بدأ المئات من الناشطين وأبناء الجاليات الفلسطينية والعربية في دول أوروبية عدة، بالتوافد إلى مدينة لاهاي الهولندية اليوم الأربعاء، للمشاركة في وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني خلال جلسات محكمة العدل الدولية يومي الخميس والجمعة، في الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، بتهمة الإبادة الجماعية.
ومن المتوقع أن تشهد المدينة تظاهرات ضخمة أمام مبنى المحكمة في لاهاي، وذلك استجابة لدعوات عدد من الحركات السياسية الناشطة ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي أودت حتى الآن بحياة أكثر من 23 ألف فلسطيني في غزة، ودمّرت معظم المرافق الحيوية في القطاع وعشرات آلاف المنازل. كما دعت حركات مناصرة للفلسطينيين في هولندا، الجمهور الهولندي للتواجد أمام المحكمة يومي الخميس والجمعة.
وعلم "العربي الجديد" من مصادر مختلفة، بقدوم ناشطين من دول مثل فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، ومنهم من نظّم حافلات خاصة لنقل المشاركين.
وستبدأ الجلسة الأولى لمحكمة العدل الدولية يوم غد الخميس 11 يناير/ كانون الثاني عند الساعة العاشرة صباحاً، بالاستماع لمرافعة دولة جنوب أفريقيا، وجلسة ثانية يوم الجمعة 12 يناير بردّ دولة إسرائيل على الشكوى المقدّمة ضدها. وتتجه أنظار العالم هذا الأسبوع إلى لاهاي، لمعرفة ما إذا كانت المحكمة ستصدر قراراً أولياً بقبول طلب جنوب أفريقيا بوقف القتال في غزة.
وينص التماس جنوب أفريقيا المؤلف من 84 صفحة، على أن "الأفعال والتجاوزات التي ارتكبتها إسرائيل، والتي اشتكت منها جنوب أفريقيا، تمثّل إبادة جماعيّة في طابعها، لأنها تهدف للقضاء على جزء كبير من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية، في انتهاك لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948".
رسالة دعم وشكر لدولة جنوب أفريقيا
وفي حديث مع أمين الرجوب، وهو فلسطيني الأصل ومواطن ألماني مقيم في هامبورغ، عن تحضيرات المشاركة في الوقفات أمام المحكمة، قال لـ"العربي الجديد": "نتحضر للانطلاق من مدينة هامبورغ بعد أن نظمنا أنفسنا في مجموعات بسياراتنا الخاصة بسبب إضراب سائقي القطارات في ألمانيا، لنتجه إلى لاهاي. وسيأتي على الأقل 50 شخصاً من مدينة هامبورغ. رسالتنا أولاً هي الوقوف مع أهلنا وشعبنا في غزة. ورسالتنا الثانية هي دعم وشكر لجنوب أفريقيا، الدولة الوحيدة التي تعمل على الساحة الدولية بهذا الشكل من أجل فلسطين".
وأضاف الرجوب "هناك رسالة أخرى، وهي أنه بعد أن مُنعنا في ألمانيا من التظاهر في الأشهر الأولى للحرب، وتم التضييق علينا من قبل السلطات الألمانية في تحركاتنا ضد الحرب، ومُنعنا من استخدام مصطلح "إبادة جماعية"، نأتي اليوم لنقول للألمان والأوروبيين أن ما يحصل للفلسطينيين هو إبادة جماعيّة، ونحن نتواجد كفلسطينيين وكعرب وكألمان لنوصل صوت الشعب الفلسطيني".
وأكّد الرجوب وهو ينشط في حركة سياسية اسمها "ثورة هامبورغ"، أنه في حال وافقت محكمة العدل الدولية على طلب جنوب أفريقيا، فهذا له أهمية كبرى، مستطرداً "إذا وافقت المحكمة أو لم توافق، نحن مستمرون في نشاطنا من أجل حرية فلسطين. إذا وافقت المحكمة، فهذا دليل أن إسرائيل دولة عنصريّة هدفها إلغاء الوجود الفلسطيني، وسيعطينا القرار حرية أن نقول ذلك دون أن تحاسبنا الحكومات الدولية بسبب ما نقوله عن طبيعة دولة إسرائيل. رأينا دائماً أن إسرائيل تقوم بإبادة جماعية، لكن القرار سوف يساعدنا في البيئة الأوروبية التي ننشط فيها".
