يعقد وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا والنظام السوري وإيران، مباحثات جديدة في العاصمة الروسية موسكو، اليوم الثلاثاء، في مسعى جديد لردْم هوّة الخلاف بين أنقرة ودمشق، في سياق مسار تفاوضي بدأ أواخر العام الماضي، وتعرقل تقدمه جراء العديد من الملفات العسكرية والأمنية الشائكة.
وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الاثنين، أن الاجتماع الذي سيعقد اليوم الثلاثاء هدفه "حل المشاكل العالقة عن طريق الحوار وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة في أقرب وقت ممكن".
وأشار أكار، وفق ما نقلت عنه وكالة الأناضول، إلى أن اللقاءات تجري في ظل الاحترام المتبادل بين الأطراف، مبيناً أنه من المتوقع أن تحدث بعض التطورات الإيجابية عقب الاجتماع. وأكد أن بلاده تبذل، وستواصل بذل، ما بوسعها من أجل السلام في المنطقة، مشيراً إلى أن تركيا "لا ترغب في موجة لجوء جديدة، ونهدف إلى توفير الظروف الملائمة لعودة السوريين إلى ديارهم بشكل آمن وكريم".
وأكد أن أنقرة لا يمكن أن تتخذ قراراً من شأنه وضع فصائل المعارضة المتحالفة معها "في مأزق". وأعلنت وزارة دفاع النظام السوري، من جهتها، عقد الاجتماع اليوم بين وزراء دفاع الدول الأربع في موسكو "استكمالاً للمباحثات السابقة".
مصدر دبلوماسي تركي: سيؤكد الجانب التركي أن الانسحاب من سورية حالياً غير وارد
وكانت عقدت مطلع الشهر الحالي في موسكو مباحثات رباعية ضمت نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، بهدف الإعداد لاجتماع يضم وزراء خارجية الدول الأربع. ولكن اشتراط النظام "إنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، ومكافحة الإرهاب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية" حال- كما يبدو- دون عقد اجتماع وزراء الخارجية. غير أن تقارير إعلامية تحدثت عن لقاء محتمل بين وزراء الخارجية في 10 مايو/أيار المقبل، في حال تحقيق تقدم في اجتماع اليوم.
ودشّنت أنقرة تقارباً مع النظام، بدفع روسي، في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجلى في اجتماع وزراء دفاع روسيا سيرغي شويغو، وتركيا خلوصي أكار، والنظام علي محمود عباس، في موسكو، وهو اللقاء الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين الطرفين منذ 2011.
ومن المتوقع أن تُطرح على طاولة التباحث اليوم الثلاثاء في موسكو العديد من الملفات الأمنية والعسكرية الشائكة، خاصة لجهة الوجود العسكري التركي في شمال سورية، والذي يعتبره النظام "احتلالاً"، بينما تؤكد أنقرة أنه لدرء المخاوف على الأمن القومي التركي بسبب وجود "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تعتبرها أنقرة جناحاً سورياً لحزب العمال الكردستاني.
وقال مصدر دبلوماسي تركي مطلع، لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع المقرر الثلاثاء ليس طارئاً، وجاء ضمن نفس المسار المرتبط بالتطبيع، ولكن الجديد فيه أن هذا الاجتماع تشارك فيه إيران، فيما لم تكن قد شاركت في اجتماع وزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات السابق".
الاجتماع للتأسيس لحوار تركيا والنظام
وأضاف المصدر الدبلوماسي: "يأتي الاجتماع ضمن إطار التأسيس للحوار التركي مع النظام من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، خصوصاً أن جهود المجتمع الدولي لم تؤد إلى أي حل سياسي، رغم عشرات الجولات، وتركيا تتبنى مبدأ الحوار مع النظام كجزء من الجهود الساعية لحل الأزمة مع فشل المساعي الدولية".
وأكد أن "أجندة الاجتماع الحالية لا تختلف عن الأجندة التي كانت مطروحة خلال اجتماع نواب وزراء الخارجية، لأن ذلك الاجتماع لم يتوصل إلى أي نتائج وتوافقات، فتم ترحيل المسائل إلى اجتماع الوزراء المعنيين في هذا الاجتماع، ولاحقاً ربما لاجتماع وزراء الخارجية المرتقب بداية الشهر المقبل، لهذا ليس من المنتظر أن تقدم طروحات جديدة".
وأشار إلى أنه سيتم "بحضور الجانب الإيراني طرح مسألة وحدة التراب السوري ومكافحة التنظيمات الإرهابية والانفصالية، وتأسيس مسألة عودة اللاجئين السوريين، وتسهيل تنفيذ الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254. وسيؤكد الجانب التركي أن الانسحاب حالياً غير وارد ما دامت التهديدات الأمنية متواصلة، وعدم قدرة النظام على السيطرة على كافة التراب السوري، وعدم تنفيذ الحل السياسي".
عودة إلى المربع الأول
وتعليقاً على اجتماع موسكو الأمني والعسكري، رأى المحلل السياسي طه عودة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الاجتماع "عودة إلى المربع الأول"، مضيفاً: هذا مؤشر على وجود خلافات تعرقل عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية.
