على الرغم من سخونة ملف الغزو الروسي لأوكرانيا، تواصل الولايات المتحدة إطلاق الإشارات المتسارعة التي تدل على محورية الصين في جميع التحركات المرتبطة بسياستها الخارجية وسط جسّ نبض أميركي للصين، على وقع التوترات المتصاعدة في شرقي آسيا تحديداً في تايوان تزامناً مع الضغط على بكين لالتزام النأي بنفسها عن موسكو.
وكان الغزو الروسي لأوكرانيا قد أثار القلق في واشنطن وتايبيه من إمكانية أن تستغل الصين التحرك الروسي، للإقدام بدورها على غزو تايوان، وهو ما حذّر منه مراراً المسؤولون في الجزيرة، حتى قبل الغزو، مع ارتفاع وتيرة التحركات العسكرية الصينية في المنطقة، بما فيها إجراؤها أكبر عدد من الطلعات الجوية في "منطقة الدفاع التايوانية".
وتبدو الصين غير مستعدة للسماح للولايات المتحدة بالذهاب بعيداً في ما تعتبره استفزازات صادرة عنها بشأن الجزيرة. ولذلك لم يكن مفاجئاً أن تعلن بكين عن إجراء تدريبات حول تايوان، بالتزامن مع زيارة وفد من الكونغرس الأميركي إلى تايوان، يضمّ صقور المشرعين الأميركيين تجاه الصين، في رسالة هي الأخرى لتشديد الموقف، فيما تتوالى زيارات المسؤولين الأميركيين إلى الجزيرة منذ أشهر. وكانت تقارير إعلامية تحدثت عن زيارة تعتزم رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إجراءها إلى تايوان قريباً، وهو ما قوبل أيضاً بتحذير صيني عالي اللهجة في وقت سابق.
مناورات صينية في المنطقة تزامناً مع زيارة وفد الكونغرس
وفي ظل هذه الأجواء، وضعت تايوان نفسها بما يشبه حالة التأهب، وأصدر جيشها الثلاثاء الماضي، للمرة الأولى، كتيّباً مخصصاً للمدنيين لتعليمهم طريقة التصرف إذا غزت الصين الجزيرة، يشمل تخزين الطعام وإيجاد مأوى أثناء القصف. والدليل مؤلف من 28 صفحة، ويحتوي على معلومات "يمكن لعامة الناس استخدامها كدليل طوارئ في حال حدوث أزمة عسكرية أو كارثة طبيعية"، بحسب الوزارة.
واختارت بكين الإعلان عن تدريباتها بالتزامن مع مؤتمر صحافي كان يعقده المشرعون الأميركيون في تايبيه، ركزّوا فيه على "الأهمية العالمية" لأمن تايوان، فيما تتعالى الدعوات في واشنطن، وفي مراكز أبحاثها، إلى ضرورة هندسة خط إمداد تكنولوجي بين الولايات المتحدة وتايوان، التي يمكن القول إنها تسيطر على سوق توريد الرقائق وصناعة أشباه الموصلات العالمية، عصب الصناعات الحديثة والممر الإلزامي للتفوق الصناعي والتكنولوجي. ويدخل هذا الملف، في صلب الاهتمام الأميركي بتايوان، بالإضافة إلى المكانة الاستراتيجية التي تحتلها الجزيرة في المنطقة، لضمان احتواء الصين، ما يجعل الرسالة الأميركية إلى الصين متعددة الأوجه، ومنها التأكيد على التوافق الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين على الالتزام بأمن الجزيرة.
وبالتزامن مع الزيارة غير المعلنة مسبقاً التي بدأها أول من أمس الخميس، 6 مشرعين أميركيين إلى تايوان، على رأسهم السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري) ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز (ديمقراطي)، والتي تستمر يومين، أعلنت الصين، أمس الجمعة، أنها أجرت تدريبات حول تايوان في اليوم ذاته، في خطوة قال جيش التحرير الشعبي الصيني إنها تستهدف "الإشارات الخاطئة" التي ترسلها الولايات المتحدة.
