- الحملة ضد "أونروا" تهدف لإعادة تعريف من هو اللاجئ الفلسطيني وإغلاق ملف اللاجئين، مما يعكس رغبة إسرائيل في إنهاء قضية اللاجئين وحق العودة.
- استراتيجية إسرائيل تشمل تفكيك "أونروا" واستبدالها بمنظمات تخضع لأهدافها، مع البحث عن بدائل لنقل المساعدات إلى غزة، لتقليص إمكانات "حماس" المدنية وإلغاء حق العودة.
منذ بداية الحرب على غزة، تحرّض إسرائيل على وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتعمل على تلطيخ سمعتها وتعطيل عملها، بوسائل عدة.
وتدعي إسرائيل أن حركة "حماس" تستعمل مرافق "أونروا" كمرافق عسكرية وقواعد إطلاق الصواريخ، وأن عدداً من موظفي الوكالة شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما تدعي إسرائيل أن جهاز التعليم التابع للوكالة يحرّض في مناهج التعليم ضد إسرائيل ويشجع على العنف.
في الأيام الأخيرة نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش والمؤسسة الأمنية يعملان على تفكيك الوكالة كلياً. وبدأ الجيش الإسرائيلي البحث عن بدائل واقعية لوكالة "أونروا" لنقل المساعدات إلى النازحين في غزة. وتدعي المؤسسة الأمنية أن المنظمة نفسها تجاوزت حدود صلاحياتها في قطاع غزة، وأن تفكيك "أونروا" سيؤدي إلى إضعاف أدوات حركة "حماس" المدنية وقدراتها على تقديم الخدمات لسكان غزة.
توضح دراسات ومقالات إسرائيلية أن الادعاءات والتهم تجاه الوكالة كانت جاهزة قبل بدء الحرب على غزة
حملة إسرائيل شملت الضغط على الدول الممولة لـ"أونروا"، التي قلصت فعلاً التمويل للوكالة، وقامت بخطوات لتقييد حسابات الوكالة بالبنوك الإسرائيلية، وألغت الإعفاءات الضريبية الممنوحة لها، وسحبت تأشيرات الدخول من موظفي الوكالة.
هدف تفكيك وإغلاق الوكالة ليس جديداً. فقد طرحت إسرائيل أفكاراً مشابهة في مناسبات سابقة، خصوصاً بعد حرب "الجرف الصامد" عام 2014. حينها قادت تلك الحملة نائبة وزير الخارجية تسيبي حطوفيلي، والتي تشغل حالياً منصب سفيرة إسرائيل في لندن.
تهم إسرائيلية جاهزة ضد وكالة "أونروا"
متابعة عدد من الدراسات والمقالات التي نشرت في العقد الأخير في مؤسسات بحثية إسرائيلية، توضح أن الادعاءات والتهم تجاه "أونروا" كانت جاهزة قبل بدء الحرب على غزة، وقبل عملية "طوفان الأقصى"، وأن أهداف إسرائيل من ذلك أبعد وأوسع من تقليص قدرات "حماس" المدنية في غزة.
في العام 2015 نشر نير عمران، وهو ضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي ومحاضر في قسم حل النزاعات في جامعة بار ايلان، مقالاً في "معهد الاستراتيجية الصهيونية" بعنوان "حان الوقت لتفكيك الوكالة".
ادعى عمران ان الوكالة وُلدت (عام 1949) بالخطيئة، وأنه آن الأوان لتفكيكها. وأضاف: "يكفي أن نذكر أنه على الرغم من وجود مفوضية عليا للأمم المتحدة للتعامل مع اللاجئين في جميع أنحاء العالم، تؤدي عملها بنجاح وفعالية منذ الحرب العالمية الثانية، وتوفر أملاً وأفقاً اقتصادياً واجتماعياً جديداً للاجئين، اختارت الدول العربية الضغط على الأمم المتحدة لإنشاء وكالة موازية للتعامل الحصري مع اللاجئين الفلسطينيين".
