استمع إلى الملخص
- **مواقف نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف:** نتنياهو يعارض اتفاقاً مع حماس وفقاً لمقترح بايدن، مستخدماً حججاً أمنية لأهداف سياسية. يواجه معارضة من أحزاب اليمين المتطرف التي تهدد بالانسحاب من التحالف الحكومي.
- **استعدادات نتنياهو للحملة الانتخابية:** نتنياهو يستعد للانتخابات، مدركاً أن نتائج الحرب وصفقة التبادل ستكون محورية. يسعى للحفاظ على التحالف الحكومي ودعم اليمين المتطرف، معتمداً على إنجازات عسكرية لتسويقها في حملته الانتخابية.
منذ عودة إسرائيل وحركة حماس إلى مسار المفاوضات بداية الشهر الحالي، اتضح أن الجزء الأصعب مرتبط بالمفاوضات الداخلية بين الأطراف الإسرائيلية المكلفة بالتفاوض، ومنها الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات، ورئيس الحكومة، وطبعاً الأحزاب المشكلة التحالفَ الحكومي. وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت وقيادات المؤسسة العسكرية والأمنية ادعوا في الأيام الأخيرة أن المفاوضات بلغت مرحلة حساسة وحاسمة، وقد نضجت الظروف للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين ووقف إطلاق النار.
المؤسسة العسكرية تعي تماماً الثمن المطلوب منها، الذي يشمل انسحاباً من قطاع غزة، وتعي أن معنى التوصل إلى اتفاق هو عدم القضاء على قدرات "حماس" العسكرية، الذي كان من أبرز أهداف الحرب التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية. المؤسسة العسكرية ووزير الأمن رددا مراراً وجوب التوصل بأسرع وقت إلى اتفاق تبادل مع "حماس"، وأن ذلك بات ممكناً، بل إن الظرف الراهن هو الأقرب للتوصل إلى الاتفاق من أي مرحلة سابقة في حرب الإبادة على غزة. واعتبرا أيضاً أنه بإمكان المؤسسة العسكرية التعامل مع أي اتفاق تتوصل إليه الحكومة مع حركة حماس، بما فيه التعامل مع الانسحاب من محور نتساريم وإيجاد بدائل وحلول لضمان سيطرة إسرائيل ومراقبة محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، بواسطة حلول تكنولوجية ومراقبة عن بعد، وإقامة حاجز تحت وفوق الأرض هناك.
وقامت المؤسسة العسكرية بحملة علاقات عامة واسعة لإقناع المجتمع الإسرائيلي بدعم التوصل إلى اتفاق، وربما للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على وقع تصرفها مُديرةً لعملية مفاوضات داخلية مع مركبات الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً مع أحزاب اليمين المتطرف المعارضة للتوصل إلى أي اتفاق مع حماس، ومع نتنياهو الساعي لإطالة أمد حالة الحرب لأهدافه السياسية مسوغاً ذلك بادعاءات أمنية.
المؤسسة العسكرية تواجه نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف بشأن الخروج باتفاق في غزة
التفاوض داخل إسرائيل
الجهة الأبرز والأهم التي تتفاوض معها المؤسسة العسكرية والأمنية، عبر الرسائل العلنية وحملة ترويج لإنجازات الجيش، هي رئيس الحكومة نتنياهو نفسه. وهناك توافق واسع لدى المحللين والإعلاميين على أن نتنياهو يسعى إلى عرقلة التوصل إلى صفقة وفقاً للاقتراح الذي قدمه هو بنفسه للرئيس الأميركي جو بايدن، المعروف بـ"مقترح بايدن". فمباشرة بعد الإعلان عن استئناف المفاوضات مطلع الشهر الحالي، وقبيل اجتماع طاقم المفاوضات والقيادات الأمنية مع نتنياهو، أصدر الأخير بياناً أعلن فيه عن الخطوط الحمراء لأي اتفاق مع "حماس".
