اختراق حزب الله.. كلمة السرّ في سورية والتقنيات المتقدّمة

30 سبتمبر 2024
لافتة تحمل صورة زعيم حزب الله حسن نصر الله وسط طهران / 29 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اختراق استخباري إسرائيلي لحزب الله: كشفت "فاينانشال تايمز" عن اختراق استخباري إسرائيلي لمنظومة حزب الله، مما أدى إلى اغتيال نحو 30 من قادته الكبار نتيجة لتدخل الحزب في سوريا.

- تقنيات متطورة في جمع المعلومات: استخدمت إسرائيل تقنيات مثل أقمار التجسس والطائرات بدون طيار وقدرات القرصنة الإلكترونية، مما مكنها من تحديد مواقع قادة حزب الله بدقة وتنفيذ عمليات اغتيال ناجحة.

- تحديد موقع حسن نصر الله: تمكنت إسرائيل من تحديد موقع زعيم حزب الله حسن نصر الله عدة مرات باستخدام تقنيات متقدمة، مما يعكس قدرة إسرائيل على تتبع قادة الحزب بدقة.

تدخل حزب الله في سورية كان فرصة لإسرائيل

استخدمت إسرائيل تقنيات متقدمة لمراقبة أعضاء حزب الله

طائرات إسرائيلية كانت في طريقها لاغتيال نصر الله بعد 7 أكتوبر

سلطت صحيفة "فاينانشال تايمز" في تقرير لها، الأحد، الضوء على الأسرار الكامنة وراء الاختراق الاستخباري الإسرائيلي المدوي في وسط منظومة حزب الله ما أسفر عن اغتيال نحو 30 من قادته الكبار بدءاً من قادة عسكريين في تشكيلات الحزب وصولاً إلى قادة أعلى درجة، حتى رأس الهرم المتمثل بزعيم الحزب حسن نصر الله، الذي نجا من 3 محاولات اغتيال إسرائيلية سابقة وألحق بقوات الاحتلال الإسرائيلي هزيمة تاريخية عام 2006 بعد سنوات من طرده لها من لبنان عام 2000.

كلمة السر، وفق مسؤولين وخبراء تحدثوا للصحيفة، تكمن في التدخل العسكري للحزب في سورية، حيث انتقلت المجموعة القتالية من تنظيم منغلق وصعب الاختراق إلى الانفتاح على مجموعات عسكرية ومليشيات إيرانية لا حصر لها دعماً لبقاء نظام بشار الأسد الذي يقف اليوم متفرجاً على قادة الحزب وهم يسقطون في حرب هي الأخطر على وجود التنظيم.

وإذ لم تتمكن إسرائيل خلال 4 عقود من تغيير مسار الأمور في مواجهة حزب الله، استطاعت أخيراً تحقيق المفاجأة، وفق الصحيفة. وقال مسؤولون حاليون وسابقون للصحيفة إن ما تغير "هو عمق ونوعية المعلومات الاستخبارية التي تمكنت إسرائيل من الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين، بدءًا باغتيال فؤاد شكر، أحد رجال نصر الله، في 30 يوليو، أثناء زيارته لصديق ليس بعيداً عن موقع التفجير (الذي استهدف نصر الله) يوم الجمعة". جاء ذلك، وفق الصحيفة، تتوجياً لجهود إسرائيلية متراكمة على مدار العقدين السابقين.

وقال المسؤولون للصحيفة إن وحدة الاستخبارات الإسرائيلية المتطورة 8200، ومديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لها، والتي تسمى "أمان"، عملت طيلة العقدين الماضيين على استخراج كميات هائلة من البيانات لرسم خريطة لحزب الله.

وقالت ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات الإسرائيلية السابقة، إن الاستخبارات الإسرائيلية غيرت من نظرتها التي اعتمدتها في مواجهة حزب الله في عام 2006 وما قبل ذلك، ووسعت نطاقها لرؤية الحزب بالكامل، ونظرت إلى ما هو أبعد من جناحه العسكري إلى طموحاته السياسية وارتباطاته المتزايدة بالحرس الثوري الإيراني وعلاقة نصر الله بالرئيس السوري بشار الأسد.

وأعطى نشر حزب الله قوات في سورية لمساعدة الأسد في قمع الثورة الشعبية ضده، إسرائيل الفرصة لاتخاذ إجراءاتها، وتشكيل "صورة استخبارية كثيفة حول من كان مسؤولاً عن عمليات حزب الله، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسداً"، بحسب الصحيفة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بجانب اكتساب مقاتلي حزب الله لخبرة واسعة في سورية، لكن ذلك جعلهم أكثر عرضة للجواسيس الإسرائيليين الذين ينشرون عملاء أو يبحثون عن منشقين محتملين. وقالت رندا سليم، مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن للصحيفة: "كانت سورية بداية توسع حزب الله. وقد أدى ذلك إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية لديهم وفتح الباب للتسلل على مستوى كبير".

