أبدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، توجسها المبطّن من نوايا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتصدير أزماته المستعصية إلى الخارج، عبر شن حرب أو الدفع باتجاه عملية عسكرية كبيرة في المنطقة عبر الدعوات المتكررة لضرورة التصدي للبرنامج النووي الإيراني.
تبدّى ذلك في ردها على تحرك محتمل تردد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ينوي القيام به لجس نبض واشنطن وربما "جرّها" في هذا الاتجاه. فهو يعرف أن إسرائيل لا تقوى على لعب ورقة من هذا العيار بدون ضوء أخضر من الولايات المتحدة، إن لم يكن بشراكة معها، لكن الجواب استبق محاولته على قاعدة أن الحسابات الإقليمية غير متطابقة بين الحليفين في الوقت الراهن.
الإشارة كانت أول أمس الأربعاء، عندما سُئلت الخارجية الأميركية حول ما تسرّب عن زيارة اثنين من المسؤولين الإسرائيليين لواشنطن الأسبوع القادم "للتباحث مع الإدارة بشأن النووي الإيراني". المتحدث الرسمي نيد برايس لم يؤكد ولم ينفِ، واعداً بالكشف عن الموضوع "في الأيام القليلة القادمة". لكنه سارع إلى التذكير بتمسك الإدارة بـ"الخيار الدبلوماسي" في هذا الملف، على اعتبار أنه السبيل "الوحيد لضمان حل دائم وقادر على الاستمرار" ولكونه "الأكثر فعالية" من غيره كما قال.
العارفون بحقائق الوضع الإسرائيلي الراهن ومعظمهم من اليهود الأميركيين، يحذرون من "فترة حالكة" بين إسرائيل والفلسطينيين
تشديد برايس حتى قبل أن يُعلن عن الزيارة على وحدانية المسار الدبلوماسي، بدا وكأنه رسالة مسبقة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن الإدارة ليست في وارد التراجع عن هذه السياسة وبأن الزيارة ـ لو حصلت ـ لن تؤدي إلى تزحزحها عنها، حتى مع وصول طهران إلى نسبة 83% في تخصيب اليورانيوم حسب التقرير الأخير لوكالة الطاقة النووية الدولية. "هذا تطور نعالجه بالتشاور مع حلفائنا" كما قالت وزارة الخارجية، ما يعني ضمناً أن التخصيب لا يستدعي الاستنفار الذي تزمع إسرائيل تسويقه لدى الإدارة.
وتكرر السؤال في الإحاطة الصحافية يوم أمس الخميس، فيما كان رد برايس بأن الاستفسار عن هذه الزيارة "يجب توجيهه إلى الجانب الإسرائيلي.. لأن ليس لدي ما أقوله" في هذا الصدد. كما امتنع عن التعليق على ما ذُكر عن أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش يمكن أن يقوم بزيارة لواشنطن، قائلاً "إننا لا نتحدث عن ذلك"، مكررا "الأسف" بخصوص دعوة الوزير قبل يومين إلى "محو" بلدة حوارة الفلسطينية والتي كان قد وصفها (الدعوة) بأنها "بغيضة وتثير الاشمئزاز".
رد قوي اللهجة، يعكس مدى التنابذ بين الإدارة وحكومة نتنياهو ولو أنه موقف لا يُصرف طالما بقي في حدود التنافر داخل العائلة، لكن من خلاله بدت الإدارة وكأنها قطعت الطريق على محاولة نتنياهو رفع التوتير بإمكانية الموافقة الأميركية مع الموقف الإسرائيلي بما يخص إيران في هذه اللحظة وبما يساعد نتنياهو على "الفرار من أوضاعه الخانقة المحلية والفلسطينية وحتى اليهودية الأميركية التي لا شبيه لها من قبل"، إذ إن هناك نقمة واسعة في واشنطن على رئيس الليكود الذي يقود إسرائيل مع حكومته "نحو الفاشية" وربما "الحرب الأهلية".
الحديث الأميركي بهذه اللغة يأتي من باب الخوف على إسرائيل و"ديمقراطيتها" والتخوف من مضاعفات المسار الصدامي المنظم الفاقع في عنصريته الذي تسلكه، خصوصا في الآونة الأخيرة وبما استوجب الإدانة ولو بقوالب ضبابية وطبعا بعيدة عن المساءلة التي تجري تغطيتها من خلال المطالبة بالتحقيقات المعروفة خواتيمها سلفاً، إذ إنه ورغم الفجور العدواني المكشوف للمستوطنين في الأيام الأخيرة، اكتفت الإدارة بتصنيفه كعنف من غير وضعه في خانة الإرهاب.
"المصطلحات ليست مهمة عندنا بقدر أهمية إدانتنا لأعمال العنف وخاصة الذي يستهدف المدنيين"، كما قال نيد برايس في رده على سؤال "العربي الجديد" حول المانع من وضع اعتداءاتهم تحت عنوان الإرهاب المستوفي شروطه في هذه الحالة؟ وللالتفاف على هذا التصنيف يجري التذكير عادة بـ"التهديدات" التي طالما تعرضت لها إسرائيل، وكأن المطلوب تفهم العنف الذي يتعرض له الفلسطينيون وإدراجه في باب رد الفعل الإسرائيلي، مع التعتيم على واقع الاحتلال الذي نادرا ما يشير إليه المسؤولون إلا بانتزاع إقرارهم به.
العارفون بحقائق الوضع الإسرائيلي الراهن ومعظمهم من اليهود الأميركيين، يحذرون من "فترة حالكة" بين إسرائيل والفلسطينيين، فحكومة نتنياهو عازمة على المضي في النهج الذي قدمت الأسابيع الماضية صورة عنه. ورئيسها في الزاوية "وبدأت تتراخى قبضته عليها"، فهو أسير أجندة المتطرفين فيها لضمان استمرار الحكومة التي يحميه بقاؤه على رأسها من المحاكمة بتهم سابقة تؤدي به إلى السجن.
المهرب أمام نتنياهو من مأزقه الداخلي خارجي، إلا أن إدارة بايدن التي لم تقفل بعد باب الدبلوماسية لمعالجة الملف النووي، حاسمة في استبعاد الخيار العسكري مع إيران في الوقت الحاضر، فيما تبقى الساحة الفلسطينية التي لا تملك الإدارة إزاءها سوى المراهم والمسكنات.