ونقل التلفزيون الصيني الرسمي عن المتحدث باسم قيادة مسرح العمليات الشرقي لجيش التحرير الشعبي، شي يي لو، أن الجيش أرسل فرقاطات وقاذفات قنابل وطائرات مقاتلة إلى بحر الصين الشرقي والمنطقة المحيطة بتايوان أمس. وحذّر شي من أن "تصرفات الولايات المتحدة وحيلها السيئة غير مجدية وخطيرة جداً. من يلعبون بالنار سيحرقون أنفسهم".
وفي بيان آخر، وصفت وزارة الدفاع الصينية الزيارة الأميركية بـ"الاستفزازية، وتُصعّد التوتر في مضيق تايوان". وكانت السفارة الصينية في واشنطن قد أعربت أول من أمس الخميس، عن معارضتها الشديدة لزيارة وفد الكونغرس إلى تايوان، معتبرة أنها "تنتهك بشكل خطير مبدأ صين واحدة ونصوص البيانات الصينية الأميركية المشتركة الثلاثة" حول الجزيرة.
تقارير إعلامية تحدثت عن زيارة تعتزم رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إجراءها إلى تايوان قريباً
وجاء الإعلان الصيني عن المناورات، فيما كان الوفد الأميركي الذي التقى أمس الرئيسة التايوانية تساي إينغ وين ووزير خارجية تايوان جوزيف وو ووزير الدفاع تشيو كو تشينغ، يعقد مؤتمراً صحافياً ركّز فيه على الأهمية الاستراتيجية والعالمية لتايوان، مبدياً الدعم للجزيرة في مواجهة الضغوط الصينية.
وأكد مينينديز أن تايوان "بلد له أهمية عالمية"، وأن أمنه له تداعيات على العالم بأسره، فيما تثير كلمة "بلد" لوصف تايوان غضب الصين. وشدّد السيناتور الديمقراطي على أنه "مع إنتاج تايوان 90 في المائة من أشباه الموصلات في العالم، فإنه بلد ذو أهمية عالمية وتأثير، ما يعني أنه يجب فهم أن أمن تايوان له تأثير عالمي". واعترف أن الصين ليست مسرورة جداً بالزيارة، لكنه أكد أن ذلك لن يمنع الوفد من إبداء الدعم لتايوان.
ويعد مينينديز من أشد الداعمين لتايوان، وكان اقترح في فبراير/شباط الماضي مشروع قرار يطلب من الولايات المتحدة بحث إعادة تسمية ممثلية الجزيرة في واشنطن باسم "مكتب تمثيلية تايوان"، عوضاً عن "مكتب ممثلية تايبيه الثقافية والاقتصادية". من جهته، قال غراهام أثناء لقائه الرئيسة الصينية إن الحرب الروسية على أوكرانيا والسلوك الاستفزازي للصين قد وحّدا الموقف الأميركي بشكل غير مسبوق"، معتبراً أن "التخلي عن تايوان يعني التخلي عن الديمقراطية والحرية".
ولا تقيم الولايات المتحدة علاقات رسمية مع تايوان، لكنها أحد أبرز داعميها الدوليين والمورد الأول للسلاح لها. ويؤكد الرئيس الأميركي جو بايدن في كل خطاباته المتعلقة بتايوان، على التزامه "الصلب كالصخر" بالجزيرة ونظامها الديمقراطي. وأكد المتحدث باسم الرئاسة التايوانية، كزافييه شانغ، لدى وصول الوفد الخميس، على أن الزيارة "لا تظهر فقط الدعم الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتايوان، بل طبيعة العلاقات الأميركية التايوانية الصلبة"، بحسب قوله، مضيفاً أن "المكتب الرئاسي يتطلع إلى مواصلة تعميق هذه الشراكة عبر تبادل الزيارات، ومواصلة العمل سوية للمساهمة في الأمن العالمي والإقليمي، والازدهار والتقدم".
يذكر أن وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، كان أجرى زيارة في مارس/آذار الماضي أيضاً إلى تايوان، بالإضافة إلى زيارة أجراها إلى الجزيرة وفد مؤلف من مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع الأميركية.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)