بدأت الوفود الدبلوماسية وقادة الدول من جميع أنحاء العالم بالوصول إلى نيويورك، مساء الأحد، لحضور اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى للدورة الـ78، والتي ستعقد الثلاثاء. وكما جرت العادة، سيقدم هؤلاء القادة رؤيتهم للأوضاع السياسية وانعكاساتها داخلياً وخارجياً بالإضافة إلى الحديث عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمناخية التي تواجه العالم. ومن المتوقع أن يكون الحضور في هذه الدورة هو الأكبر منذ جائحة كورونا، من حيث عدد الوفود والمشاركين كما الاجتماعات والقمم.
وسيعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى عدد من المؤتمرات والقمم المهمة، أبرزها افتتاح قمة التنمية المستدامة، صباح الاثنين، في نيويورك، وستستمر حتى الثلاثاء. ومن المتوقع أن يتم اعتماد إعلان سياسي في نهايتها. وتتركز الأنظار على قمة التنمية المستدامة والالتزامات الجديدة، بالإضافة إلى قمم أخرى كالمناخ والصحة والتي تعالج مواضيع ذات صلة، وترغب قيادات الأمم المتحدة بأن تعطي القمة دفعة جديدة لحشد التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
قادة الدول والوعود الجديدة
وستكون الآذان صاغية لما سيقوله قادة الدول عن تجديد التزامهم بأهداف التنمية المستدامة، وتحديدا خططهم الفعلية ورؤيتهم على الصعيد الوطني والعام من أجل تحقيق تقدم غاب حتى الآن في أغلب دول العالم بسبب جائحة كورونا وتبعاتها.
لكن المختصين، بمن فيهم مسؤولون في الأمم المتحدة، يحذرون من أن جائحة كورونا، وإن أدت إلى تدهور الأوضاع، لم تكن السبب الوحيد لعدم تحقيق تقدم ملموس، إذ كانت السياسات المحلية في أغلب الدول قد انحرفت بعيدا عن الطريق الصحيح قبل الجائحة. ويرى هؤلاء أن جائحة كورونا عرّت الفروقات الطبقية والجندرية، حتى داخل الدول الغنية، كما بين الدول الغنية والفقيرة أو متوسطة الدخل والنامية.
وحتى الآن فإن التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا يزيد عن نسبة 15 بالمئة من الأهداف، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. وتركز الخطة على تحقيق 17 هدفا تنمويا، بما فيها القضاء على الفقر المدقع والجوع وتعزيز التعليم والعمل المناخي. وكان قادة العالم قد تعهدوا، عام 2015، بتحقيق 17 هدفا "للوصول إلى ثلاثة أشياء غير عادية في السنوات الـ15 المقبلة، وهي القضاء على الفقر المدقع، ومحاربة عدم المساواة والظلم، وإصلاح تغير المناخ في جميع البلدان ولجميع الناس".
قمة نيويورك وحلول جديدة؟
تعد قمة نيويورك، التي تبدأ اليوم، حول أهداف التنمية المستدامة، منتصف الطريق للموعد المحدد لتحقيق أهدافها بحلول عام 2030، و"عدم ترك أحد خلف الركب"، وهو واحد من العناوين أو الوعود الرئيسية التي أطلقت. لكن الوضع على أرض الواقع يشير، وبكلمات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قبل يومين من افتتاح القمة، إلى "أنه تم تحقيق تقدم بنسبة 15 بالمئة فقط من الأهداف، لكن الكثير منها يسير بالاتجاه المعاكس. تحتاج أهداف التنمية المستدامة إلى خطة إنقاذ عالمية. وستكون قمة أهداف التنمية المستدامة، التي ستعقد يوم الاثنين، هي اللحظة المناسبة للحكومات للجلوس إلى الطاولة بخطط ومقترحات ملموسة لتسريع التقدم".
