أيمن الظواهري... منظّر "القاعدة" الشاهد على الأفول الكبير

صفات كثيرة أُطلقت على زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، الذي أعلنت الولايات المتحدة قتله في غارة بطائرة بدون طيار استهدفته الأحد وسط العاصمة الأفغانية كابول. فاليد اليمنى لزعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن، كان يُعتبر المنظّر الرئيسي لـ"القاعدة"، و"العقل المدبر" لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وغيرها.

لكن باحثين يرون أن الظواهري لم يحافظ على أسطورة الزعامة التي امتلكها سلفه أسامة بن لادن، خصوصاً في ظل التغييرات التي شهدها العالم، ونشوء تنظيم "داعش"، الذي استطاع اجتذاب تنظيمات كانت موالية لـ"القاعدة".

وكما أن ظهوره العلني تراجع مع سقوط حكم طالبان في 2001، فقد كشفت عملية تصفيته أن عودة الحركة للحكم عقب الانسحاب الأميركي في أفغانستان، أرجعته إلى العاصمة كابول حيث تبين أنه كان يقيم في "منزل آمن" وبعلم من نائب زعيم حركة طالبان سراج الدين حقاني بحسب ما أكد مسؤول أمني، وهو ما دفع واشنطن إلى اتهام الحركة بخرق اتفاق الدوحة الذي كان ينص على عدم السماح "باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين لتهديد أمن البلدان الأخرى".

 أظهر الظواهري في الفترة الأخيرة قبل مقتله، قدرة على التواصل مع حلفاء مقربين في إدارة "طالبان" 

ربما أعطت عودة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي في أغسطس/آب 2021، "القاعدة أملاً جديداً. وجاء في تقرير للأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي أن الظواهري أظهر في الفترة الأخيرة "قدرة وسهولة متزايدة في التواصل" مع حلفاء مقربين في إدارة "طالبان".

ورجح التقرير عدم إقدام الظواهري على شن هجمات على الصعيد العالمي على المدى القصير لتجنب إحراج إدارة "طالبان". لكن التقرير أشار إلى أن "الظرف الدولي مؤاتٍ لتنظيم القاعدة الذي يسعى مجدداً إلى فرض نفسه قائداً للجهاد العالمي". ويبدو أن هذه الاعتبارات أدت دوراً في اتخاذ قرار تصفيته.

وفي انتظار اتضاح من سيخلفه في المنصب وتداعيات اغتياله على التنظيم الذي كان شاهداً خلال فترة توليه زعامته على الانقسامات العديدة التي ضربته، مع ما حمله ذلك من تراجع له مقابل تزايد نفوذ جماعات متشددة أخرى مثل "داعش"، فإن عددا من المحللين يصفون زعامة الظواهري على أنها مجلس استشاري أكثر منها قيادة مركزية متماسكة.

وكتب المحللان كولن كلارك واسفنديار مير في "فورين بوليسي" إن الظواهري "لم يشكّل ربما حالة عبادة شخصية" مثل بن لادن، إلا أنه كان خطيراً بالقدر نفسه على الولايات المتحدة. لكنهما لفتا إلى أن "دعوة الظواهري إلى الوحدة وعدم اهتمامه بالمزايدة في مجال العنف سمحا لتنظيم القاعدة بطرح نفسه أمام أنصاره ومجندين محتملين لصفوفه على أنه أكثر جبهة جهادية يمكن الوثوق بها في وجه تنظيم داعش".

حياة الظواهري المبكرة

أبو محمد، وأبو فاطمة، ومحمد إبراهيم، وأبو عبد الله، وأبو المعز، والطبيب، والمعلم، ونور، والأستاذ، وأبو محمد نور الدين، وعبد المعز، كانت هذه بعض الأسماء المستعارة لأيمن الظواهري، الذي كان مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية (FBI) يتهمه بقتل رعايا أميركيين خارج الولايات المتحدة، والهجوم على منشأة فيدرالية أدى إلى وفاة مواطنين.

وكان برنامج "المكافآت من أجل العدالة"، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، قد رصد مكافأة 25 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي مباشرة إلى القبض على الظواهري.

والظواهري طبيب مصري ومؤسس حركة الجهاد الإسلامي المصرية، وهو التنظيم الذي عارض الحكومة المصرية وسعى إلى إسقاطها بوسائل عنيفة. وفي عام 1998 تقريباً، اندمجت الجماعة بقيادة الظواهري مع تنظيم القاعدة. وُجّهت إلى الظواهري تهمة لدوره في تفجيرات 7 أغسطس/ آب 1998 لسفارتي الولايات المتحدة في دار السلام بتنزانيا ونيروبي في كينيا.

