اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن الحالة العسكرية في أوروبا عاجزة عن مواجهة النقص الهائل في التسلح، بسبب امتصاص الحرب في أوكرانيا لمخزونها، وتزامن ذلك مع تقديرات الاستخبارات العسكرية الدنماركية (إف إي)، الأسبوع الماضي، بأن "التهديد الروسي سيبقى لفترة طويلة تحديا أمنيا مستقبليا ضد الدول الغربية، والدنمارك ستواجه صورة تهديد شديدة الخطورة بسبب موسكو".
وأشارت الصحيفة الأميركية، في 13 ديسمبر/كانون الأول، إلى أن أوروبا "جرّدت نفسها من السلاح بصورة منهجية". ونوه التقرير إلى ما سماه "الحالة السيئة لقوات الدفاع الأوروبية، فبريطانيا لديها حوالي 150 دبابة صالحة للخدمة من أصل 227، ولديها 12 قطعة مدفعية طويلة المدى يمكن استخدامها بشكل جيد، وتجهيز باقي الدبابات يتطلب على الأقل شهرا". أما فرنسا فلديها أيضا مشكلة في دباباتها "وتقدر بنحو 90 قطعة، وهو تقريبا ذات الرقم الذي يخسره الروس شهريا".
ومن الواضح أن فتح أوروبا لمخازنها أمام جيش كييف أضرّ حتى بقدرة دولة صغيرة مثل الدنمارك "فلم يعد لديها مدفعية ثقيلة، هذا إلى جانب غياب امتلاكها غواصات وأنظمة دفاع جوي متطورة".
ما يصعب تعويضه
المثير في التقرير، الذي يستند إلى خبراء عسكريين، أن ألمانيا "التي كانت تمتلك نحو 7 آلاف دبابة في الثمانينيات لم يعد لديها اليوم أكثر من 200، وربما نصفها يمكن استخدامها فعليا، استنادا إلى مصادر حكومية".
ونوهت الصحيفة إلى أنه "سيكون من الصعب تعويض الرقم، إذ يمكن للبلاد إنتاج 3 دبابات شهريا". وأضافت: "الجيش الألماني لديه ذخيرة تكفي ليومين من القتال".
وأشار تقرير الصحيفة إلى آراء خبراء "قلقين" من وضع أوروبا التسلحي، ودعا البروفيسور جوستين برونك، من معهد أبحاث السياسة الأمنية البريطاني المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إلى "قيادة سياسية حقيقية"، ليس أقلها "الشجاعة السياسية لاتخاذ القرارات اللازمة لزيادة الاستثمار في الإنتاج العسكري وسرعته".
وأضاف برونك للصحيفة "في الوقت الذي غيرت فيه روسيا من اقتصادها نحو اقتصاد حرب، وتسعى أميركا جاهدة لتجديد مخزونها، فإن الدول الأوروبية تحاول مواجهة وضع خطير بشكل متزايد، على أساس أن السلام غير مستدام، والمحاولات الأوروبية لزيادة الإنتاج (العسكري) بطيئة للغاية".
ويتفق مع هذا الرأي أستاذ الدراسات العسكرية من جامعة وارويك في بريطانيا أنتوني كينج، ويقول بشأن القدرة الدفاعية للأوروبيين: "لقد قامت أوروبا بتجريد نفسها من السلاح بشكل منهجي".
أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو) السابق أندرس فوغ راسموسن، ليس أقل تشاؤما من صورة أوروبا التي بالكاد تستطيع الدفاع عن نفسها. فهو يذكر للصحيفة أنه "على الرغم من أن القوة الاقتصادية والصناعية المشتركة لدول ناتو تفوق بكثير قوة الروس وحلفائهم، إلا أننا نسمح بإمكانية تجاوزنا من حيث الإنتاج". ويعتقد راسموسن أنه إذا لم تأخذ أوروبا على محمل الجد إنتاج المزيد من الذخائر "فإن خطر الحرب سوف يقترب منا".
وعد الاتحاد الأوروبي بتزويد أوكرانيا بنحو مليون قذيفة مدفعية في شهر مارس/آذار القادم، ولكنه يعترف الآن بأنه من المستحيل توفير هذا العدد الكبير من القذائف، حيث لم تتمكن أوروبا سوى إرسال الثلث، مع بطء الإنتاج العسكري. رغم أن الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي ارتفع بنسبة 20 في المائة، بحسب "وول ستريت جورنال".
في المقابل، ومنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، زادت روسيا والصين إنفاقهما الدفاعي بنحو 300 و600 في المائة على التوالي.
الحرب لأجل السلام
جاء تقرير "وول ستريت جورنال" بعد تحذيرات أطلسية صدرت عقب مؤتمر برلين الأمني، من أنه لو قرر الروس تحريك دباباتهم غربا فقد لا يتمكن الأطلسي من السيطرة على الوضع. وحذر خبراء عسكريون، ومن بينهم الأميرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف "ناتو"، من تراجع القدرة الأوروبية على صد غزو جيش أو منعه من التوغل بشكل أكبر في أوروبا.
وشدد باور، في تصريحات على موقع "ناتو"، على أن "علينا أن نرى العالم كما هو، وليس كما نريده أن يكون. الاستعداد للحرب ليس عدوانيا". وأضاف: "إنها الطريقة الوحيدة لضمان السلام".
بدورها، أكدت وزيرة الدفاع الهولندي كايسا أولونغرين على وجهة النظر تلك بقولها: "كأوروبيين، يجب علينا أن نتعلم الردع مرة أخرى. وهذا يتطلب استثمارات وتعزيز قواتنا المسلحة، لأن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يكون قوة ناعمة دون امتلاك القوة الصلبة". وشددت على "أهمية أن تجدد أوروبا مخزونها من الذخيرة والمعدات والوقود، وتعزيزها القدرة الإنتاجية للصناعات الدفاعية".
ويتشاطر عدد من المتخصصين في وزارات دفاع الدول الأوروبية، بما في ذلك الألمانية والإسكندنافية، هذه النظرة المتشائمة للحالة الدفاعية الأوروبية.
وكان أمين عام حلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ أكد، في وقت سابق من العام الحالي، على أهمية اقتناع السياسيين بضرورة اتخاذ إجراءات لبدء الإنتاج الضروري: "فالاستهلاك الحالي للذخيرة أكبر من معدل الإنتاج، ولن يتم تسليم الطلبات المقدمة اليوم قبل عامين ونصف العام من الآن"، وشمل التأخير وفاء أوروبا بوعدها لأوكرانيا بتسليمها مليون قذيفة مدفعية بعد 4 أشهر من الآن.