واصلت إثيوبيا تصعيدها ومواقفها الرافضة للتجاوب مع المبادرة المصرية السودانية الخاصة بأزمة سدّ النهضة، معلنة رفضها تشكيل رباعية دولية لقيادة مفاوضات السدّ المتأزمة منذ فترة، مشددة على أنها لن تتعامل سوى مع الوساطة الأفريقية المتمثلة في الاتحاد الأفريقي.
وقالت الخارجية الإثيوبية، في بيان لها اليوم الثلاثاء، إنه "يمكن حل قضية سدّ النهضة تحت رعاية المفاوضات الجارية بقيادة الاتحاد الأفريقي، والتي لا تتطلب مشاركة طرف آخر في القضية كوسيط".
وأضاف المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، في البيان: "تؤمن إثيوبيا إيماناً راسخاً بإمكانية حلّ المشكلات الأفريقية من خلال الحلول الأفريقية، كما أن الاتحاد الأفريقي وجمهورية الكونغو الديمقراطية قادران تماماً على التوصل إلى حلول مربحة للجميع".
الخارجية الإثيوبية: "يمكن حل قضية سدّ النهضة تحت رعاية المفاوضات الجارية بقيادة الاتحاد الأفريقي، والتي لا تتطلب مشاركة طرف آخر في القضية كوسيط"
وأشار مفتي إلى أن "الميل إلى التمسك بالوضع الراهن لاتفاقيات الحقبة الاستعمارية، تحت مسمى التوصل إلى اتفاقيات ملزمة، أمر غير مقبول". وقال إن "حوض النيل هو مورد مائي مشترك، حيث ستستفيد جميع دول المصب من المفاوضات، وإثيوبيا لها الحق الطبيعي والقانوني في استخدام مواردها المائية بشكل عادل ومنصف، من دون التسبب في ضرر كبير لدول المصب".
وتابع: "تمت معالجة مسائل سلامة السدود وتبادل المعلومات التي أثارها الجانب السوداني بشكل ملائم، ولا يمكن أن تكون أسباباً للشكوى على الإطلاق".
وفي المقابل، كشف مصدر مصري بوزارة الموارد المائية، أنّ تصريحات الحكومة الإثيوبية، اليوم الثلاثاء بشأن أزمة سد النهضة، "تؤكد أن الأزمة في طريقها للتصعيد مع مصر والسودان، وأنها تسير من سيئ لأسوأ"، موضحاً أنّ زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك للسعودية اليوم الثلاثاء، "تأتي في إطار محاولة إشراك الجانب السعودي في تلك الأزمة، وهي الزيارة التي تأتي قبل أيام من زيارة حمدوك المرتقبة للقاهرة، مشدداً على أنّ جميع الحلول والوساطات الدبلوماسية، سواء التي تقدمت بها الولايات المتحدة أو صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأفريقي، "باءت بالفشل في ظل الرفض الإثيوبي لها".
وأضاف المصدر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ أديس أبابا سوف تمضي قدماً في المرحلة الثانية لملء السد، خلال شهر يوليو/ تموز سواء باتفاق أو بدونه، موضحاً أنّ "وقوف الخرطوم والقاهرة يعد تطوراً هاماً، وربما يكون حاسماً في أي تطورات عسكرية قادمة"، لافتاً إلى أنّ ملكية إثيوبيا لسد النهضة "لا تعفيها من أعباء قانونية دولية، أهمها عدم الإضرار بدولتي المصب مصر والسودان".
ومن جانبه، قال وزير الموارد المائية المصري السابق محمد نصر علام، إنّ "الاتحاد الأفريقي فشل من قبل، على مدار العام الماضي (2020)، في إيجاد حلول لتلك الأزمة برئاسة جنوب أفريقيا، التي تولت رئاسة الاتحاد على مدار عام، وبالتالي الكونغو التي تتولى رئاسة الاتحاد حالياً لن تقدم جديداً"، معتبراً أنّ "السودان كان على حق بتوسيع دائرة الوساطة في تلك الأزمة بإدخال الأمم المتحدة"، محذراً من أن أزمة السد "ربما تنذر بتصعيد خطير، يقود المنطقة الأفريقية إلى ما لا تحمد عقباه"، داعياً إلى تغليب "الحكمة ومواصلة التفاوض".