وُلد الظواهري في القاهرة في 19 يونيو/حزيران 1951، ويتحدر من عائلة من الطبقة الوسطى من الأطباء والعلماء. جده ربيع الظواهري، كان الإمام الأكبر للجامع الأزهر، بينما كان أحد أخواله أول أمين عام لجامعة الدول العربية وهو عبد الرحمن عزام.

تخرّج الظواهري من كلية الطب في العام 1974 وانضم إلى أول خلية سرية إسلامية وعمره 16 عاماً

وكما يقول محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات في كتاب عنه، فإن جده لوالدته هو الدكتور عبد الوهاب عزام أستاذ الآداب الشرقية ورئيس جامعة القاهرة، أما والده فكان طبيباً شهيراً وأستاذاً في طب عين شمس، وكان خاله محفوظ عزام نائباً لرئيس حزب العمل.

تخرّج الظواهري، كما يذكر الزيات، من كلية الطب في العام 1974 وهو الوقت الذي يعتبره كثير من الباحثين ذروة ما يسمى بـ"الصحوة الإسلامية". حصل على الماجستير في الجراحة من جامعة القاهرة عام 1978، وانضم إلى أول خلية سرية إسلامية وعمره 16 عاماً، وتأثر مثل معظم جيل السبعينيات من القرن الماضي بكتابات المفكر الإسلامي سيد قطب.

سار الظواهري في البداية على خطى الأسرة، حيث أنشأ عيادة طبية في إحدى ضواحي القاهرة، لكنه سرعان ما انجذب إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة التي كانت تدعو إلى الإطاحة بالحكومة المصرية.

في عام 1981، قُبض عليه مع مئات آخرين من أعضاء الجماعة المشتبه بهم بعد أن اغتال عددٌ من أعضاء المجموعة الرئيس أنور السادات خلال عرض عسكري في القاهرة.

وخلال المحاكمة الجماعية، ظهر الظواهري كزعيم للمتهمين وتم تصويره وهو يقول للمحكمة: "نحن مسلمون نؤمن بديننا. نحاول إقامة دولة إسلامية ومجتمع إسلامي". على الرغم من تبرئته من التورط في اغتيال السادات، فقد أدين الظواهري بحيازة أسلحة بشكل غير قانوني، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.

وبحسب زملائه السجناء الإسلاميين، تعرّض الظواهري للتعذيب والضرب من قبل السلطات خلال فترة وجوده في السجن في مصر، وهي تجربة قيل إنها حولته إلى متطرف متعصب وعنيف.

رصد

التحديثات الحية

هذه أبرز العمليات الأميركية التي استهدفت قادة "القاعدة" و"داعش"

بعد إطلاق سراحه عام 1985، غادر الظواهري إلى السعودية. وبعد ذلك بوقت قصير توجه إلى بيشاور في باكستان ثم إلى أفغانستان المجاورة، حيث أسس فصيلاً من "الجهاد الإسلامي" المصري أثناء عمله كطبيب في البلاد خلال حقبة الاحتلال السوفييتي.

تولى الظواهري قيادة حركة الجهاد الإسلامي المصرية بعد أن عادت للظهور في عام 1993، وكان شخصية رئيسية وراء سلسلة من الهجمات التي شنتها الجماعة على وزراء في الحكومة المصرية، بمن في ذلك رئيس الوزراء عاطف صدقي. أدت حملة الجماعة لإسقاط الحكومة وإقامة دولة إسلامية في البلاد خلال منتصف التسعينيات، إلى مقتل أكثر من 1200 مصري.

في عام 1997، صنّفته وزارة الخارجية الأميركية على أنه زعيم جماعة "طلائع الفتح"، وهي فصيل من "الجهاد الإسلامي"، يعتقد أنه كان وراء مذبحة السياح الأجانب في الأقصر في العام نفسه والتي قُتل فيها 58 سائحاً. وبعد ذلك بعامين، حكمت عليه محكمة عسكرية مصرية بالإعدام غيابيا لدوره في هجمات التنظيم العديدة.

