يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لمعركة تحت الأرض في قطاع غزة، إن وجد إلى الأنفاق سبيلاً وإن استطاع قبل ذلك السيطرة على الأرض، فيما تتوالى التخمينات حول حجم الأنفاق وشكلها وطبقاتها وما يوجد في داخلها، باعتبارها "الكنز الأغلى" بالنسبة لحماس والتهديد الأكبر لأمن إسرائيل، بحسب وصف العديد من الخبراء والمحللين.
وفي هذا السياق أفردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عدة صفحات في ملحقاتها الصادرة اليوم الجمعة، محاولة النزول من سطح الأرض إلى ما تحتها.
واعتبرت الصحيفة بعد 35 يوماً من حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على القطاع، أنّ "لعبة القط والفأر القاتلة"، بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، هي ما يميّز إلى حد كبير هذه المرحلة من مراحل القتال في غزة.
وبحسب الصحيفة، فإنّ حركة حماس انتظرت حتى أدركت أنّ مرحلة التوغل البري ستنطلق، لتقوم عندها بإدخال قواتها المقاتلة الأساسية تحت الأرض، بانتظار أن يصل الجيش الإسرائيلي إليها.
ويركّز جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب الصحيفة، في توغله البري، على تدمير فتحات الأنفاق التي تتواجد على سطح الأرض.
وتعتمد المرحلة الأولى على المعلومات الاستخباراتية، التي "بخلاف ما كان قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، يتبيّن أنها معلومات دقيقة".
وذكرت الصحيفة أنّ الفتحات التي كانت معروفة لأجهزة الاستخبارات، أُشير إليها على الخرائط المشتركة لجميع القوات المشاركة في الحرب على غزة والآن هنالك جهود للوصول إليها على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، فإن كل منطقة يصل إليها جيش الاحتلال، تقوم قواته بالبحث فيها عن فتحات جديدة لم تكن معلومة للاستخبارات. ونقلت الصحيفة عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها إنّ "العشرات بل المئات من الفتحات من هذا النوع يتم رصدها في كل منطقة يتم احتلالها".
"لعبة القط والفأر القاتلة"، بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، هي ما يميّز إلى حد كبير هذه المرحلة من القتال في غزة
وتزعم ذات المصادر العسكرية، أن جزءاً من فتحات الأنفاق يتم إخفاؤه تحت المساجد أو المدارس. وعندما تكشف قوات الاحتلال عن فتحات تقوم بإدخال متفجرات مخصصة لجعل الفتحات تنهار.
وتفترض الصحيفة أنه "عندما يقرر الجيش الإسرائيلي الانتقال إلى المرحلة المقبلة سيتم استخدام قدرات من أجل النزول إلى داخل أنفاق حماس ودراستها سواء كان ذلك من خلال أدوات تكنولوجية مثل الكاميرات والروبوتات أو من خلال نزول مقاتلين من وحدات مختارة أو من وحدات الكوماندوز تحت الأرضي (..) أما الآن، فإن الهدف هو إغلاق الفتحات وكذلك ضبط المقاومين داخل الأنفاق والتضييق عليهم بقدر الإمكان".
وتشير فرضيات جيش الاحتلال، أنه "مع مرور الوقت، فإنّ المزيد من عناصر حماس ينكسرون بسبب ظروف المعيشة الصعبة تحت الأرض وسيقررون ترك أسلحتهم والخروج من الأنفاق".
وتدعي الصحيفة أن الطريقة التي يعمل بها الجيش الإسرائيلي مع الأنفاق تثبت فعاليتها حتى الآن، كما "يفاخر الجيش بوتيرة تقدّم القوات والخسائر البشرية المنخفضة نسبياً في الأيام الأولى من المناورة العسكرية".
وتشير الصحيفة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لن يحقق أهدافه حتى لو سيطر على كل قطاع غزة فوق الأرض، طالما يتواجد عناصر حماس في الأنفاق تحت الأرض.
"لن تحسم الحرب بدون مناورة تحت أرضية"
ونقلت الصحيفة عن غاي أفيعاد، الذي وصفته بأنه باحث في شؤون حماس، قوله إن الحركة أدركت أن الجيش الإسرائيلي سيدخل إلى القطاع بعد الضربة التي تلقّاها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وعليه فإنها استعدت لهذا الأمر.