وأضاف علام أنّ أديس أبابا "أعلنت من قبل بوضوح أنها لا ترغب في توقيع اتفاقية ملزمة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، والمماطلة في المفاوضات التي جرت أخيراً برعاية الاتحاد الأفريقي، تريد منها أن تهيمن على مياه نهر النيل والتحكم فيه، والتنصل من أي التزامات، وبالتالي كلما أوشكت المفاوضات على الوصول إلى اتفاق أخير، تعود إلى المربع الأول لوجود تعنت إثيوبي".
وشدد على أنّ "قضية السد أصبحت قضية سياسية، تريد منها أديس أبابا السيطرة الكاملة على منابع النيل، وهو ما سيؤدي بالتبعية للإضرار بحصة مصر في مياه النيل (المقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً)، وهو الأمر الذي يمثل اعتداء مباشرا على 100 مليون مواطن مصري، والإضرار بالزراعة والصناعة والحياة بالكامل، فسد النهضة خطر داهم على الأمن القومي المائي المصري".
وأعلن السودان أخيراً تمسكه بتطوير آلية التفاوض الخاصة بأزمة السد، عبر تشكيل رباعية دولية تقودها وتسيرها جمهورية الكونغو الديمقراطية، بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وتشمل كلاً من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للتوسط في المفاوضات، وهو المطلب الذي أعلنت مصر دعمه، رغبة في التوصل لاتفاق ملزم بشكل سريع قبل شروع إثيوبيا في الملء الثاني لخزان السد في يوليو/تموز المقبل، والذي يقدر بنحو 13.5 مليار متر مكعب.
وأكد بيان صادر عن الرئاسة المصرية، السبت الماضي، اتفاق الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس المجلس السيادي الانتقالي عبد الفتاح البرهان، على أن المرحلة الدقيقة الحالية التي يمر بها ملف سد النهضة تتطلب "أعلى درجات التنسيق" بين مصر والسودان.
وشدد البيان على أن "مصر تدعم المقترح السوداني لتشكيل رباعية دولية، تشمل رئاسة الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، للتوسط في ملف سد النهضة". وأضاف أن "السيسي والبرهان اتفقا على رفض أي إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق".
والتقى السيسي، في القصر الجمهوري بالعاصمة السودانية الخرطوم السبت الماضي، البرهان، حيث تطرقت المباحثات بينهما، بحسب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، إلى "سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على الأصعدة كافة، فضلاً عن مناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خصوصاً تطورات الأوضاع بمنطقة الحدود السودانية الإثيوبية، والتحركات السودانية الأخيرة لبسط سيادة الدولة على حدودها الشرقية المتاخمة لإثيوبيا".
يُذكر أن البرلمان الإثيوبي اتهم مصر والسودان، الأسبوع الماضي، بالوقوف وراء أعمال عدائية في إقليم بني شنقول الذي يقع فيه السد.
وذكر بيان صادر عن البرلمان الإثيوبي، أن اللجنة الخاصة بالتحقيق في أعمال العنف بمنطقة متكل، والتي أسفرت عن مقتل المئات، قدّمت تقريراً بشأن مهمتها، موضحة أن تلك الأعمال "تم دعمها من قبل السودان ومصر، وفق نتائج التحقيق التي ذكرتها اللجنة".
وقال رئيس اللجنة عبدالله حمو إن "اللجنة التي شكّلها مجلس نواب الشعب الإثيوبي لتقييم الصراع في منطقة متكل ومناطق أخرى، قد تأكدت من وقوف كل من السودان ومصر وراء دعم أعمال العنف المذكورة في الإقليم".