أظهرت التظاهرات التي هزت محافظة السويداء في جنوب سورية، الأحد الماضي، أن الأزمات الاقتصادية باتت تثقل اقتصاد النظام السوري بشكل كبير، في ظل عجزه عن توفير مقوّمات الحياة لملايين السوريين الخاضعين لسلطته.
إلا أن لا مؤشرات إلى أن النظام مستعد لتقديم تنازلات من أجل تسهيل مهام الأمم المتحدة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. ولم تكن الشعارات التي رُفعت في تظاهرات مدينة السويداء، لا سيما الداعية إلى "إسقاط النظام" على خلفية الأزمات المعيشية، مفاجئة لقطاع واسع من السوريين، فـ"نحن نعيش مرحلة ربما هي الأسوأ في تاريخ البلاد"، وفق كاتب مقيم في العاصمة السورية دمشق.
وأضاف الكاتب، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد": "لقد عبّر أهالي محافظة السويداء عما يجيش في صدور ملايين السوريين في مناطق سيطرة النظام"، وتابع "لولا الخشية من بطش أجهزة النظام بالناس لرأيت التظاهرات تعم كل المدن والبلدات"، لافتاً إلى أن "السويداء لها طابع خاص لذا لا يجرؤ النظام على التنكيل بأهلها".
ولطالما تعامل النظام بمنسوب أقل من العنف مع الاحتجاجات الشعبية التي كانت تخرج في السويداء بين وقت وآخر بسبب سوء الأحوال المعيشية مقارنة بتعاطيه مع احتجاجات بقية المناطق، لتفادي اتساع نطاقها وخروجها عن السيطرة في المحافظة التي يشكل الدروز غالبية سكانها، الذين يريد النظام إبقاءهم على الحياد، كي لا تخرج هذه المحافظة القريبة من دمشق عن سيطرته.
وأشار الكاتب إلى أن "الحياة شبه مشلولة في البلد، ولا آمال في الأفق بفرج قريب"، واستبعد تقديم النظام أي تنازلات سياسية لحل الأزمة الاقتصادية في البلاد، مضيفاً: "لو كان هذا النظام تعنيه معاناة الناس لما تحولت سورية في عهده إلى دولة فاشلة طاردة لأهلها".
عمق الأزمة الاقتصادية
وفي مؤشر واضح إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي يمر بها النظام، أصدرت حكومته، أمس الثلاثاء، بلاغاً بـ"تعطيل الجهات العامة يومي 11 و18 من الشهر الحالي".
وأشارت الحكومة في بيان إلى "أن قرار العطلة يأتي نتيجة للمداولات التي جرت في جلسة مجلس الوزراء أمس، ونظراً للظروف التي يشهدها سوق المشتقات النفطية بسبب الحصار والإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على البلد، وبسبب الظروف التي أخرت وصول توريدات النفط والمشتقات النفطية"، وفق البيان الذي نقلته وكالة "سانا" التابعة للنظام.
يحيى العريضي: أدعو إلى تحرك دولي لتجميد أموال أركان النظام في الخارج
ورأى الأكاديمي السوري المعارض يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المنظومة الاستبدادية تعرف أن الأزمة الاقتصادية نتيجة أفعالها"، مضيفاً: "الزمرة الحاكمة مستفيدة من هذه الأزمة، والإنسان السوري آخر اهتمام هذه المنظومة"، وتابع: "إنها تعمل ضمن سياسات لا إنسانية تعتبر أن جوع السوريين يعطيها وقتاً للبقاء والسيطرة".
ودعا العريضي إلى تحرك دولي لـ"تجميد أموال أركان النظام السوري في الخارج باعتبارها ملكاً للسوريين، وهو ما سيؤدي إلى انهيار المنظومة الاستبدادية الحاكمة في سورية".
من جهته، أشار الباحث في مركز "الحوار السوري" للدراسات أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الأزمة الاقتصادية التي يعيشها النظام ليست الأولى ولن تكون الأخيرة"، معتبراً أن "الأنظمة الديكتاتورية لا تفكر على الإطلاق بتقديم تنازلات سياسية لأسباب اقتصادية، وأن النظام السوري يتعاطى مع العقوبات الدولية المفروضة من باب الحصول على مكاسب وليس لتقديم تنازلات".