وبرأيه، يبدو أن الحكومة التركية، بتشجيع روسي، ماضية في عملية التطبيع مع النظام السوري، خصوصاً أن هناك ملفات عديدة تريد هذه الحكومة معالجتها، وبشكل أساسي ملف اللاجئين وملف "قسد". وأشار إلى أن المباحثات الرباعية "تسبق انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة في تركيا"، مشيراً إلى أن الحكومة التركية تتحرك وفق تطورات المشهد الداخلي ولعلاقات بنتها مع الجانب الروسي.
بيد أن عودة لا يتوقع أن يخرج اجتماع موسكو اليوم بـ"نتائج مهمة على صعيد تسريع عملية التطبيع مع النظام السوري"، مضيفاً: أنقرة تريد كسب الوقت، وألا تُفشل هذا المسار في ظل حساسية الأوضاع الداخلية التركية. وأعرب عن اعتقاده أن النظام السوري "هو الآخر يريد انتظار نتائج الانتخابات التركية"، مضيفاً: لكن الجانب الروسي يحاول الضغط على كل الأطراف من أجل تسريع هذا المسار.
من جانبه، رأى المحلل السياسي السوري طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاجتماع يؤكد حرص القيادة التركية في هذه المرحلة على مواصلة الجهود للتطبيع مع النظام في دمشق".
طه عبد الواحد: لا تزال هناك نقاط خلافية كثيرة تعطل الانتقال إلى خطوات التطبيع العملي
وقال: أعتقد أنه لا تزال هناك نقاط خلافية كثيرة بين الجانبين على المستوى السياسي والعسكري، تعطل الانتقال إلى خطوات التطبيع العملي، وهذا شيء طبيعي.
وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده بأن "الخلاف الأهم على ما يبدو عسكري الطابع، يرتبط بإصرار دمشق على انسحاب القوات التركية مقابل تمسّك أنقرة بضرورة الاحتفاظ بقواتها على الأراضي السورية، استناداً إلى الاتفاق الروسي-التركي عام 2019 حول ترتيبات الوضع شمال شرق سورية، والذي سمح لتركيا بالحفاظ على الوضع الراهن في منطقة عملية نبع السلام شرقي نهر الفرات".
خلافات حول الوضع في إدلب
وبرأيه، فإنه بالتأكيد هناك خلافات حول الوضع في إدلب ومسألة دعم تركيا لفصائل المعارضة السورية، وكل هذه الملفات يتطلب حلها محادثات بين المسؤولين العسكريين والأمنيين. وأشار عبد الواحد إلى أن "موسكو، التي تعول على إنجاز التطبيع بين أنقرة ودمشق، ستقدم اقتراحات معينة خلال الاجتماع، ربما تكون على شكل صيغة معدلة من اتفاقية أضنة لعام 1998 المبرمة بين تركيا والنظام السوري".
ويبدو أن الجانب التركي غير متمسك في البقاء طويلاً في الشمال السوري، ولكن تشرذم جيش النظام وعجزه يحول دون تمكنه من حماية الحدود السورية التركية الممتدة على طول نحو 1000 كيلومتر.
وتريد أنقرة تفاهماً أمنياً وعسكرياً وآلية مشتركة مع النظام للتعامل مع "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي، فالأتراك يرون أن عودة قوات النظام السوري إلى شمال شرقي سورية تحول دون قيام كيان كردي على حدودهم الجنوبية، يعتبرونه مساً مباشراً لأمنهم القومي. وتعد هذه العودة مصلحة مشتركة للجانب التركي والنظام الذي يريد إنعاش اقتصاده من خلال استعادة الشمال الشرقي من البلاد، الأغنى بالثروات.
ويريد النظام، في المقابل، تفتيت فصائل المعارضة السورية في شمال سورية، واستعادة السيطرة عليه، من خلال تعاون مع الجانب التركي الداعم المباشر لهذه الفصائل، التي كما يبدو تقاوم حتى اللحظة أي محاولة للتقارب مع النظام يفضي إلى اختفائها من المشهد، قبل التوصل لحل سياسي مرضٍ للشارع السوري المعارض وفق قرارات دولية، أبرزها القرار 2254.
ويبقى ملف "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب الأكثر تعقيداً في المشهد السوري، ويحتاج مقاربة من نوع مختلف في ظل وجود ملايين المدنيين في مناطق سيطرتها يرفضون أي حضور أمني أو عسكري للنظام في شمال غربي سورية، وهو ما يدفع للاعتقاد أن التباحث بين أنقرة ودمشق ربما يستغرق سنوات قبل التوصل إلى نتائج ملموسة، أو اتفاقات يمكن أن تصمد.
كما تهدف أنقرة من وراء التطبيع مع النظام إلى توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والذين تحولوا إلى ورقة سياسية ضاغطة بيد المعارضة التركية على حكومة حزب العدالة والتنمية الساعي إلى الاستمرار في السلطة عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر المقبل.
ويُعدّ الشمال السوري، غرب نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي، إلى منطقة جرابلس على ضفاف الفرات الغربية، شرقي البلاد، منطقة نفوذ تركية. وشرق نهر الفرات، هناك منطقتا تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وأقامت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية العديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، لعل أبرزها قاعدة "الشيخ عقيل" في ريف الباب شمال حلب، وقاعدة "مطار تفتناز" و"المسطومة" في ريف إدلب، الذي يضم اليوم آلاف الجنود الأتراك وفق تفاهم تركي روسي لم يكن النظام طرفاً فيه.