حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، اليوم الأحد، من أن الخطر الحقيقي الوحيد الذي يهدد مستقبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، هو الشرخ الداخلي والكراهية الذاتية بين مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي.
وقال باراك في مقالة نشرتها له اليوم الأحد، صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نسختها الورقية وعلى موقعها على الشبكة: "علينا أن نعمل ضد التهديدات والأخطار بعيون متيقظة وبتصميم، دون أن نغفل أي فرصة للاعتدال وكبح الجماح، وأخيراً أيضاً في حال تسني الذهاب لحل النزاع الإسرائيلي –الفلسطيني".
وبحسب باراك، الذي كان الشخص الذي سبق أن أعلن بعد مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أنه لا يوجد شريك فلسطيني، فإنه يمكن القول اليوم بنظرة متأنية إلى العقدين الأخيرين "إننا نسير ببطء باتجاه الحل، وإن ليس بالوتيرة التي نريدها، وبالتالي علينا ألا نضر بمصالحنا الأمنية الحيوية".
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إن "إسرائيل اليوم أقوى من كل التهديدات الخارجية من كافة أعدائها: عسكرياً واستراتيجياً وتكنولوجياً واقتصادياً. وعلينا العمل لتحقيق أهدافنا من موقف قوة وثقة بالنفس، لا مجال لإخافة مواطنينا وأنفسنا".
باراك: يمكن التغلب على "التهديدات الخارجية"
واستعرض باراك التهديدات الخارجية لأمن إسرائيل، معتبراً أنها تهديدات يمكن إسرائيل التغلب عليها في نهاية المطاف، وهي وفقاً لرؤيته كالآتي: المقاومة الفلسطينية، التي يدرجها تحت مسمى "الإرهاب"، مشيراً إلى أنه "مهما كانت ضرباتها موجعة، فإنها لا تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل".
ثانياً، خطر الصواريخ والمقذوفات المتوافرة لدى كل من "حماس" و"حزب الله"، معاً، مع محاولات إيران لنشر صواريخ متطورة ودقيقة الإصابة أيضاً في هضبة الجولان، وهو تهديد تراقبه إسرائيل وتتابع تفاقمه بموازاة محاربتها له، لكن رغم خطورة هذا التهديد أيضاً، فإنه لا يصل إلى درجة تحوله إلى تهديد وجود الدولة".
أما التهديد الثالث الذي تمثله مساعي إيران لتطوير قوة نووية، فيشير باراك إليه، مكرراً أنه في حال تمكُّن إيران من التحول إلى "دولة حافة نووية"، فقد يغير ذلك الصورة كلياً وبشكل جوهري سيكون على إسرائيل العمل مع الولايات المتحدة لمواجهته، معتبراً أن كلاً من إسرائيل أو الولايات المتحدة ستواجهان فشلاً تاريخياً يصعب إصلاحه إذا لم يُعدا "خطة" لمواجهة مساعي إيران.
مع ذلك، يوضح باراك أن الحديث لا يتعلق بخطر استخدام السلاح النووي ضد إسرائيل، "فللإيرانيين أسبابهم التي تمنعهم من التفكير في ذلك. لأن تطوير السلاح النووي في إيران، مثله مثل السلاح النووي في كوريا الشمالية، هدفه الأساسي الردع وضمان بقاء النظام، لا استخدامه ضد أحد الجيران. وبالتالي لا يشكل هذا الخطر خطراً وجودياً على إسرائيل".
الخطر الوحيد
وبعد أن نفى باراك كون الأخطار المشار إليها أعلاه أخطاراً وجودية تهدد بقاء إسرائيل، انتقل للقول إن الخطر الحقيقي الذي يهدد وجود إسرائيل، وهو خطر "واحد ووحيد"، بحسب تعبيره، يمكن أن يتفاقم لدرجة التهديد الوجودي، بالنظر إلى "تجربتنا التاريخية" (يقصد الرواية الإسرائيلية اليهودية بأن خراب الهيكل الأول والثاني كانا بسبب النزاعات الداخلية بين اليهود أنفسهم والانشقاقات في صفوفهم) هو "الأزمة الداخلية، والشرخ الداخلي والكراهية المتزايدة بين اليهود أنفسهم".
ويمضي باراك ليشير إلى "التحريض المنفلت دون أي كوابح، والانقسامات الداخلية المتعاظمة من سنة لأخرى"، مشيراً إلى فيلم إسرائيلي أُنتِج أخيراً وعرض في دور السينما تحت اسم "أسطورة الخراب"، ليقول إن الشخصيات التي ظهرت فيه من بطون كتب التراث اليهودية والنصوص ومضامينها تنطبق جداً على واقع إسرائيل اليوم المشبعة أجواؤه بأثير الوقود.
ومع أن باراك كان مبادراً خلال العقدين الأخيرين إلى المشاركة في حكومات برئاسة بنيامين نتنياهو، بما في ذلك من خلال شقّ حزب العمل للانضمام إلى حكومة نتنياهو الثانية عام 2009، إلا أنه يقول الآن: "أمامنا حلف بين المتهم بجرائم جنائية (يقصد بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة السابق)، ومتطرفي التعصب الديني الظلامي".
ومع أنه يمتنع عن إيراد تفاصيل عن دور نتنياهو في خلق أجواء التحريض، إلا أنه يقول إن نتنياهو "والنواة الداخلية لمؤيديه يعكفون على تسميم الخطاب العام، في محاولة لحرف المحاكمة التي يتعرض لها وتحطيم ثقة الجمهور الإسرائيلي بالجهاز القضائي وبالحكومة الإسرائيلية ومن يقف على رأسها، وهو حلف بينهم وبين إيتمار بن غفير (رئيس حزب عوتصماه يهوديت الكهاني) وأمثاله، مشيراً إلى شخصيات كانت في الماضي منبوذة ومرفوضة من قبل الأحزاب الصهيونية كافة، لكن جرى الآن تبييضها وتحويلها إلى جماعات شرعية من قبل من قاد قبل عشرين عاماً التحريض الدموي الذي انتهى وفقاً لما نعرفه جميعاً" (في إشارة إلى اغتيال إسحاق رابين عام 1995 من قبل يغئال عمير، الذي قال في سياق محاكمته إنه حصل على إذن وفتوى توراتية من أحد الحاخامات).
ويدعي باراك أن هذه "المجموعات الدينية اليهودية المسيحانية ترقص على دماء قتلى العمليات بدلاً من دعم قوات الأمن". ويرى أن هؤلاء من جهة وقادة حماس من جهة ثانية يبدون كمن يعملون بتنسيق لنقل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتحويله من صراع حدود وجغرافيا إلى صراع بين إسرائيل والإسلام.
ويخلص باراك إلى القول إن "من يظن أن العلاقات مع الأردن ومصر واتفاقيات أبراهام ستصمد أمام حرب كهذه، فهو يجازف ويراهن على مستقبلنا".
سلسلة مقالات وتحذيرات نشرت مؤخرا في إسرائيل تحذر من خطر التحريض السياسي وخطاب الكراهية
ومع أن مقالة باراك تأتي مدفوعة بتأييده للحكومة الإسرائيلية الحالية الرافضة هي أيضاً لحل الدولتين، إلا أنه ينضم إلى سلسلة مقالات وتحذيرات نشرت أخيراً في إسرائيل، من خطر التحريض السياسي وخطاب الكراهية الذي تبثه المعارضة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو ضد حكومة نفتالي بينت، واتهامها بالاعتماد على دعم حزب إسلامي مؤيد للإرهاب، في إشارة إلى القائمة العربية الموحدة.
وينضم مقال باراك إلى مقال مشابه كتبه الصحافي اليميني في موقع معاريف، بن كاسبيت، رداً على مقالة تحريضية كان قد أنشأها الكاتب الإسرائيلي اليميني، كلمان ليفسكيند، الذي يقدم برنامجاً إخبارياً يومياً بين الثامنة والعاشرة في الإذاعة الإسرائيلية العامة.
وكان ليفسكيند قد زعم في مقال له نشره الأسبوع الماضي، أن حكومة بينت الحالية ليست حكومة يمين، وهي تضع مصير إسرائيل بيد القائمة الموحدة، المشار إليها، متهماً إياها بأنها قائمة مؤيدة للإرهاب.
وادعى بن كاسبيت، الذي يكتب بشكل ثابت ضد نتنياهو و"سياساته المدمرة ولا سيما فساده في الحكم"، في مقالته اليوم الأحد أن "ما يهدد أمن إسرائيل هو الخطر الداخلي"، ومفنداً ادعاءات ليفسكيند بهذا الخصوص، مذكراً إياه بأن "من وافق على إقامة دولة فلسطينية، عبر مبادرة جون كيري عام 2014 هو بنيامين نتنياهو. كذلك إن من شرّع دخول حزب القائمة الموحدة بقيادة منصور عباس إلى الحكومة، مستشار نتنياهو الشخصي، نتان إيشل".
وخلص بن كاسبيت إلى أن رئيس الحكومة الحالية، نفتالي بينت، وشركاءه في الحكومة، سواء كان ذلك وزير القضاء، غدعون ساعر، أو الوزير زئيف إلكين، "بعيدان جداً عن حل يتضمن إقامة دولة فلسطينية خلافاً لنتنياهو، وبالتالي إن خطر قيام دولة فلسطينية ليس حقيقياً أو واقعياً اليوم".
ومع أن بن كاسبيت عدد الخطوات والمناورات التي قام بها نتنياهو خلال حكمه، وخاصة ما يتعلق بالتعاون مع القائمة الموحدة لدرجة إطلاقه على نفسه خلال معارك الانتخابات الأخيرة لقب "أبو يئير" للتحبب للناخبين العرب، إلا أنه خلافاً لباراك، يحاجج ضد ليفسكيند من باب اتهام نتنياهو بالذات بالتساهل مع حركة حماس، في إشارة إلى "حقائب المال"، مقابل إصرار نفتالي بينت خلال عدوان الجرف الصامد عام 2014 على عدم وقف العدوان قبل تدمير أنفاق حماس الهجومية.
مع ذلك، إن مقالي إيهود باراك، وبن كاسبيت، رغم الفرق في دوافع الاثنين وتوجهاتهما، يبرزان حقيقة ما أشار إليه مسؤولون في جهاز الأمن العام "الشاباك"، بشأن خطر وقوع عملية اغتيال جديدة في إسرائيل قد تطاول رئيس الحكومة الحالي، نفتالي بينت، أو أياً من الوزراء في الحكومة، وخاصة بعد أن تلقى بينت أخيراً رسالتي تهديد لحياته، وهو ما دفعه أيضاً في خطابه في ذكرى "استقلال إسرائيل" إلى الدعوة إلى نبذ الكراهية الداخلية، مكرراً المقولات التراثية اليهودية بأن مملكتي إسرائيل سقطتا بسبب غياب المناعة الداخلية، وبسبب الكراهية بين اليهود أنفسهم.