والوساطة في حل النزاعات بالطرق السلمية، وإدراك مسؤوليتنا كمصدر للطاقة، وهو ما مكننا من ترسيخ سمعتنا كشريك موثوق به دولياً".
وفي ما يتعلق بكأس العالم، قال أمير دولة قطر: "سوف ترحب قطر بالعالم في نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام عندما نستضيف بطولة كأس العالم. لقد تطلب التحدي الذي أقدمنا عليه منذ 12 عاماً تصميماً وعزماً حقيقيين، والكثير من التخطيط والعمل الجاد. وها نحن اليوم نقف على أعتاب استضافة منتخبات العالم وجماهيرها ونفتح أبوابنا لهم جميعاً دون تمييز ليستمتعوا بكرة القدم وأجواء البطولة المفعمة بالحماس، وليشهدوا النهضة الاقتصادية والحضارية في بلادنا"، وأضاف: "في هذه البطولة التي تقام لأول مرة في دول عربية ومسلمة ولأول مرة في الشرق الأوسط عموماً، سيرى العالم أن إحدى الدول الصغيرة والمتوسطة قادرة على استضافة أحداث عالمية بنجاح استثنائي. كما أنها قادرة على أن تقدم فضاء مريحاً للتنوع والتفاعل البناء بين الشعوب"، وأضاف: "ونحن نلاحظ مؤشرات على الأثر الإيجابي لهذا الحدث في منطقتنا. فقد قامت دول عربية شقيقة باعتبار بطاقة (هيا) التي تشمل تأشيرة الدخول إلى قطر تأشيرة للدخول إلى تلك الدول أيضاً، ما قوبل بترحيب الرأي العام وحفّز الشعوب العربية على التطلع إلى مستقبل تزول فيه الحواجز بين الشعوب".
وخلص في كلمته إلى القول: "سوف يفتح الشعب القطري ذراعيه لاستقبال محبي كرة القدم على اختلاف مشاربهم"، وفيما أكد أنه "مهما تنوعت قومياتنا وأدياننا وأفكارنا، واجبنا أن نتجاوز العوائق وأن نمد يد الصداقة ونبني جسور التفاهم ونحتفي بإنسانيتنا المشتركة"، دعا الجميع للحضور إلى قطر والاستمتاع بهذه البطولة الفريدة.