وبحسب الباحث الإسرائيلي، فإنّ حماس "لديها القدرات لنقل المقاتلين والمخطوفين وكل شيء تريده تحت الأرض، وفي أن تستمر من هناك بإطلاق القذائف، وكذلك الخروج من الأنفاق وتوجيه ضربات للقوات المدرّعة الإسرائيلية.. طالما لم يحسم هذا الأمر لن تحسم الحرب. دائماً ما يتحدثون عن المناورة البرية ولكن يجب الحديث عن المناورة تحت الأرضية".
وتقول الصحيفة إنّ "المناورة تحت الأرض، ستنتظر - كما يبدو - إلى المرحلة المقبلة من الحرب وستكون طويلة ومعقدة".
وتذهب الصحيفة إلى قصة تعيين رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي في حينه موشيه يعالون عام 2004، الضابط في جيش الاحتلال يوسي لينغوتسكي، وهو جيولوجي وكان قد شغل منصباً في شعبة الاستخبارات العسكرية، مستشاراً لشؤون الأنفاق.
وساد اعتقاد في الجيش، بأنه يمكن في غزة حفر أنفاق على عمق 10 إلى 20 متراً كأقصى، فيما شرح لهم لينغوتسكي في حينه، أنه يمكن حفر أنفاق في غزة، حتى عمق المياه الجوفية، وقد يتراوح ذلك بين 30 إلى 70 متراً، على حد قوله.
وذكّرت الصحيفة بأنّ المستوى الأمني الإسرائيلي لم يتحمّس كثيراً للنتائج التي خلص إليها لينغوتسكي، والذي أجرى دراسة في حينه عن تهديد الأنفاق وقدّمه لرئيس هيئة الأركان في عام 2005، بمعنى أنه استخف به.
وقال لينغوتسكي للصحيفة إنه حاول بجميع الوسائل قرع جرس الإنذار، بأن حفر أنفاق على عمق 70 متراً هو أمر ممكن في غزة، وأنّ "التجربة تثبت أن حماس تعمل في هذا الأمر بحكمة وصبر ودقة وعزم ما يجعله ممكناً". ويعتقد الباحث أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تمنح قضية الأنفاق الأولوية.
كما تذهب إلي تقرير نشره مكتب مراقب الدولة الإسرائيلي، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، بشأن أنفاق حماس، أشار فيه إلى أنه "فقط في نهاية عام 2013، وبعد أن تم الكشف خلال السنة عن ثلاثة أنفاق هجومية لحركة حماس، ضاعفت شعبة الاستخبارات بشكل ملموس تعاملها مع تهديد الأنفاق على الرغم من أن العمل على إقامة هذه الأنفاق كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات طويلة، وأن خطورة التهديد كانت معروفة".
وبحسب ما أوردته "يديعوت أحرونوت"، اليوم، فإن من الأشخاص الذين حاولوا إيقاظ جيش الاحتلال الإسرائيلي لقضية الأنفاق والخطر الذي تشكّله على إسرائيل، كان البروفيسور يوئيل رسكين، عالم الجيومورفولوجيا (علم شكل الأرض) والجيولوجي (علم طبقات الأرض)، والذي شغل في بداية سنوات الـ2000 منصب ضابط وباحث ميداني في القيادة الجنوبية بالجيش.
وقال رسكين إنه بادر إلى إجراء دراسة حول الأنفاق في عام 2002، وشمل مسحاً معمّقاً، لكن الجيش الاسرائيلي لم يفهم معنى النتائج على مرّ السنين الماضية.
وبحسب قوله، فإن لديه فرضية بأنه "في جزء من الحالات حفرت حماس حتى المياه الجوفية من أجل استخدام المياه هناك.. بتقديري في الطبقة الأولى (من الأنفاق)، هناك مولّدات كهربائية ومخازن وقود وفي الطبقة الثانية أماكن النوم وعيادات وفي الطابق الأكثر عمقاً تتواجد مواقع قيادة حماس".