وجاء في بيان نتنياهو أنه مع كل اتفاق "يتيح لإسرائيل العودة إلى القتال حتى تتحقق جميع أهداف الحرب"؛ وأنه "لن يسمح بتهريب الأسلحة إلى حماس عبر حدود غزة مع مصر، ولن يُسمح بعودة آلاف المسلحين إلى شمال قطاع غزة"، وأن إسرائيل "ستعمل على زيادة عدد الرهائن الأحياء الذين سيُعادون من أسر حماس". وبعد هذا البيان، كرر نتنياهو موقفه مرات عدة، واستخدم ادعاءات وحججاً أمنية عدة بهدف عرقلة الاتفاق لأهداف سياسية، وقد نجح في ذلك لغاية الآن. والسبب في ذلك أن نتنياهو مدرك أن الادعاءات الأمنية مقبولة بالعادة من قسم كبير من المجتمع الإسرائيلي، وخاصةً من قواعد اليمين واليمين المتطرف، مبعداً بذلك اتهامه بعرقلة الاتفاق لأسباب سياسية وشخصية. وباشر نتنياهو استغلال حالة الخوف والصدمة في إسرائيل من عملية طوفان الأقصى واستخدامها لأبعاد التوصل إلى اتفاق. كما يدرك أن المؤسسة الأمنية لا تعارض الشروط الأمنية علناً، خصوصاً بعد تراجع مكانتها إثر عملية طوفان الأقصى واتهامها بالإخفاق الكبير.
نتنياهو كرر موقفه مراراً أن الضغط العسكري على حركة حماس وعلى سكان غزة يمكن أن يؤثر على موقف حماس للقبول في شروط إسرائيل للتوصل إلى اتفاق. وهذا أيضاً موقف مقبول من المؤسسة العسكرية. غير أن الخلاف الحقيقي هو حول ضرورة التوصل بأسرع وقت إلى اتفاق وفق اقتراح المؤسسات الأمنية، أم أنه يمكن تأجيل الاتفاق حتى نضوج شروط أفضل بحسب ادّعاءات نتنياهو. وهذا مضمون المفاوضات العلنية بين المؤسسة العسكرية ونتنياهو.
مهمة المؤسسة العسكرية والأمنية لا تقتصر على التفاوض ومحاولة التأثير على نتنياهو، بل أيضاً مواجهة رفض أحزاب اليمين المتطرف، حزب الصهيونية الدينية بقيادة الوزير بتسلئيل سموتريتش وحزب العظمة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير، الرافضان أي اتفاق يتم التوصل إليه مع حركة حماس، يشمل تبادل الأسرى والمخطوفين وانسحاب الجيش من قطاع غزة، على وقع تهديدهما بالانسحاب من التحالف الحكومي في حال التوصل إلى اتفاق.
وألمح المحلل العسكري في موقع صحيفة يديعوت أحرونوت رونين بيرغمان، في مقال الأربعاء الماضي، أن نتنياهو يستفيد من معارضة حزب الصهيونية الدينية الاتفاق، لأن الحزب يحصل على معلومات عن المفاوضات ويخرج علناً لمعارضة البنود المطروحة بغية إفشال الاتفاق. على سبيل المثال، صرحت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، قبل أيام، بأن حزب الصهيونية الدينية يعارض انسحاب الجيش الإسرائيلي من محوري صلاح الدين ونتساريم، وأن "الحزب سينسحب من التحالف في حال حصول ذلك".
واقتبس بيرغمان عن مسؤول أمني مشارك في المفاوضات قوله: "إنه في كل مرة نكون على مشارف تطور مهم وسري في المفاوضات، يخرج أحد أعضاء أحزاب اليمين في هجوم على بنود أو حلول مطروحة للنقاش في المفاوضات، وكأنه يتنبأ بالمستقبل، ويكشف أسراراً، وينتهي بتهديد سلامة الائتلاف الحكومي". ووفق المسؤول، فإن "اليمين يسعى إلى إجهاض مبكر للمفاوضات وعرقلة التوصل إلى اتفاق". بالتالي، فإن مهمة إقناع حزب الصهيونية الدينية بالقبول ودعم أي اتفاق ستكون مهمة مستحيلة، كون موقفه يعكس قناعات أيديولوجية عميقة، ومصالح سياسية انتخابية ترمي إلى تحسين مكانة الحزب الانتخابية في أي انتخابات مقبلة. ناهيك بأن هذه التصريحات تخدم موقف نتنياهو لاستخدامها من أجل عرقلة المفاوضات مع حركة حماس، بحجة الحفاظ على التحالف الحكومي.