ومن الملاحظ أن الأمم المتحدة تواجه تحدياً إضافياً يتعلق بعدم وجود اهتمام عام أو واسع النطاق يزيد من الوعي بأهمية تلك الأهداف، ناهيك عن التوترات الدولية من حروب أهلية وصراعات وانقلابات عسكرية والحرب الأوكرانية والكوارث الطبيعية. كل هذه تبعد الأنظار عن الخطة التي من المفترض أن تقدم الحلول للكثير من التحديات، وتشكل بمثابة قارب إنقاذ للكثير من الناس حول العالم، وتساعدهم في مواجهة التحديات والاحتياجات والحصول على حقوق أساسية، كالتعليم والقضاء على الفقر المدقع والجوع والطاقة النظيفة وغيرها.
الأمين العام للأمم المتحدة ومحاولة إنقاذ أهداف التنمية المستدامة
سيترأس غوتيريس القمة ومن المتوقع أن يشير في مداخلته عند افتتاحها إلى سبل للخروج من هذه الأزمة التي يواجهها العالم، وأن يركز على عدد من النقاط بما فيها الإعلان السياسي المفصل الذي تتم مناقشته. ومن المخطط أن تتبناه القمة، والذي من المفترض أن يركز على عدد من الأمور، أبرزها تحسسين قدرة الدول النامية للوصول إلى التمويل اللازم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والذي يتطلب دعما ماديا لتحفيز تلك الأهداف بما لا يقل عن 500 مليار دولار سنويا بحسب تقارير الأمم المتحدة.
كما ناشد غوتيريس، في أكثر من مناسبة، بضرورة وضع آلية فعالة من أجل تخفيف أعباء الديون ودعم تعليق المدفوعات، بما فيها شروط إقراض أطول وأسعار فائدة أقل. ويرى غوتيريس أنه لا بد من تغيير طريقة عمل بنوك التنمية متعددة الأطراف كي تتمكن البلدان النامية، بشكل خاص، من الاستفادة من التمويل الخاص بأسعار معقولة.
وهناك عدد من الأهداف التي لا بد أن تعطى لها الأولوية من أجل المضي قدما في تحقيق أهداف التنمية. ومن بينها، القضاء على الجوع، حيث هناك الملايين حول العالم الذين ينامون كل ليلة وهم يتضورون جوعا. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى ضرورة توظيف وحشد التمويل والعلوم والخطط السياسية من أجل خلق نظام غذائي يسمح بحصول الجميع على طعام وتغذية صحية، وتخطي "مجرد" تقديم المساعدات الغذائية. فلا بد من خلق أنظمة مستدامة وكفيلة بحل جذري لتلك التحديات، بالإضافة إلى إعطاء دفعة للتحول إلى الطاقة المتجددة، والذي لا يحدث بالسرعة الكافية، وضمان الانتقال العادل من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
وهناك أهداف رئيسية أخرى، كالتعليم، حيث يعاني الكثيرون حول العالم من جودة تعليم منخفضة هذا إن حصلوا على التعليم أصلا، ناهيك عن العمل من أجل أماكن عمل جديدة وخاصة في قطاع الطاقة النظيفة، تشمل حماية اجتماعية وظروف عمل بعيدة عن الاستغلال، بالإضافة إلى محاربة التغيير المناخي كما تقديم الحماية والخدمات الصحية الأساسية.
ويحاول المسؤولون في الأمم المتحدة حشد التغطية الإعلامية والاهتمام بهذه الأمور، وخلق توعية بضرورة الضغط على القادة لتنفيذ تلك الوعود ووضع خطط يتم الالتزام بها. ويخشى البعض أن تطغى قضية أوكرانيا، وحضور الرئيس الأوكراني إلى الأمم المتحدة في محاولة لحشد تأييد أكبر ضد روسيا، على الكثير من القضايا المهمة والملحة، وعلى رأسها أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 والمناخ والصحة وغيرها.