مع اقتراب الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من شهره السادس، لم يعد السودانيون يحلمون بشيء سوى وقف هذه الحرب التي حوّلت حياتهم إلى جحيم، وطاولت آثارها جميع ولايات البلاد الـ18، وسط سقوط مئات الضحايا وتشريد الآلاف وتدهور الأوضاع الإنسانية وتدمير البنى التحتية. ومنذ اندلاع الصراع العسكري في 15 إبريل/نيسان الماضي، يعيش السودانيون حالة من الخوف والقلق والانتظار المتواصل للعودة إلى حياتهم الطبيعية، إذ تسببت الحرب في تشريدهم ونزوح 4.2 ملايين شخص إلى 3929 موقعاً في جميع الولايات حتى 19 سبتمبر/أيلول الماضي، وفقاً لمصفوفة تتبّع النزوح الأسبوعية للمنظمة الدولية للهجرة.
ولم تفلح الهدن القصيرة التي توصل إليها الطرفان عبر مفاوضات غير مباشرة برعاية السعودية في مدينة جدة في إيقاف العمليات العسكرية، ووضع حد لمعاناة المواطنين، قبل أن يتم تعليق المفاوضات منتصف يوليو/تموز الماضي، بعدما تمسّك الجيش بضرورة التزام الدعم السريع بالخروج من منازل المواطنين والمواقع المدنية والخدمية.
دعوات لإيقاف الحرب
وتدور على مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، حرب من نوع آخر، إذ يرفع الكثيرون شعار "لا للحرب" ويطالبون بإيقافها بأي وسيلة، بينما يدعو آخرون للاستمرار حتى القضاء على الدعم السريع. ويتهم المطالبون بإيقاف الحرب عناصر النظام السابق للرئيس المخلوع عمر البشير، بالوقوف وراء إشعال الحرب والدعوة لاستمرارها من دون الالتفات لمعاناة الناس.
أحمد الطيب: كثيرون رفضوا شراء المواد التموينية من أسواق المسروقات
وأعلنت مجموعات مدنية ونقابية سودانية عن مبادرات لإيقاف الحرب، وأطلقت شعارات مثل "لا للحرب" و"لازم تقيف" (يجب وقف الحرب) وحاولت تنظيم وقفات احتجاجية وندوات، لكنها تعرضت للمنع من قبل السلطات. وأعلنت "حركة أمهات السودان" بمدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق، عن وقفة احتجاجية ضد الحرب تحت شعار "نحلك يا قضية بدون صوت بندقية" في 29 أغسطس/آب الماضي، لكن الشرطة منعت الوقفة واعتقلت عدداً من المشاركات.
وفي 12 أغسطس الماضي، منعت الأجهزة الأمنية في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، "مبادرة لا لقهر النساء" السودانية من عقد ندوة بعنوان "أرضاً سلاح". وذكرت المبادرة في بيان في 20 أغسطس الماضي: "عندما نرفع صوتنا برمي سلاح الطرفين، فذلك أكبر رفض لما نحن فيه من قتل ونزوح واغتصاب ولجوء.. الحرب التي تنادون بها هي من تغتصب حيواتنا".
بدورها، اعتبرت "الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية" (تجمع منظمات سياسية ومهنية)، في بيان في 23 مايو/أيار الماضي، أن "لا للحرب" ليس موقف حياد بين الطرفين المتحاربين، بل موقف ضد الابتذال السياسي الذي سمح لهما بالتمدد في طموحاتهما السلطوية حتى اشتعلت الحرب. وأضافت الجبهة، أن الموقف ضد الحرب، والسعي لإيقافها لا يعني التعامي عن تسمية الأشياء بأسمائها وتحديد وإدانة مرتكبي الجرائم والانتهاكات المتعددة. وتابعت أن "مزايدات أنصار طرفي الحرب، سواء كانت مناصرة صريحة أو مستترة، لتجريم الموقف المضاد للحرب، ليست سوى ضوضاء على هامش كتاب التاريخ، ومجرد شخابيط لا قيمة لها".