كما "خلقت الحرب في سورية نافورة من البيانات، معظمها متاح للجمهور لكي يستوعبه جواسيس إسرائيل -وخوارزمياتهم- إلى جانب بيانات نعي القتلى، في شكل "ملصقات الشهداء" التي يستخدمها حزب الله بانتظام، واحدة من هذه البيانات، والتي كانت مليئة بمعلومات صغيرة، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة أيضاً إلى الجنازات المكشوفة التي أخرجت أحياناً كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة"، وفق الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن سياسي لبناني سابق رفيع المستوى في بيروت قوله إن اختراق حزب الله من قبل المخابرات الإسرائيلية أو الأميركية كان "ثمن دعمه للأسد". وأضاف "لقد اضطروا إلى الكشف عن أنفسهم في سورية". وقالت الصحيفة إن "المجموعة السرية (حزب الله) اضطرت فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز الاستخبارات السوري الفاسد بشكل سيئ السمعة، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين".

وفي الاتجاه نفسه، قال يزيد صايغ، الخبير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في حديث للصحيفة: "لقد تحولوا من كونهم منضبطين للغاية ومتشددين إلى شخص يسمح بدخول عدد أكبر بكثير مما ينبغي من الناس. كان الرضا عن الذات والغطرسة مصحوبين بتحول في عضوية (الحزب) - بدؤوا بالضعف".

ووفق الصحيفة، "كان هذا بمثابة انحراف في مجموعة كانت تفتخر بقدرتها على صدّ براعة إسرائيل الاستخبارية في لبنان"، مشيرة إلى أن الحزب فجّر مقرّ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي في صور جنوبي لبنان ليس مرة واحدة بل مرتين في السنوات الأولى من احتلال إسرائيل لجنوب لبنان. وأضافت نقلاً عن شخصين مطلعين: "في مرحلة ما في أواخر التسعينيات، أدركت إسرائيل أن حزب الله كان يسيطر على بث طائراتها بدون طيار غير المشفرة آنذاك، وعرف أهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي وطرقه".

تقنيات متطورة في مواجهة حزب الله

وإلى جانب نشر العملاء واستغلال انكشاف الحزب في حرب سورية، ركّزت إسرائيل على تقنيات متنامية لا يمكن التغلب عليها، بحسب الصحيفة، مثل أقمار التجسس والطائرات بدون طيار المتطورة وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت.

وقالت الصحيفة إن "إسرائيل جمعت الكثير من البيانات لدرجة أنها لديها مجموعة مخصصة، الوحدة 9900، والتي تكتب خوارزميات تغربل تيرابايتات من الصور المرئية للعثور على أدنى التغييرات، على أمل تحديد جهاز متفجر على جانب الطريق، أو فتحة تهوية فوق نفق أو إضافة مفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ".

الصورة
سيدة تبكي في موقع اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله (Getty)
سيدة تبكي في موقع اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله / بيروت 29 سبتمبر 2024 (Getty)

وفي وصف المتابعة الاستخبارية الإسرائيلية لعناصر الحزب، تضيف الصحيفة نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين "بمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، التي يتم سحبها من أجهزة قد تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه. ويمكن تحديد هذه المعلومات من مصادر متباينة مثل طائرة بدون طيار تحلق فوق رأسه، أو من كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها، وحتى من صوته الملتقط على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث".

ووفق الصحيفة، فإن هذه التقنية "سمحت لإسرائيل بتحديد القادة متوسطي المستوى لفرق مكافحة الدبابات المكونة من اثنين أو ثلاثة مقاتلين والتي ضايقت قوات الجيش الإسرائيلي عبر الحدود". وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل راقبت أيضاً جداول القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة تحسباً لهجوم"، وفقاً لأحد المسؤولين.

وعلى مدى سنوات، "تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من ملء بنك أهداف ضخم إلى الحدّ الذي دفع طائراتها الحربية في الأيام الثلاثة الأولى من حملتها الجوية الدموية إلى محاولة تدمير ما لا يقل عن ثلاثة آلاف هدف مشتبه به لحزب الله"، وفقاً للصحيفة. وقال مسؤول إسرائيلي سابق للصحيفة: "كانت لدى إسرائيل الكثير من القدرات، والكثير من المعلومات الاستخبارية المخزنة في انتظار استخدامها. وكان بوسعنا أن نستخدم هذه القدرات منذ فترة أطول كثيراً أثناء هذه الحرب، لكننا لم نفعل".

تحديد موقع نصر الله

وفي تقريرها، تكشف الصحيفة نقلاً عن أحد المسؤولين الإسرائيلين أن طائرات حربية إسرائيلية أقلعت في الفترة التي أعقبت 7 أكتوبر 2023، بتعليمات لقصف موقع تم تحديد موقع نصر الله فيه من قبل مديرية الاستخبارات الإسرائيلية "أمان"، لكن جرى إلغاء الغارة بعد أن طالب البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بذلك.

وتشير الصحيفة إلى أنه "في الأشهر الأخيرة، إن لم يكن السنوات، أتقنت الاستخبارات الإسرائيلية تقريباً تقنية سمحت لها، على الأقل بشكل متقطع، بتحديد موقع نصر الله، الذي كان يُشتبه في أنه كان يعيش في الغالب تحت الأرض في شبكة من الأنفاق والمخابئ"، وصولاً إلى تحديد موقعه يوم الجمعة واغتياله.