لم تهدأ بعد الأوضاع في محافظة السويداء جنوب سورية، مع استمرار الاحتجاجات لليوم الثالث على التوالي، علماً أن هذا الحراك الذي بدأ جراء تدهور الأوضاع المعيشية ورفع الدعم عن مئات آلاف العائلات السورية، انطلق يوم الخميس الماضي بشكل ضعيف قبل أن يزداد المشاركون فيه في الأيام الأخيرة.
غير أن مخاوف محلية بدأت تظهر بظل مشاركة عناصر من عصابات محلية في الحراك، خشية أن يعمل هؤلاء على تخريب التحركات، ويكونوا سبباً لتدخل قوات النظام.
الاحتجاجات في السويداء مستمرة
وشهدت مدينة السويداء صباح أمس الثلاثاء، تجمّع عشرات المواطنين أمام "دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز"، وهي مقر مشيخة العقل في السويداء، أعلى ممثل ديني للدروز في سورية. ومن ثم توجه هؤلاء إلى ساحة السير، وسط المدينة التي يتواجد في جنوبها مبنى قيادة الشرطة وفرع الهجرة والجوازات وإلى جانبها مبنى محافظة السويداء، وإلى غربها مديرية مالية السويداء وفي مقابلها في الجهة الغربية مجلس مدينة السويداء ودائرة النافذة الواحدة، وتم إغلاق أبواب المالية ومجلس المدينة بضغط من المحتجين.
وتوجّه أحد المحتجين بالقول للمتجمعين في الساحة: "عندما تكون كرامة أهلنا محفوظة سنعود إلى منازلنا، وعندما نحصل على حقوقنا نعود إلى بيوتنا"، مضيفاً: "وقفتنا اليوم هي وقفة حق ووقفة كرامة".
ووجّه نداء إلى جميع أهالي الجبل للتوجّه إلى الساحة للاعتصام، مطلقاً عليها اسم ساحة "الكرامة"، وهو المصطلح الذي أُطلق عليها عام 2015 إثر إسقاط تمثال رئيس النظام الراحل حافظ الأسد الذي كان يتوسطها حينها، على خلفية عملية اغتيال مؤسس حركة "رجال الكرامة" الشيخ وحيد البلعوس.
وعن هذا الحراك، قال رأفت. ش (34 عاما)، من أبناء السويداء، لـ"العربي الجديد" إنه "لم يعد أمامنا سوى النزول إلى الشارع، ليسمع المسؤولون غليان الشارع جراء قرارات النظام الجائرة بحق لقمة عيش المواطنين، وبعدما سلبوا منا كل شيء، من الوقود إلى الخبز، حتى الخدمات شبه معدومة من الكهرباء للمياه حتى نقل القمامة".
وأضاف: "اليوم أنا أنزل إلى الشارع للقول إننا نستحق العيش بكرامة، وعلى الدولة تأمين احتياجات المواطنين".
من جهته، يسيطر على فراس ع. (45 عاماً)، شعور بالإحباط. وقال لـ"العربي الجديد" إن "هذه الحكومة لن تسمع من أحد، ولن تقوم بأي خطوة في مصلحة الشعب، بل على العكس هي تريد الفوضى في السويداء ليدخل الجيش إليها بحجة ضبط الأمن".
أحد أبناء السويداء: الحكومة لن تسمع من أحد، وتريد الفوضى لإدخال الجيش إلى المدينة
وذكّر بأنه عندما "تحرك غالبية أفراد الشعب السوري يطالب بالكرامة والعدالة، دمر النظام بيوتهم وهجرهم، وسقط مئات الآلاف منهم بين قتيل ومعتقل، فيما المجتمع الدولي يشاهد هذه الكارثة من دون أي رد فعل حقيقي".