وقال القربي إن "تقديم خدمات للمواطنين آخر هم النظام السوري. هذه قضية ثانوية لديه"، مضيفاً: "هذا النظام لن يقدّم أي تنازل مهما بلغ الوضع الاقتصادي من السوء. هذه طبيعة الأنظمة الاستبدادية التي تتحدث دائماً عن المؤامرات الخارجية وليس عن سوء السياسات التي تتبعها هذه الأنظمة"، وتابع: "لقد اتّبع النظام السوري سياسة تدميرية لقتل وتهجير السوريين من بلادهم على مدى أكثر من عقد".
ولفت القربي إلى أن النظام السوري "تعاطى مع الاحتجاجات في محافظة السويداء التي حدثت منذ أيام على أنها مؤامرة خارجية"، متوقعاً أن "يوظف النظام الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية لمطالبة المجتمع الدولي برفع العقوبات، من دون تقديم أي تنازل سياسي مقابل ذلك".
واتفق الباحث السياسي رضوان زيادة مع القربي، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن النظام السوري لن يقدم أي تنازل سياسي نتيجة أزمته الاقتصادية فهو "نظام إبادة يعرف أن أي تنازل يقدمه سيقود إلى نهايته، لذلك قرر خنق الشعب".
ويعيش ما يقدّر بنحو 9 ملايين في مناطق سيطرة النظام بلا خدمات تقريباً، فلا كهرباء ولا محروقات إلا بالحدود الدنيا، في ظل ارتفاع كبير بأسعار السلع الرئيسية والمواد الغذائية الضرورية.
ووصل الاستياء إلى الساحل السوري وهو الحاضن الأكبر للنظام، وإلى المدن الكبرى مثل العاصمة دمشق وحلب في الشمال السوري، إلا أن ذلك لم يدفع النظام حتى اللحظة إلى فتح الأبواب أمام حلول سياسية لمجمل الأزمة السورية. ويخضع النظام منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011 لعقوبات اقتصادية وسياسية من المجتمع الدولي.
أصدرت حكومة النظام قراراً بتعطيل العمل في 11 و18 ديسمبر لأسباب متعلقة بأسعار النفط
وكانت الولايات المتحدة قد شددت العقوبات على النظام في منتصف عام 2020 بموجب ما يُعرف بـ"قانون قيصر" لدفع هذا النظام للانخراط في العملية السياسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين المحتجزين قسراً، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون ومراكز الاعتقال في سورية، وتأمين عودة "آمنة كريمة" للاجئين السوريين إلى بلادهم.
ولكن النظام لم يكترث بالقانون والتبعات السلبية على اقتصاده، بل أمعن في رفضه التعامل بشكل جدي مع القرارات الدولية، خصوصاً القرار 2254 الذي رسم خريطة طريق لحل سياسي يُنهي الأزمة السورية.
تداعيات سياسية للأزمات الاقتصادية
ولم يُطلق النظام سراح معتقلين، ولم يسهّل مهام الأمم المتحدة لكتابة دستور جديد يكون مدخلاً لإجراء انتخابات في البلاد تضعها على سكة الحل السياسي، وما زال يعوّل على الدعمين الروسي والإيراني في البقاء في السلطة، وهو ما نجح عسكرياً، إلا أنه يواجه اليوم تحدياً اقتصادياً، ولا يبدو أن موسكو وطهران قادرتان على مساعدته في تخطيه.
وزاد من أزمات النظام الاقتصادية خروج منطقة شرقي نهر الفرات عن سيطرته، وهي الغنية بالثروات النفطية والزراعية، فضلاً عن وجود عدة سدود تنتج الطاقة الكهربائية.
وحاول الجانب الروسي على مدى سنوات ردم الهوة بين النظام و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المسيطرة على شرقي الفرات، من أجل التوصل لحلول سياسية، إلا أن النظام يرفض التعاطي مع مطالب هذه القوات، وأبرزها اعتبارها جزءاً من المنظومة العسكرية للنظام، والاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية.
ويصرّ النظام على تسلّم المنطقة من "قسد" من دون شروط، ما عدا حقوق ثقافية للأكراد في شمال شرقي سورية، وهو ما ترفضه هذه القوات التي تستند إلى دعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، التي لا تدعم أي حوار مع النظام يمكن أن يعيد إليه منابع الثروة في سورية.
كما أن الوجود الأميركي في شرق الفرات يحول دون محاولة النظام والمليشيات الإيرانية السيطرة على منابع النفط بالقوة. ويندرج الحضور الأميركي الكبير في شرق الفرات والسيطرة على حقول وآبار النفط والغاز في إطار استراتيجية الحصار المفروض على النظام، لدفعه إلى الجلوس على طاولة تفاوض يفضي إلى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية.