اجتماعات الجمعية العامة... مناسبة سنوية لقلّة حيلة الأمم المتحدة

24 سبتمبر 2024
غوتيريس خلال قمة المستقبل، 22 سبتمبر 2024 (أنجيلا فيس/Getty)
+ الخط -

يستمر وصول ممثلي الوفود الدبلوماسية إلى مدينة نيويورك الأميركية لحضور افتتاح اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة رفيعة المستوى في دورتها الـ79، والتي ستبدأ مداولاتها اليوم الثلاثاء، بحضور أكثر من 130 رئيس دولة وحكومة، ناهيك عن وزراء خارجية ومسؤولين رفيعي المستوى ووفود دبلوماسية. وتستمر المداولات رفيعة المستوى حتى يوم الاثنين، الثلاثين من شهر سبتمبر/أيلول الحالي.

وفي خضم الجلبة الإعلامية التي ستصحب وجود كل هؤلاء القادة، هل من المتوقع أن تكون هناك أي انفراجة في الملفات الساخنة، كالحرب على غزة ولبنان وأوكرانيا وفي السودان؟ في الحديث مع عدد من الدبلوماسيين عن توقعاتهم، فإن إجابتهم المباشرة والصريحة هي أن "سقف التوقعات منخفض للغاية إن لم يكن منعدماً" في الأمل بتحقيق أي اختراق فعلي بأي من الملفات الساخنة.

الجمعية العامة للأمم المتحدة: جلبة إعلامية فقط

وتأتي الاجتماعات بعد قرابة سنة كاملة من الحرب الدموية على غزة وعجز المنظمة الدولية، التي من المفترض أن تكون المسؤولة الأولى عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، عن تحقيق أي تقدم فعلي ملموس على الأرض، أو حتى كسر دائرة الاحتكار الأميركي لصنع القرار. كما تأتي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام بعد أيام من موجة جديدة من العنف الإسرائيلي ضد لبنان، وصمت الكثير من الدول الغربية الرئيسية حتى عن إدانة تلك الهجمات التي تعرض لها لبنان، وخصوصاً تفجير أجهزة الاتصال التي خلّفت الآلاف من الجرحى وعشرات الضحايا من بينهم الكثير من المدنيين. وستعقد اجتماعات حول مواضيع ساخنة كالحرب في فلسطين ولبنان كما السودان وأوكرانيا. ومن المتوقع أن تكون هناك جلبة إعلامية حول عدد من الوفود بما فيها الإسرائيلي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحضور قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان والوفد الإيراني، كما حول خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقب، وهو الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفته رئيسا للولايات المتحدة.

أغرقت حرب غزة المنظمة في شعور عميق بالارتباك والأزمة

وهناك أيضاً عدد من المؤتمرات التي ستعقد على مستوى رفيع، أي بحضور قادة دول ووزراء خارجية، بما فيها "مؤتمر قمة المستقبل" (عُقد مساء أول من أمس الأحد)، كما "الحوار رفيع المستوى بشأن معالجة التهديدات الوجودية التي يفرضها ارتفاع مستوى سطح البحر"، والاجتماع رفيع المستوى للاحتفال باليوم الدولي "للإزالة الكاملة للأسلحة النووية" والترويج لها.

وعن الأجواء التي تعقد فيها اجتماعات هذا العام، تحدث ريتشارد غاون، المتخصص في شؤون الأمم المتحدة من منظمة "مجموعة الأزمات" خلال إحاطة إعلامية خصّ بها صحافيين معتمدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك. وقال غاون: "علينا أن نتقبل أن اجتماعات هذا العام تأتي بعد عام من أكثر الأعوام إحباطاً في تاريخ الأمم المتحدة الحديث (حرب غزة)، والذي أتى بعد ما مرّت به هذه المنظمة الدولية من اضطرابات نتيجة للاجتياح الروسي لأوكرانيا... لكن الأشهر التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي أغرقت المنظمة في شعور عميق بالارتباك والأزمة". وأشار إلى وجود مخاوف حقيقية حول فقدان المنظمة الدولية مصداقيتها في ظلّ الاستقطاب الشديد الذي يسيطر عليها وخصوصاً في مجلس الأمن والشلل الذي يعتريه. ولفت غاون الانتباه إلى "قمة المستقبل" التي عقدت، أول من أمس، على هامش الاجتماعات رفيعة المستوى التي من المفترض أن تحاول مواجهة نقاط الضعف وتحسين أداء الأمم المتحدة.

واعتمدت الجمعية العامة، بالإجماع وبدون تصويت، أول من أمس الأحد، قراراً يتضمن اتفاقاً رئيسياً يُعرف بـ"ميثاق المستقبل" الذي يوصف بأنه دعوة للعمل والإصلاح لوضع العالم على مسار أفضل يعود بالخير على الجميع في كل مكان. وعلى الرغم من أن الميثاق غير ملزم قانونياً، لكنه يتطرق إلى نقاط مفصلية مهمة للبشرية أجمع. وكانت المفاوضات حوله قد استمرت لأشهر بقيادة كل من ألمانيا وناميبيا. ويتطرق الميثاق لنقاط مفصلية تجدد للالتزام بتعاون دولي حول عدد من الأمور الأساسية، كالذكاء الاصطناعي والتغيير المناخي وإصلاح المؤسسات الدولية ناهيك عن الاستكشاف السلمي للفضاء.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد دعا إلى تحويل الاتفاقات التي تعتمدها القمة إلى خطوات فعلية على أرض الواقع في عالم يواجه تحديات كثيرة، منها الصراعات واتساع فجوة انعدام المساواة وتبعات الانحباس الحراري ومشاكل المناخ بالإضافة إلى التكنولوجيا وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي. وحذّر غوتيريس، أخيراً، من أن أهداف التنمية المستدامة التي اتفق قادة العالم على تحقيقها بحلول 2030 في خطر، حيث ترزح الكثير من الدول تحت أعباء الديون وعدم المساواة وتكاليف حياة باهظة، في الوقت الذي أظهرت فيه العديد من المؤسسات الدولية متعددة الأطراف عدم قدرتها الكافية على الاستجابة لتلك التحديات.

آمال ضعيفة بخطوات جريئة

وما إذا كانت "رحلة الاصلاح" هذه، كما سماها غوتيريس، بالفعل ستأتي بثمارها، فإن ذلك يبقى مسألة وقت لنراه. لكن من ضمن الأمور التي يجب إصلاحها والتي تحدث عنها غوتيريس "إصلاح مجلس الأمن، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية من أجل استخدام الموارد بشكل فعال لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والمناخ، وإصلاح نظام الاستجابة للصدامات العالمية". وشدد على ضرورة أن يكون هناك ميثاق رقمي عالمي يشمل اتفاقاً دولياً حول الذكاء الاصطناعي يهدف إلى ترسيخ الأسس لإنشاء منصة دولية مركزها الأمم المتحدة وتجتمع تحت مظلتها جميع الأطراف المعنية.

من ضمن الأمور التي يجب إصلاحها بحسب غوتيريس، مجلس الأمن، والمؤسسات المالية

وفي تصريح إعلامي، قال مدير مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش لدى الأمم المتحدة، لويس شاربونو، إنه يتعين على قادة العالم الذين يجتمعون في نيويورك "الالتزام بخطوات جريئة لإنهاء الجرائم الفظيعة التي ترتكب في أسوأ أزمات العالم ومحاسبة المسؤولين عنها". وأكد ضرورة أن تتصدر الأوضاع في فلسطين والسودان وأوكرانيا وهايتي وميانمار وفنزويلا وأفغانستان جداول الأعمال. ومن المرجح أن تتصدر تلك القضايا بالفعل جداول الأعمال المختلفة، لكن السؤال الأهم هو ما إذا كانت هناك نية بالفعل لدى الفاعلين والقادرين بالفعل على حلّها للقيام بذلك. فمفتاح الحرب في غزة في يد الولايات المتحدة، ولا يبدو أن الرئيس الأميركي، الذي سيحضر إلى نيويورك لتقديم إحاطة بلاده الأخيرة بصفته رئيسا، معني بوقفها ووقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء، فيما تستمر الولايات المتحدة بتوفير الغطاء الدبلوماسي والعسكري لإسرائيل.

وفي ما يخص "ميثاق المستقبل"، شدّد شاربونو على ضرورة أن يسعى هؤلاء القادة إلى إحداث تغييرات منهجية لمعالجة الظلم الاقتصادي وتعزيز الحق في بيئة صحية، مضيفاً أنه "يتعين عليهم تأييد مقترحات ملموسة في قمة المستقبل لمعالجة الفقر والظلم الاقتصادي وأزمة المناخ والتهديدات، وأن يؤكدوا استعدادهم للعمل من أجل دعم حقوق الإنسان".

يأتي قادة العالم إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، ولكن لا يبدو أن المنظمة الأممية هي مركز القوة لتلك الاجتماعات ومحركها بقدر ما هي "مجرد" مكان يعقد فيه وحوله الكثير من الاجتماعات الثنائية، وتسير به الأمور بحسب رغبة الدول القوية التي تسيطر على كل زمام الأمور لتكون المنظمة مجرد خشبة مسرح لا أكثر.

المساهمون