إيغور غيركين، عقيد سابق في جهاز الأمن الفدرالي الروسي، في بداية العقد السادس من عمره، شهرته "ستريلكوف". ذاع صيته في عام 2014، حين تولى قيادة قوات "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد الموالية لروسيا شرقيّ أوكرانيا بصفته "وزيراً للدفاع" لعدة أشهر.
واليوم يعود ستريلكوف إلى صدارة المشهد الإعلامي الروسي بعد اعتقاله الجمعة، على ذمة التحقيق بتهمة الدعوات للتطرف، ليمثل من باب المفارقة أمام القضاء في روسيا، لا لاهاي الهولندية الصادر فيها حكم غيابي بحقه بالسجن المؤبد في قضية إسقاط طائرة "بوينغ-777" الماليزية فوق أوكرانيا عام 2014، التي كان أغلب ركابها من رعايا هولندا.
ورغم أن ستريلكوف يمثل تيار القوميين والوطنيين المتشددين وأنصار أيديولوجيا "العالم الروسي" بالمفهوم الواسع، إلا أنه تحول منذ أكثر من عام إلى أحد أكبر المنتقدين لأداء القوات الروسية في أوكرانيا وأساليب إدارة العملية العسكرية، ساخراً حتى من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عبر قناته على "تليغرام" البالغ عدد متابعيها نحو 875 ألفاً.
وفي أحد منشوراته السابقة، اعتبر ستريلكوف ساخراً أن التقدمين المضادين للقوات المسلحة الأوكرانية في العام الماضي، حققا "انتصارين مهيبين" للجيش الروسي -أحدهما "إعادة التموضع الناجحة من مقاطعة خاركيف"، والآخر "القرار الصعب"- اللذين أديا إلى سيطرة "العدو الأحمق والضعيف"، حسب تعبيره، على مدن خيرسون وبالاكليا وإزيوم وكوبيانسك وغيرها في الخريف من العام الماضي.
وفي بعض مقاطع الفيديو، لم يتردد ستريلكوف في توجيه انتقادات لاذعة، بل الإساءة إلى بوتين، قائلاً إن "ما قد جرى، يتحمل رئيس روسيا الاتحادية نفسه مسؤولية كبيرة عنه" تارة، أو بقوله: "فلاديمير فلاديميروفيتش، اخرس ومن الأفضل أن تصمت حتى لا تلحق العار بنا"، تارة أخرى.
ويرجح المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو خلال حديث مع حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار اعتقال ستريلكوف يعود إما لتجاوزه الخطوط الحمر في انتقاداته للقيادة السياسية والعسكرية الروسية، وتحديدا بوتين، وإما لمساعي السلطة لإخضاعه هو وأنصاره للسيطرة.
وحول رؤيته لأسباب تسامح السلطات الروسية مع ستريلكوف لفترة طويلة، يقول تشالينكو الذي ينحدر هو نفسه من دونباس وتعرّف شخصياً إلى ستريلكوف في عام 2014: "بصرف النظر عن مواقفه الأخيرة، كان ستريلكوف يظل في عيون الكرملين والوطنيين الروس وجهاً للدفاع عن مدينة سلافيانسك الذي استمر 85 يوماً في عام 2014، وإن كان قد سلمها وبضع مدن أخرى بقرار انفرادي في نهاية المطاف، بعد أن أدرك أن روسيا لن تتدخل مباشرةً في ذلك الوقت. ولكن اعتقاله كان سيعني إقراراً بأحقية الانتقادات التي يوجهها للرئيس ووزارة الدفاع".
وكانت محكمة ميشانسكي في موسكو قد وضعت ستريلكوف أمس، رهن الحبس حتى 18 سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك بعد ثلاثة أيام على رفع قضية بحقه بموجب الجزء الـ2 من المادة 280 من القانون الجنائي الروسي ("دعوات علنية إلى التطرف باستخدام الإنترنت"). وفي حال إدانته، سيواجه ستريلكوف السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وبحسب السيرة الذاتية الواردة في مواقع روسية، فإن ستريلكوف من مواليد عائلة عسكريين في موسكو عام 1970، وهو خريج معهد موسكو الحكومي للتاريخ والمحفوظات.
وقبل توجهه إلى أوكرانيا، شارك ستريلكوف في أربع حروب، أولاها في إقليم ترانسنيستريا الموالي لروسيا في جمهورية مولدافيا عام 1992، ثم في البوسنة والهرسك وفي الحربين الشيشانيتين الأولى (1994 - 1996) والثانية في نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الجديد.