إدارة بايدن بين المجازفة والحذر في الردّ على الاجتياح الروسي لأوكرانيا

25 فبراير 2022
تنديد دولي بحرب بوتين (Getty)
+ الخط -

تتحرك إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في الرد على تطورات الاجتياح الروسي لأوكرانيا الذي دخل يومه الثاني كمن يمشي على بيض. المزالق كثيرة وخطيرة، والأخطر أن حرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مفتوحة على أكثر من سيناريو.

الأهم من العقوبات الجديدة التي فرضها أمس بايدن على روسيا، كان إعلانه عن إرسال 7 آلاف جندي إضافي إلى أوروبا، فضلا عن 6 آلاف سبق إرسالهم على دفعتين خلال الشهر الجاري. الخطوة اتخذها كما قال لتطمين الحلفاء، محذرا "سندافع عن كل شبر من أراضي دول حلف شمال الأطلسي". والمقصود أنها أيضا ورقة ردع لموسكو. ولا يبدو أنها كانت صدفة أن يعلن البيت الأبيض عن إرسال جنود إضافيين بعد ساعات من تصريح للرئيس الروسي حذر فيه الآخرين من "عواقب غير مسبوقة" لو تدخلوا في حرب أوكرانيا. والمقصود واشنطن من زاوية أنها وزعت تعزيزاتها العسكرية الأخيرة على دول حلف شمال الأطلسي المجاورة لمسرح العمليات الجارية في أوكرانيا، مثل الجارة بولندا.

هذا التراشق بالإشارات والتحذيرات المبطّنة جاء في امتداد كلام تردد بصورة ملحوظة في الأيام الأخيرة، سواء من باب التحليل أو التوجس أو ربما نصب الفخاخ، بأن حرب أوكرانيا سائرة باتجاه الخروج عن حدود ساحتها. استندت هذه القراءات إلى تلميحات وتصريحات سابقة وحديثة تناول فيها بوتين "المظالم" التي لحقت بروسيا بعد الحرب الباردة والإشارة إليها بصيغة تنم عن الرغبة والعزم على إزالة "المظالم" وإعادة المعادلة إلى وضعها السوي. كما تناولت إشارة بوتين أثناء المناورات الأخيرة مع بيلاروسيا إلى أسلحة وصواريخ نووية روسية حديثة تستعصي على التصدي لها. الإشارة إلى هذه الأمور جرى وضعها في إطار التمهيد لحرب واسعة تتعدى أوكرانيا مع التهديد أو التهويل باستخدام أسلحته الجديدة المدمرة.

هذه الإشارات التي حرص على إرسالها والتي تحتمل أكثر من تفسير ومقصد، أثارت هواجس كثيرة حملت الصقور خاصة في الكونغرس على رفع وتيرة التشدد. كما دفعت ببعض النخب إلى التعبير عن مخاوف جديّة من نوايا بوتين، وبالتالي ضرورة التحوط والاستباق لئلا يكون وراء الأكمة ما وراءها.

حلروب روسيا خلال 30 عاما

في هذا السياق جاءت زيادة القوات الأميركية كوسيلة كبح لموسكو. لكن ثمة من سارع إلى التحذير من هذا التوجه باعتبار أنه "قد يشكل عامل استفزاز تتذرع به موسكو لجر حلف شمال الأطلسي إلى مواجهة" في بعض الحلقات الضعيفة مثل دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا و ليتوانيا). ومن هنا كان حرص بايدن على إعادة التذكير بأن واشنطن لا تنوي الاضطلاع بأي دور عسكري مباشر في هذه الحرب. لكن خطأ الحسابات يبقى قائما بحكم تقارب الساحات، ناهيك عن احتمالات تركيب المقالب للانخراط في المواجهة أو لاستدراج الآخر إليها.

كذلك في هذا السياق جاءت قائمة العقوبات التي أعلنها الرئيس الأميركي أمس ضد موسكو لتعكس التوازن بين العمل على رفع كلفة الغزو الروسي لأوكرانيا وبين الحرص على عدم إخراج الاقتصاد الروسي من النظام الاقتصادي العالمي والذي بات جزء عضويا منه. وخاصة أن واشنطن تحرص في هذا الظرف بالذات على عدم حرمان السوق النفطية من 5 ملايين برميل نفط روسي يوميا. الأمر الذي اقتضى استثناء نظام "سويفت" للتحويلات الدولية من العقوبات. خاصة أن الأوروبيين ودولاً أخرى لها علاقات تجارية ونفطية مع روسيا، طالبوا بذلك. مع ذلك أثار الاستثناء اعتراضات المتشددين، علما بأن البيت الأبيض لا يقوى لوحده على التحكم بنظام "سويفت" الذي تعمل من خلاله حوالي 200 دولة. والمعروف أن لروسيا نظام خاص ولو ضيّق للتحويلات المالية الدولية في المعاملات التجارية.

وكان السؤال في واشنطن قبل الغزو الروسي: ماذا يريد بوتين من حشد قواته على الحدود؟ اجتياح كامل أم سلخ منطقة دونباس شرقي أوكرانيا؟ احتلال وضم أوكرانيا؟ تنصيب نظام تابع ثم الانسحاب؟ التهويل لفرض شروطه على حلف الأطلسي؟ وبعد الغزو صار السؤال: حرب بوتين إلى أين؟

الترجيحات في ضوء مسار العمليات العسكرية الجارية، أن الكرملين يتجه نحو خلع نظام الرئيس الأوكرواني، فولوديمير زلينسكي، وتنصيب بديل له موال لموسكو ومن ثم الانسحاب. يشير إلى ذلك، حسب هذه القراءة، أن الضربات الروسية تستهدف المراكز الأمنية لشل عمل الحكومة على أن تتلوها حملة تصفية القيادات السياسية لخلق الفراغ الذي يستعدي سده برموز بديلة قد يكون من بينها الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، المطاح منذ 2014 والشديد الولاء لموسكو. لكن هناك من يحذر من أن تكون موسكو وراء الترويج لمثل هذا السيناريو بغرض التمويه عن النقلة التالية في خطة بوتين. وليس سرا أن التشخيصات ليست متطابقة بين واشنطن والحلفاء الأوروبيين. الأمر الذي اقتضى اجتماع حلف شمال الأطلسي اليوم الجمعة للنظر في الخطوات اللاحقة في ضوء تطور الوضع الذي ما زال بوتين يتحكم في مساره.

المساهمون