أحرقت جهة يُعتقد أنها تابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" المسيطر على شمال شرقي سورية، مكاتب تابعة للمجلس الوطني الكردي في محافظة الحسكة، في خطوة يبدو أن الهدف منها تسميم الأجواء السياسية لإفساد مسعى أميركي لترتيب البيت الداخلي للأكراد السوريين، عبر ردم هوّة خلاف واسعة بين المجلس والحزب الذي تدور في فلكه أحزاب "الإدارة الذاتية".
إحراق مكاتب المجلس الوطني الكردي في الحسكة
ووضع المجلس (المنضوي ضمن الائتلاف السوري المعارض) إحراق مكتبه في مدينة الحسكة وبلدتي ديرك والدرباسية، أول من أمس الثلاثاء، في سياق "محاولة لمنع الحوار الكردي ــ الكردي"، بقيادة ممثل وزارة الخارجية الأميركية في الشمال الشرقي لسورية، ماثيو بيرل.
واعتبر المجلس في بيان أن "استمرار الانتهاكات الواسعة بحق المجلس وأنصاره من قبل مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي سيكون له نتائج كارثية على المنطقة". وحذّر من أن هذه الأعمال تهدف إلى "جرّ المنطقة للفتنة والاقتتال الداخلي"، مشيراً إلى أن "سياسة الترهيب تجري أمام أعين التحالف الدولي والولايات المتحدة الداعمة لقوات سورية الديمقراطية (قسد)"، محمّلاً "سلطات الأمر الواقع (الاتحاد الديمقراطي) وجناحها العسكري (قسد) المسؤولية الكاملة عما ستؤول إليه المنطقة من وضع خطير في المستقبل".
ونشر المجلس صوراً على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر احتراق مكتب المجلس المحلي في بلدة ديريك بشكل كامل، كاشفاً أنه جرت عدة محاولات لإحراق مكتب للمجلس في بلدة عامودا، لكنها لم تنجح. ولفت إلى أن مسلحي حزب الاتحاد أحرقوا العلم الكردستاني "في عمل عدواني مناف للقيم الكردية"، معتبراً أن هذه المنظومة تستهدف شعبنا وتعمل على النيل من قضيته.
سبق أن أُحرقت مكاتب للمجلس الوطني في العامين الماضيين
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُحرق فيها مكاتب تابعة للمجلس الوطني الكردي في شمال شرقي سورية، إذ سبق أن أحرق مجهولون مكاتب له في أواخر عام 2020، ومطلع عام 2021 ومنتصفه. وتُتهم ما يسمى بـ "حركة الشبيبة الثورية" دائماً بالوقوف وراء هذه الحوادث، في مسعى لإفشال أي حوار بين المجلس وأحزاب "الإدارة الذاتية" التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي، يمكن أن يجعل من المجلس المقرّب من الجانب التركي ومن إقليم كردستان العراق شريكا في القرار في شمال شرقي سورية.
وتتبع "الشبيبة الثورية" لـ"الاتحاد الديمقراطي"، وهو النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني، والذي يتولى كوادره الكثير من مراكز القرار في "الإدارة الذاتية" و"قسد" المسيطر على شمال شرقي سورية، أو ما بات يُعرف بـ "شرقي الفرات" بدعم من الولايات المتحدة.
رسائل "الاتحاد الديمقراطي" لواشنطن
وفي حديث مع "العربي الجديد"، أعرب القيادي في المجلس الوطني الكردي، شلال كدو، عن قناعته بأن "إحراق المكاتب رسائل واضحة من حزب الاتحاد الديمقراطي للمجلس والرأي العام الكردي، وربما الولايات المتحدة، بأنه ليس مع الحوار". وأضاف أن "هذه المنظومة غير مؤهلة لإقامة تحالف مع المجلس الوطني الكردي"، معتبراً أن الحزب "يحاول تسميم الأجواء وقطع الطريق على المسعى الأميركي لإبقاء الوضع في شمال شرقي سورية على ما هو عليه".
وعقدت عدة جولات حوار برعاية أميركا، خلال عام 2020، لم تحقق نتائج، بسبب رفض "الاتحاد الديمقراطي" إبداء مرونة إزاء بعض القضايا، أبرزها فكّ الارتباط بينه وبين حزب العمال الكردستاني، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، ودخول "البشمركة السورية" إلى الشمال الشرقي من سورية.
أنس شواخ: ضغط واشنطن، خصوصاً على قوات قسد، دفع أطرافاً مرتبطة بها لافتعال حوادث
وذكرت مصادر مقربة من "الإدارة الذاتية" في حديث مع "العربي الجديد" أن هناك تيارين في حزب الاتحاد الديمقراطي. الأول يرفض بالمطلق أي حوار مع المجلس الوطني الكردي بسبب قربه من أنقرة، ويدفع باتجاه نسج خيوط تفاهم مع النظام السوري، الذي بات في وضع اقتصادي صعب ربما يدفعه لتقديم تنازلات خصوصاً لجهة الاعتراف بـ"الإدارة".
وبيّنت هذه المصادر أن هذا التيار يضم "الصقور" في الحزب الآتين من جبال قنديل العراقية، مقر حزب العمال الكردستاني، الحليف التاريخي للنظام السوري منذ تأسيسه في تركيا في ثمانينيات القرن الماضي. وكان عضو الهيئة الرئاسية المشتركة لـ"الاتحاد الديمقراطي"، آلدار خليل، اعتبر في تصريحات صحافية له مطلع العام الماضي، أن الاتفاق مع المجلس الوطني الكردي في سورية "خيانة لدماء الشهداء".
ووفق المصادر، فإن التيار الثاني يريد شراكة ليس مع المجلس الوطني الكردي فحسب بل مع المعارضة السورية، لأنه يدرك أن النظام لن يقبل بأقل من استعادة منطقة شرقي نهر الفرات من دون شروط، ما خلا بعض الحقوق الثقافية للأكراد، وربما مناصب لبعض قادة الاتحاد الديمقراطي مستقبلاً. وذكرت المصادر أن واشنطن تدفع باتجاه ترتيب الأوراق السياسية في شمال شرقي سورية، تمهيداً لحوار محتمل لتحديد مستقبل الشمال السوري.
وفي السياق، يبدي الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات أنس شواخ اعتقاده في حديث مع "العربي الجديد" أن هناك ضغطاً وصفه بـ "الكبير" من قبل الولايات المتحدة على "أحزاب الوحدة الوطنية الكردية" (الاتحاد الديمقراطي وشركاؤه) و"المجلس الوطني الكردي" لـ "عودة الحوار بينهما". ويرى أن "هذا الضغط من قبل واشنطن، خصوصاً على قوات قسد، هو ما دفع أطرافاً مرتبطة بها لافتعال حوادث من قبيل حرق مكاتب المجلس الوطني الكردي، لخلق أعذار للتعطيل عبر تأزيم العلاقة أكثر مع أحزاب هذا المجلس"، مشدّداً على أن "عمليات الإحراق محاولة لعرقلة عقد الجولة المقبلة من الحوار".