لم تكن الردود الإسرائيلية الرافضة لإعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب فاتو بنسودا فتح تحقيق في الجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مفاجئة، ولا نبرة الاتهامات والتوصيفات التي أغدقها مسؤولو دولة الاحتلال على القرار، من خلال وصفه بأنه "عداء محض للسامية وخلاصة النفاق"، وفق تعبير رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أو بأنه قرار فضائحي وفق توصيف رئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين، أو "إفلاس أخلاقي وقضائي"، بحسب التعبير الذي استخدمه وزير الخارجية الجنرال غابي أشكنازي.
والواقع، فإنّ قرار فتح التحقيق يطاول عملياً من هم على رأس الهرم في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بدءاً من نتنياهو الذي كان رئيساً للحكومة خلال الأحداث التي تحقّق فيها المحكمة، مروراً بالجنرال بني غانتس، الذي كان رئيساً للأركان، ثم عشرات الجنرالات والوزراء الذين كانوا في الكابينت السياسي والأمني، مثل زعيم حزب "يمينا" الوزير السابق نفتالي بينت، وزعيم المعارضة الحالي، رئيس حزب "ييش عتيد" يئير لبيد، وقادة سلاح الجو والطيارين الحربيين وقادة الألوية المختلفة، وصولاً إلى عشرات، بل مئات الجنود في أسلحة المدفعية والمشاة. إلى ذلك، ستطاول التحقيقات في حال شملها ملف الاستيطان، المئات من العاملين في جهاز الإدارة المدنية وهي الذراع التنفيذي للاحتلال في الضفة الغربية المحتلة.
ويبدو، وفق ما تعهد به رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإن إسرائيل تتجه إلى محاولة إحباط التحقيقات، ومنع تحولها في نهاية المطاف إلى لوائح اتهام رسمية، من خلال الاعتماد على موقف أميركي معارض، وعبر تكثيف جهودها وضغوطها السياسية على دول أوروبية، لا سيما الدول التي تقدمت بطلب الحصول على مكانة "صديق للمحكمة"، وأعربت مسبقاً عن معارضتها التحقيق في الجرائم الإسرائيلية عبر الطعن في الولاية الشرعية للمحكمة على الضفة الغربية المحتلة، وفي مقدمة هذه الدول ألمانيا والنمسا وهنغاريا وأستراليا والتشيك.
وكان نتنياهو أعلن مساء اليوم الأربعاء، بعد صدور الإعلان عن المحكمة الجنائية في لاهاي أنه "بقي أمامنا أمر واحد لنفعله، سنحارب من أجل الحقيقة في كل الدول، وكل المنابر والهيئات، للدفاع عن كل جندي، وكل قائد عسكري وكل مواطن، وأتعهد لكم بأننا سنحارب من أجل الحقيقة حتى نلغي هذا القرار الفضائحي".
وفي وقت سابق، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، يوم الأربعاء، أنها فتحت تحقيقاً رسمياً في جرائم مفترضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في خطوة يعارضها الاحتلال الإسرائيلي بشدة.
وقالت في بيان: "اليوم، أؤكد أن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيقاً يتعلق بالوضع في فلسطين". وأضافت أن "التحقيق سيتناول جرائم مشمولة بالاختصاص القضائي للمحكمة، يعتقد أنها ارتكبت في الوضع منذ 13 يونيو/حزيران 2014".
وقرّرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، الشهر الماضي، بالأغلبية، أن الاختصاص الإقليمي للمحكمة في حالة فلسطين، وهي دولة طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمتد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما في ذلك غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، لتمهّد بذلك الطريق أمام ادعائها لفتح تحقيق بارتكاب جرائم حرب من جانب الجيش الإسرائيلي.