وتابع أنه "بعد 67 عاماً من إقامة أونروا يمكن القول بوضوح إنها فشلت فشلاً ذريعاً في توفير الحل للاجئين الفلسطينيين. وقد ارتفع عددهم من حوالي 700 ألف إلى أكثر من 5.5 ملايين نسمة. أونروا تديم الصراع وتخلق تبعية للاجئين".
ادعى الكاتب أن الوكالة حددت لنفسها "من هو اللاجئ"، وذلك على عكس اللجنة العامة التي تعرّف اللاجئ على أساس المخاطر التي تهدد حياته وحريته. وتعرّف الوكالة اللاجئ الفلسطيني أنه كل من غادر منزله قسراً من فلسطين الانتدابية في العام 1948. وبما أن التعريف حسب الماضي فسوف يستمر اعتباره لاجئاً إلى الأبد. وبذلك يمنح أيضاً وضع اللاجئ لأحفاد اللاجئين الأصليين وأبنائهم حتى نهاية كل الأجيال، حتى لو كانوا يعيشون الآن بشكل مريح في تشيلي أو أستراليا.
في حقيقة الأمر من المستحيل سحب صفة اللاجئ وفقاً لتعريف "أونروا" كما يقول الكاتب. والنتيجة أن عدد اللاجئين الفلسطينيين لا ينخفض أبداً، بل يزداد فقط - حتى لو حصلوا على الجنسية في بلدان إقامتهم.
يحرّض عمران على "أونروا" ويتهمها بأنها تعمل على خلق بديل للحكومات في الدول التي استقبلت لاجئين فلسطينيين، كونها تتجاوز التفويض الممنوح لها من قبل الأمم المتحدة، الذي ينص فقط على تقديم المساعدات الإنسانية والتنمية وتوفير أماكن عمل، بحيث تقوم على أرض الواقع بمهام التثقيف السياسي والتحريض، وإدارة مصالح اقتصادية، وتوفر التمثيل القانوني، وتعمل على توفير البنية التحتية والبناء.
خلص عمران إلى أنه بعد أن تلقت "حماس" ضربة قاصمة في حرب "الجرف الصامد" (2014)، فإن الوقت حان لاستغلال الحالة والعمل على تفكيك وكالة "أونروا"، ونقل مسؤولية اللاجئين إلى السلطة الفلسطينية.
دراسة عمران توضح أن همه الأساسي هو توفير لائحة اتهام مليئة بالأكاذيب وتشويه صورة "أونروا" بهدف تفكيكها، وبذلك التخلص من، وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين. هذه الأهداف تبرز كذلك في دراسة مطولة (تقع في 98 صفحة) نشرت في "مركز دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب عام 2020، من إعداد كوبي ميخائيل وميخال حطوئيل-ردوشتسكي، بعنوان "70 عاماً على أونروا: آن الأوان لإصلاحات بنيوية وإدارية".
توضح دراسة بحثية أن الهدف الأساسي هو إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حق العودة
تنطلق الدراسة من الحاجة إلى التفكير الجدي حول استمرار عمل "أونروا" نتيجة فشل الوكالة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، والارتفاع المتواصل في عددهم، وأن الوقت متاح لذلك على ضوء قرار الإدارة الأميركية وقف تمويل الوكالة عام 2018، الممول الأكبر للوكالة.
ادعاء بفشل "أونروا" بتحقيق أهدافها
تدعي الدراسة أن "أونروا" فشلت في تحقيق أهدافها التي أقيمت من أجلها، وبالأساس الفشل في دمج اللاجئين في مشاريع تنمية وإعمار في البلدان المضيفة، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وتغيير الصورة النمطية عنهم، وبذلك فشلت في توطينهم في البلدان المضيفة.
كما تنتقد الدراسة عدم تحويل موضوع اللاجئين الفلسطيني إلى مسؤولية "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" كباقي اللاجئين في العالم. بذلك يطالب الباحثان بتحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى قضية لجوء عادية كباقي الحالات في العالم.