في مشهد إسرائيل الحالي، الأطراف كافة معنية بالإعلان عن مواقفها حول المفاوضات مع حركة حماس وحول التوصل إلى اتفاق. والأطراف كافة تريد استخدام واستغلال مواقفها المعلنة بغية تحقيق أهداف سياسية، وليس فقط للتأثير على فرص التوصل إلى اتفاق أو منعه. لغاية الآن لم تنجح المؤسسة العسكرية والأمنية ولا وزير الأمن، ولا أهالي الأسرى والمخطوفين ولا الإعلام الإسرائيلي، ولا ادعاء رئيس الموساد ديفيد برنيع أن الوقت ليس في صالح الأسرى والمخطوفين، بالضغط بما فيه الكفاية للتأثير على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق.
أظهر نتنياهو مؤشرات على أنه سيحارب من أجل البقاء والحفاظ على منصبه
استعدادات نتنياهو
وأظهر نتنياهو مؤشرات على أنه سيحارب من أجل البقاء والحفاظ على منصبه رئيساً للحكومة، فهو يهاجم وزير الأمن ويلمح إلى إمكانية استبداله، ويرفض تعيين لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في "الإخفاق الكبير" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويعمل للحفاظ على التحالف الحكومي، خصوصاً ضمان دعم أحزاب اليمين المتطرف، ويضع شروطاً وعراقيل تمنع التقدم في المفاوضات، وينتظر الانتخابات الرئاسية الأميركية علها تأتي بالرئيس السابق دونالد ترامب، وينتظر تحقيق بعض الإنجازات العسكرية التي يمكن أن يسوّقها في حملته الانتخابية المقبلة.
ويستعد نتنياهو لحملته الانتخابية المقبلة من الآن، مدركاً تماماً أنها ستدور حول ما جرى في السابع من أكتوبر الماضي، وأنها ستتأثر أيضاً من نتائج الحرب على غزة، ومن تحقيق أهداف الحرب أو فشلها، وطبعاً حول صفقة التبادل. نتنياهو يعرف أنه لا يستطيع تغيير ما حدث في السابع من أكتوبر لكنه يريد أن يقلل حصة تأثير ذلك في الحملة الانتخابية المقبلة. هذا لا يلغي طبعاً وجود قناعات أيديولوجية وأهداف استراتيجية يسعى نتنياهو إلى تحقيقها في حرب الإبادة على غزة.
في جولات انتخابية سابقة كان نتنياهو يستشعر أجواء المجتمع ويحاول قضم بعض القواعد من المنافسين في الأيام الأخيرة قبل أي استحقاق انتخابي، إذ أحياناً يرى أن عليه إبداء مواقف براغماتية بغية كسب أصوات من معسكر الوسط، وأحياناً يتجه نحو اليمين من أجل اقتطاع مقاعد من أحزاب اليمين المتطرف لزيادة حصة حزب الليكود. نتنياهو يعرف أنه فقد الكثير من الأصوات والدعم، وأنه لا يستطيع استعادة أصوات من أحزاب الوسط أو من أحزاب أقل تطرفاً من الليكود، ويرى أيضاً أن حزب الصهيونية الدينية يواجه صعوبات في عبور نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة وفقاً لاستطلاعات الرأي العام، ويعي تماماً أن المعارضة لا تستطيع أن تشكل مستقبلاً أي تحالف حكومي يستند إلى دعم حزب عربي كما حصل بعد انتخابات عام 2021. من هنا سيسعى نتنياهو إلى كسب واستعادة المزيد من داعمي أحزاب اليمين واليمين المتطرف، والحفاظ على الدعم القائم ليرفع حصة حزب الليكود وحصة المعسكر الداعم، كي لا يلغي احتمال إعادة تشكيل الحكومة المقبلة. هذه اعتبارات مهمة في حسابات نتنياهو حول الاتفاق مع حركة حماس، وتفسر إصراره على وضع عراقيل وصعوبات على المفاوضات. فالهدف لا يقتصر على إطالة أمد الحرب والحفاظ على التحالف الحكومي فقط، بل تشكّل جزءاً من تحضيرات نتنياهو لحملته الانتخابية المقبلة.