يُعتقد أن الظواهري سافر حول العالم خلال التسعينيات بحثاً عن ملاذ ومصادر تمويل

يُعتقد أن الظواهري سافر حول العالم خلال التسعينيات بحثاً عن ملاذ ومصادر تمويل. وفي السنوات التي أعقبت الانسحاب السوفييتي من أفغانستان (1989)، يُعتقد أنه عاش في بلغاريا والدنمارك وسويسرا، واستخدم أحياناً جواز سفر مزوراً للسفر إلى البلقان والنمسا واليمن والعراق وإيران والفيليبين. وبحسب ما ورد أمضى ستة أشهر في سجن روسي في ديسمبر/كانون الأول 1996 بعد أن قُبض عليه من دون تأشيرة صالحة في الشيشان.

عام 1997، يعتقد أن الظواهري انتقل إلى مدينة جلال آباد الأفغانية، حيث كان مقر أسامة بن لادن. وبعد ذلك بعام، انضمت حركة الجهاد الإسلامي المصرية إلى خمس مجموعات إسلامية متشددة أخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن، في تشكيل "الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين".

تضمّن الإعلان الأول للجبهة فتوى تسمح بقتل المدنيين الأميركيين. وبعد ستة أشهر، دمر هجومان متزامنان سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، مما أسفر عن مقتل 223 شخصاً.

وكان الظواهري أحد الشخصيات التي استخدمت مكالماتها الهاتفية عبر الأقمار الصناعية كدليل على أن بن لادن و"القاعدة" كانا وراء الهجومين. وبعد أسبوعين من الهجومين، قصفت الولايات المتحدة معسكرات تدريب الجماعة في أفغانستان. وفي اليوم التالي اتصل الظواهري هاتفياً بصحافي باكستاني وقال: "قل لأميركا إن قصفها وتهديداتها وأعمالها العدوانية لا تخيفنا. الحرب بدأت للتو".

أبرز المتحدثين باسم "القاعدة"

برز الظواهري كأهم المتحدثين باسم "القاعدة"، حيث ظهر في 16 مقطع فيديو وشريطاً صوتياً في عام 2007، أربعة أضعاف عدد تسجيلات بن لادن، في محاولة للتنظيم تجنيد أعضاء في جميع أنحاء العالم.

صار أحد أبرز المطلوبين لدى الولايات المتحدة بعد تفجير المدمرة كول في 2000 في ميناء عدن، ثم اعتداءات سبتمبر 2001

صار أحد أهم المطلوبين لدى الولايات المتحدة بعد تفجير المدمرة كول في أكتوبر/تشرين الأول 2000 في ميناء عدن، ثم اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ليختفي بعدها عن الأنظار.

ويُعتقد أن شهرة الظواهري المتزايدة أدت إلى هجوم صاروخي أميركي في 13 يناير/كانون الثاني 2006 بالقرب من الحدود الباكستانية مع أفغانستان بهدف قتله. وأسفر الهجوم عن مقتل أربعة من أعضاء "القاعدة"، لكن الظواهري نجا وظهر في شريط فيديو بعد أسبوعين يحذر فيه الرئيس الأميركي حينها جورج بوش الابن من أنه لا هو ولا "كل القوى على وجه الأرض" يمكن أن تقترب منه "ثانية واحدة".

في يوليو/تموز 2007، ظهر الظواهري في شريط فيديو مدته ساعة ونصف الساعة، يحث المسلمين على التوحد خلف الجهاد العالمي للقاعدة وتحديد استراتيجيتها المستقبلية. وقال إن هدفها على المدى القصير هو مهاجمة مصالح "الصليبيين واليهود"، في إشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وإسرائيل.

تولى جراح العيون السابق قيادة تنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن على يد القوات الأميركية في مايو/أيار 2011.

وقبل ذلك كان يُشار إلى الظواهري على أنه اليد اليمنى لبن لادن والمنظّر الرئيسي لـ"القاعدة". ويعتقد بعض الخبراء أنه كان "العقل المدبر" لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة. في 8 يونيو/حزيران 2011، أصدر الظواهري بياناً على شبكة الإنترنت حذر فيه من أن بن لادن سيستمر في "ترويع" الولايات المتحدة من وراء القبر.

شوهد الظواهري آخر مرة في بلدة خوست شرق أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول 2001، واختفى بعد أن أطاح التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة بـ"طالبان" من الحكم. منذ ذلك الحين كان يُعتقد أنه يختبئ في المناطق الجبلية على طول الحدود الأفغانية الباكستانية بمساعدة القبائل المحلية المتعاطفة، على الرغم من تعقُّب بن لادن وقتله في منطقة سكنية في بلدة أبوت آباد الباكستانية. 