ورأى أن "السويداء وحيدة اليوم، فالأهالي في مناطق المعارضة يرون أن السويداء لم تقف معهم عندما بدأ النظام يستخدم العنف المفرط لقمعها عام 2012، متناسين الظروف التي كانت تسيطر على الخطاب العام الذي أخذ يتجه إلى خطاب طائفي".
وأضاف: "أما المناطق الموالية فترى أن الحراك في السويداء هو جزء من المؤامرة وأنه ليس بوقته لأن النظام يعاني من الحصار والعجز، ويتهمون السويداء بعدم وقوفها مع النظام، بسبب استنكاف غالبية الشباب عن الخدمة العسكرية ضمن صفوف النظام في حربه داخل سورية". وتابع: "كلا الطرفين يأخذ موقفاً سلبياً من أي حراك في السويداء، وكان الوضع كذلك عام 2020 عندما خرج حراك تحت شعار: بدنا نعيش".
مخاوف من تواجد العصابات
أما الناشط أبو جمال معروف، فأعرب في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن وجود مخاوف لدى شرائح عديدة من أهالي السويداء خصوصاً السياسيين والناشطين المدنيين، بسبب تواجد عناصر عصابات متهمة بارتكاب جرائم في احتجاجات مدينة السويداء.
ولفت إلى عناصر فصيل يعرف باسم "قوات الفهد" ويتزعمه سليم حميد، المتهم بارتكاب جرائم الخطف وتجارة المخدرات، ويعرف بارتباطه مع شعبة المخابرات العسكرية ويحمل عناصره بطاقات أمنية. إلى جانب عصابات أخرى مثل عصابة عتيل وزعيمها راجي فلحوط وعصابة آل مزهر.
وأشار إلى أن هؤلاء تواجدوا بين المحتجين وأخذوا يرفعون السقف ويطلقون شعارات سياسية، وفي الوقت نفسه راحوا يهددون أصحاب المتاجر التجارية في المنطقة لإجبارهم على إغلاق متاجرهم.
وتابع: "كما قام حميد بإطلاق خطاب تخويني ضد حركة رجال الكرامة وزعيمها الشيخ يحيى الحجار، طالبا منه النزول إلى الشارع والمشاركة في الاحتجاجات، على الرغم من وجود خلاف بين الحركة والعصابات الأخرى".
تتخوف فعاليات سياسية ومدنية من أن يؤدي تواجد العصابات والخطاب المستفز إلى تخريب الحراك المطلبي
ولفت إلى أن "العديد من الفعاليات السياسية والمدنية ترى أن هذا التواجد والخطاب المستفز قد يكونان بهدف تخريب الحراك المطلبي، إذ أدى تواجد هؤلاء إلى انفضاض بعض الناس عن الحراك وامتناع آخرين عن المشاركة، وقد تكون تلك العصابات وتواجدها بسلاحها، ذريعة في حال أي تصعيد، لدخول قوات النظام وفرض سيطرتها على المحافظة وإجبار الشباب على الخدمة العسكرية، والقضاء على العمل السياسي والمدني الذي انتعش في السنوات الأخيرة".
وعن موقف المرجعيات الدينية والقيادات المجتمعية في المحافظة من الحراك، أشار معروف إلى أنه لا يوجد موقف واضح لها، وكذلك غالبية الناس تأخذ موقف المراقب لترى إلى أين يمكن أن يصل الحراك.
وأضاف أن "النظام لم يتخذ أي إجراء سوى تحصين مبنى قيادة الشرطة والمحافظة بعدد من السيارات المدرعة والعناصر، في حين ينتشر عدد من عناصر الأمن بألبسة مدنية في محيط الساحة يراقبون ويرصدون المشاركين من بعيد".
واستدرك قائلاً: "أما نقاط الاحتجاج الأخرى خصوصاً في بلدة نمرة شهبا وحزم حيث تم قطع طريق دمشق السويداء". وأكد أن ما يحدث هو "حراك مدني بامتياز، ويحاول الأهالي إيصال احتجاجهم بشكل سلمي".