المواطن أحمد الطيب من سكان الخرطوم، يقول في حديث لـ"العربي الجديد" إن تبني شعار "لا للحرب" أو وقف الحرب أصبح أمراً لا بد منه بالنسبة للداعين لوقفها من جهة، وحتى لمن يأملون في حسمها عسكرياً من الجهة الأخرى، مؤكداً أن معاناتهم كمواطنين وصلت إلى الحد الأقصى ولم يعد بإمكانهم تحمل المزيد، لهذا يطالبون بإيقاف الحرب بأسرع ما يمكن.
ويشير إلى أن طول فترة الحرب واستمرارها إلى مشارف الشهر السادس، انعكس على المواطنين سواء كانوا من النازحين أو من الذين ظلوا متمسكين بالبقاء في منازلهم، محتملين أصوات الرصاص والمدافع بدافع حماية ممتلكاتهم، معتبراً أن الرابط المشترك بينهم هو تفاقم الأوضاع المعيشية وصعوبة الحصول على عمل يقيهم مشقة الحياة، في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني بالذات في المناطق المتاخمة للمعارك.
ماجد محمد علي: تحالف قوى "الحرية والتغيير" وخارجها لا يملك آلية ضغط على الطرفين
ويلفت الطيب إلى أنه على الرغم مما يعانونه من سوء الأوضاع المعيشية، إلا أنهم وكثيرين رفضوا شراء المواد التموينية من أسواق المسروقات، أو ما بات يطلق عليها "أسواق دقلو" (نسبة لقائد وحدات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ـ حميدتي)، والتي تُعد من أرخص الأسواق، بل إن بعض التجار يشترون منها السلع ويبيعونها للمواطنين بأسعار أغلى في مناطق أخرى، مؤكداً أنه كمواطن متضرر من هذا الصراع يبقى السؤال الأول بالنسبة له هو "متى تنتهي الحرب؟".
المواطنون راغبون في وقف الحرب في السودان
من جهته، يقول الصحافي، ماجد محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إن المواطنين يرغبون في وقف الحرب فوراً ومن دون أي شروط، باعتبارهم الضحية الأولى للمعارك، وبسبب تداعيات الحرب على حياتهم اليومية داخل مناطق العمليات وخارجها في مدن النزوح، لذلك من الطبيعي أن تتحرك الأجسام المعبرة عنهم من أجل المطالبة بوقف الحرب، وقد ظهرت محاولات عديدة في ولايات مختلفة وتم قمعها.
ويرى علي أن المشكلة الأساسية أن لكل الأطراف المتحاربة شروطاً مسبقة من أجل إيقاف الحرب، فالجيش لديه رؤية لوضعية الدعم السريع ودوره بعد الحرب، وهناك قطاعات واسعة تدعم ذلك، ولا يظهر الجيش تنازلات. أما الدعم السريع فتتمسك برؤيتها الخاصة حول مستقبل قواتها ووضعية قيادتها، وهي أقرب لما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاع الحرب في 15 إبريل الماضي، وتسعى من خلال منبر جدة لتأمين ذلك.
ويضيف علي أن القوى السياسية داخل تحالف قوى "الحرية والتغيير" وخارجها لا تملك، على ما بدا، آلية ضغط على الطرفين من أجل الوصول لحل يقبله الجيش والدعم، ثم إنها تبدو متباعدة لحد بعيد تأسيساً على خلافات سابقة بشأن أجندة المرحلة الانتقالية وطريقة إدارتها. ويشير علي، إلى أن المخاطر التي تهدد وحدة البلاد وسيادتها تتطلب توحد الجميع على أرضية برنامج وطني يغلق الطريق على استمرار الحرب، وأيضاً يؤمنها من التدخلات الخارجية المتزايدة، ويفتح الطريق كذلك لعملية انتقال ديمقراطي تحظى بدعم الشعب ورضاه.