تقول الدراسة إن هناك ثلاثة بدائل محتملة لوكالة "أونروا": الأول إصلاح شامل للوكالة بما يشمل إعادة هيكلة وإعادة تنظيم أساليب العمل والشفافية، وتغيير وضع اللاجئين وخفضا كبيرا في عدد مستحقي المتابعة من قبل المنظمة. والثاني نقل صلاحيات الوكالة وموازناتها إلى الحكومات في مناطق عملها المختلفة، بما في ذلك السلطة الفلسطينية. والثالث الدمج بين وكالة "أونروا" ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وبما أن البدائل الثلاثة تحمل عيوبا، يقترح الباحثان الدمج بينها في سبيل إنتاج بديل يمكن أن يحل محل "أونروا" يخدم مصالح إسرائيل، وربما ينهي قضية اللاجئين الفلسطينيين بوسائل إدارية وعن طريق إعادة تعريف من هو اللاجئ. أي تطبيع حالة اللجوء ودمج أكبر عدد ممكن منهم في الدول المضيفة. بذلك توضح الدراسة أن الهدف الأساسي هو إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حق العودة.
دراسة إضافية جديدة صدرت في فبراير/شباط 2024، للمحامية طاليا اينهرون، وهي محاضرة في كلية الحقوق بجامعة مستوطنة أريئيل، بعنوان "إغلاق أونروا وإنقاذ الدولة". تعود الدراسة لتؤكد ما ورد في الأدبيات المذكورة أعلاه، وتشدد على ضرورة العمل على تفكيك وكالة "أونروا".
وتدعي أن "الأمم المتحدة أنشأت وكالة "أونروا" خصيصاً لإعادة تأهيل اللاجئين الفلسطينيين وتوفير فرص العمل لهم. ومع ذلك، في الممارسة، تعمل المنظمة على تحقيق أهداف مغايرة تماماً. إن التعريف الموسع بشكل استثنائي للاجئين الفلسطينيين، الذي تتولى أونروا المسؤولية عنه، بالإضافة إلى الصلاحيات الممنوحة للأونروا والطريقة التي تتصرف بها، قد تسبب في إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين".
لذا فقد حان الوقت، وفق الكاتبة، لكي تتحرك إسرائيل لإغلاق وكالة "أونروا"، ومعاملة اللاجئين الفلسطينيين بنفس الأدوات والمعايير التي تتعامل بها الأمم المتحدة مع كافة اللاجئين من كل الحروب الأخرى في العالم.
وضوح الأهداف الإسرائيلية
توضح هذه الدراسات مدى اهتمام إسرائيل، المؤسسة الأمنية والسياسية، بموضوع وكالة "أونروا" ومدى الاستثمار في دراسة هذه الوكالة واقتراح بدائل، وأن هذا الاهتمام واقتراح البدائل ليس نتاج عملية "طوفان الأقصى" والحرب الحالية على غزة فقط. وتظهر الدراسات أن الهدف المركزي وراء محاولات إغلاق أو استبدال "أونروا" هو التخلص من قضية اللاجئين وإغلاق هذا الملف، ليس فقط في غزة، إنما في كل المنطقة، عبر إلغاء هذه الصفة عن أكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين بأدوات إدارية، والعمل على توطينهم في الدول المضيفة. وبذلك إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل عبر تبديل وكالة "أونروا" في قطاع غزة، واستبدالها بروابط جديدة، أو عملاء لإسرائيل، أو مؤسسات إقليمية أو حتى دولية تتحكم بها إسرائيل بشكل أعمق، إلى التحكم في عملية إدخال المساعدات الإنسانية والأغذية والأدوية إلى قطاع غزة، خلال وبعد الحرب، لكي تقلص إمكانات وأدوات عمل "حماس" في الجوانب المدنية كما تدعي إسرائيل.
تفكيك أو استبدال وكالة "أونروا" بأدوات ومنظمات فلسطينية أو غير فلسطينية، خاضعة إلى رغبات وأهداف إسرائيل، يعني سيطرة إسرائيل على الجوانب المدنية في غزة بعد الحرب، ويعني عودة الاحتلال بأدوات غير مباشرة.