"حصار" مبنى محكمة العدل الدولية بالأعلام الفلسطينية
وأصدر ائتلاف لمجموعة من الحركات السياسية الناشطة لأجل فلسطين في هولندا بياناً اليوم الأربعاء، دعا فيه للمشاركة في تظاهرات التضامن مع فلسطين والتأييد لجهود جنوب أفريقيا، يومي الخميس والجمعة، بدءاً من الساعة التاسعة صباحاً. وطلب من المشاركين القدوم بالأعلام الفلسطينية والكوفيات، والتوزع حول مبنى قصر السلام (المحكمة) في لاهاي، وإحاطته من كل الجهات.
وجاء في البيان: "بعد 75 عاماً من الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، تمّت محاكمة إسرائيل أخيراً ومحاسبتها على الأعمال المروعة التي فرضتها على شعب فلسطين. واتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل رسمياً بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، بدعوى انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1958. ودعت جنوب أفريقيا إلى اتخاذ إجراءات مؤقتة لوقف حرب الإبادة ضد 2.3 مليون فلسطيني في غزة".
وأضاف البيان "في الأشهر الثلاثة الماضية، نفذت إسرائيل أكبر عملية إبادة جماعيّة يتم بثها على الهواء مباشرة في العالم. لقد تم تمويل أعمال الإبادة الجماعيّة وتسليحها وحمايتها من المساءلة من قبل الغرب الاستعماري. لقد وضعت إسرائيل قطاع غزة بأكمله، الذي يسكنه أكثر من مليوني شخص، تحت حصار كامل لمدة 16 عاماً، وحرمته من المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية كشكل من أشكال العقاب الجماعي. وحتى بعد الطلبات الملحة التي قدمتها منظمات حقوق الإنسان، فضلاً عن قرارات الأمم المتحدة في الأشهر القليلة الماضية، ظلت إسرائيل تمنع باستمرار تسليم الإمدادات الأساسية لشعب غزة، بينما تشن هجمات وحشية بشكل نشط. ويعيش 2.3 مليون فلسطيني الآن بدون طعام وماء ووقود وإمدادات طبية، مما يؤدي إلى المجاعة وانتشار الأمراض (المعدية)".
وخلص البيان إلى القول ّإن "الفشل في محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي على مدى عقود، يشكل تهديداً للنظام القانوني الدولي. وإذا أوقفت محكمة العدل الدولية الإبادة الجماعية وأدانت إسرائيل في نهاية المطاف بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، فإن هذا لن ينقذ حياة الآلاف من الفلسطينيين فحسب، بل وربما يستعيد أيضاً أهمية وموثوقية القانون الدولي ذاته".
وسيتم بث جلسات المحكمة بشكل مباشر للمتظاهرين خارج مبنى المحكمة. وفي حديث مع الناشطة الهولندية داغمر بوسما، قالت لـ"العربي الجديد"، إن التوقعات هي مشاركة الآلاف من المتضامنين يومي الخميس والجمعة خارج مبنى المحكمة. وبحسب المعلومات التي وصلت إليهم في ائتلاف الحركات الناشطة، توجد مجموعات تضامن آتية من كندا، والولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، والنرويج، والدنمارك، والمملكة المتحدة، وبلجيكا، والسويد، وهناك حافلات منظّمة من بعض المدن.
وعبّرت داغمر عن أملها في أن تقبل محكمة العدل الدولية طلب جنوب أفريقيا، وتصدر قراراً بوقف القتال، الأمر الذي "يساعدنا في نشاطنا من أجل فلسطين في هولندا وأوروبا عموماً، بعد أن تصبح إدانة إسرائيل أمراً رسمياً" على حدّ قولها.
وأشارت إلى أنه في حال عدم محاكمة إسرائيل، ستخرج تظاهرات عارمة، وسيكون هناك تغيير في استراتيجيات التظاهر والنشاط، آملة ألا يحصل ذلك.