فشل في الحفاظ على أسطورة الزعامة

لكن الباحث في شؤون الجماعات الجهادية علاء عزمي رأى أن الظواهري لم يحافظ على أسطورة الزعامة التي امتلكها سلفه أسامة بن لادن لأسباب عدة، أهمها التغيرات التي شهدها العالم في تلك الفترة، إذ لم تساعده على مواصلة نهج بن لادن في القيادة المبهرة.

تصاعد ظاهرة تنظيم "داعش" بـ"انتصارات" متوحشة، سحب البساط بشدة من "القاعدة" كتنظيم مركزي، ولم يعد له صدى إلا في بعض فروعه المهمة

وأبرز تلك التغيرات، وفق ما قال عزمي في دراسة له عن الظواهري، زلزال الربيع العربي، وما تلاه من تفجُّر موجات من العنف والصراع الأهلي المسلح في العديد من البلدان، وعلى رأسها ليبيا وسورية واليمن، وما واكب ذلك من صعود غير مسبوق لتنظيمات وخلايا عنف متعددة، منها ما هو قاعدي الهوى، ومنها ما هو أكثر تطرفاً، وجميعها ظروف وتغيرات ربما لم تمنح الظواهري مساحة للظهور الفاعل.

وتكدس المشهد حول "القاعدة" بمنافسين كثر، قبل أن تتصاعد ظاهرة تنظيم "داعش" بـ"انتصارات" متوحشة، سحبت البساط بشدة من "القاعدة" كتنظيم مركزي، ولم يعد له صدى إلا في بعض فروعه المهمة في اليمن وبلاد المغرب والصحراء الأفريقية جنوبها.

بيد أن جيوش "الذئاب المنفردة"، وإن كان أصلها قاعدياً ومؤسسها رجل التنظيم القوي الراحل، أنور العولقي، كانت عامل حسم في الإجهاز على فاعلية خليفة بن لادن، فولاءاتها انحازت لخلافة زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي.

وقال عزمي في دراسته، إنه في عهد الظواهري انفصلت عشرات التنظيمات التابعة لـ"القاعدة" عن التنظيم، وبايعت "داعش" الذي بدوره لم يتردد يوماً في الهجوم على الظواهري، بل ووصل الأمر إلى تكفيره من جانب بعض "الدواعش"، وإن كانت أصوات في "داعش" عادت عن ذلك ونفته.

لكن الثابت أن المتحدث الراحل باسم "الدولة الإسلامية"، أبو محمد العدناني، قال صراحة إبان اشتعال الصراع بين "الدواعش" (حين كان اسمهم الدولة الإسلامية في العراق والشام) و"جبهة النصرة" في سورية (هيئة تحرير الشام حالياً) إن "الظواهري وتنظيمه انحرفوا عن منهج بن لادن، وحرفوه، وأساؤوا الظن، وقبِلوا بيعة المنشقين، وشقوا صف المجاهدين، وبدأوا بحرب دولة للإسلام، قامت على دماء وجماجم الموحدين، الدولة التي مدحها قادة الجهاد أجمعون، وأيدوها، وأصّلوا لمشروعيتها سنينَ بعد سنين، في السر والعلن، بل وحتى الذين يحاربونها اليوم، بلغ بهم الأمر أن ينظموا بها وبأميرها وجنودها القصائد، ويعترفوا بفضلها".

ورأى عزمي أن استحضار الظواهري لرفاقه المصريين القدماء، كمحمد شوقي الإسلامبولي، وعبدالعزيز الجمل، وسيف العدل، ورفاعي طه (قبل مقتله)، لتوحيد راية الجهاد السوري مجدداً تحت مظلة "القاعدة"، هو أيضاً من دلائل الفشل المريع... فهؤلاء لديهم بالقطع تأثيرات نفسية كبيرة على القواعد باعتبارهم شيوخاً تاريخيين، لكن بصمتهم تظل روحية، أكثر منها حركية؛ فجيل اليوم، وفق عزمي، يطلب لنفسه الزعامة من دون حرج. فنجل بن لادن قال وكتفه بكتف الظواهري: أدعوكم لتثبيتي قائداً في وجه الدواعش الخوارج.

تقارير دولية

التحديثات الحية

كيف خططت المخابرات المركزية لقتل الظواهري؟ الرواية الأميركية الكاملة