عززت وثيقة مسربة من مجلس النواب العراقي، الثلاثاء الماضي، الشكوك الكثيرة التي كان يتداولها ناشطون وسياسيون على نحو واسع بالأشهر الأخيرة، حيال مصير المتهم باغتيال الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي، في 6 يوليو/ تموز عام 2020، تشير إلى عدم وجود المتهم في سجون وزارة العدل، وسط مخاوف من احتمالات تهريبه فعلاً، في محاولة لطمس القضية وتمييعها.
يشار إلى أن أحمد الكناني، المدان بجريمة اغتيال الهاشمي، كان قد تحدث في اعترافاته الأولية عن انتمائه لجماعة مسلحة نافذة جرى إخفاؤها في جلسة التحقيق التي عرضها التلفزيون العراقي الحكومي.
وتسرّبت وثيقة موقعة من قبل وزير العدل خالد شواني، يرد فيها على استفسار نيابي بشأن مكان وجود أحمد الكناني، وأشارت إلى أن "المتهم غير موجود في سجون وزارة العدل العراقية، أو الأقسام الإصلاحية التابعة لها".
هادي السلامي: الدعم لقضية اغتيال الهاشمي بدأ يتلاشى للأسف
ولم تُقابل الوثيقة بأي نفي رسمي لصحتها، فيما أكد مسؤول في وزارة العدل وأحد أعضاء مجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، صحة الوثيقة، وأن أحد النواب المستقلين سربها عن قصد لتحريك القضية مجدداً.
والكناني (38 سنة)، هو ضابط برتبة ملازم في وزارة الداخلية، اعتُقل عقب حادثة الاغتيال بأسابيع، وظهر على شاشة قناة "العراقية" الرسمية، معترفاً بجريمته، في 16 يوليو/ تموز العام 2021، لكنه اختفى بعد ذلك. وتأجلت جلسة النطق بالحكم عليه 10 مرات متتالية، فيما توجهت معظم أصابع الاتهام إلى "كتائب حزب الله"، وارتباط الكناني بها، لكن الجماعة المسلحة نفت في بيان أن تكون وراء الجريمة.
والشهر الماضي قررت الهيئة القضائية المكلفة بالقضية تأجيل جلسة الحكم للمرة العاشرة، فيما حددت السابع من مايو/ أيار المقبل موعداً للجلسة المقبلة، دون أن تذكر سبب التأجيل المتكرر.
يأتي ذلك رغم أن طلبات كثيرة وجهت إلى القضاء العراقي من قبل نواب وقانونيين محسوبين على الحراك المدني في البلاد، من أجل تسريع محاكمته، لا سيما بعد مرور أكثر من عامين، لكن القضاء لم يرد بشأن هذه الطلبات.
صدمة عائلة الهاشمي
وبعد انتشار الوثيقة الأخيرة، وتداولها على مستوى واسع، أعربت عائلة الباحث هشام الهاشمي عن صدمتها من أنباء عن هروب المتهم الرئيسي في عملية اغتيال فقيدها.
وأصدرت العائلة بياناً، جاء فيه: "نشعر بالصدمة من الأنباء والتقارير التي تؤكد هروب المتهم الرئيسي في عملية اغتيال الشهيد الهاشمي باعتراف واضح وصريح من وزير العدل".
وجاء في البيان أنه "إذا ما تأكد هذا الخبر فإن هذه جريمة أخرى تضاف إلى جريمة الاغتيال، بل هي أشد من الاغتيال. فالأول استهدف شخصية مؤثرة في الشارع العراقي أمنياً واجتماعياً، أما تهريب المجرم فإنه يستهدف الدولة العراقية ويجعلها دولة من ورق لا تحمي أبناءها وغير قادرة على تحقيق العدالة".
وتواصلت "العربي الجديد" مع مصدرين، أحدهما مسؤول في وزارة العدل، والآخر عضو في مجلس النواب مطلع على قضية القاتل الكناني، وأكدا أن "الوثيقة التي انتشرت صحيحة، ومعظم المسؤولين وبعض النواب يعرفون أن المتهم ليس مودعاً في سجون وزارة العدل، دون وجود معلومات واضحة عن مكان اعتقاله".
وأشار النائب إلى أن "هناك احتمالان، الأول أن يكون القاتل مودعاً في أحد مراكز التوقيف المؤقتة في العاصمة بغداد، التابعة للاستخبارات العسكرية أو وزارة الداخلية، والثاني أنه تم تهريبه فعلاً، وهنا يجب على حكومة محمد شياع السوداني الإفصاح عن وجوده لديها أو أنه تم تهريبه فعلاً".
أحمد الأبيض: مليشيات كانت تعمل على تأجيل محاكمة أحمد الكناني
وأضاف النائب أن "السلطات الأمنية والحكومية لم تعلق لغاية الآن بشأن مصير القاتل، ولا أحد يعرف مكانه، ومن المفترض أن يتم كشف الحقيقة". واعتبر النائب أن "حكومة السوداني تحت ضغوط واضحة من الفصائل المسلحة، تدفع وتسعى إلى عرقلة إجراءات التحقيق والحكم على القاتل أحمد الكناني، وهي ذاتها رعت تأجيل محاكمته لأكثر من 20 شهراً".
الدعم لقضية اغتيال الهاشمي يتلاشى
من جهته، قال النائب المستقل هادي السلامي إن "قضية اغتيال هشام الهاشمي حظيت بعد وقوعها باهتمام محلي ودولي كبيرين، لكن هذا الدعم بدأ يتلاشى للأسف، حتى وصل الحال إلى أن تتضارب الأنباء بشأن التحفظ على المتهم، وغياب المعلومات الوافية عن مكان اعتقاله، وخصوصاً أنه لم يعد متهماً بالقتل، بل إنه القاتل وفقاً لاعترافاته العلنية".
وبين السلامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوثيقة الأخيرة من وزارة العدل تشرح احتمالين، الأول هروبه، والثاني وجود القاتل في حجز يتبع لوزارة الداخلية أو سجون السلطات الأمنية غير التابعة لوزارة العدل".
وقال السلامي إن "الهاشمي من الشخصيات العراقية التي اغتيلت من جرّاء صوتها العالي والوطني ضد قوى اللادولة، وكان يدافع عن المجتمع المدني ضد المليشيات والجماعات المسلحة التي تتغطى بغطاء القانون، لكنها تمارس ممارسات غير قانونية"، وأشار إلى أن "قضية الهاشمي لا بد أن تكون بمعزل عن أي تأثيرات سياسية أو حزبية، وأن يأخذ القضاء العراقي والسلطات الأمنية كل منهما دوره لتحقيق العدالة".
مليشيات تعمل على تأجيل المحاكمة
بدوره، لفت المحلل السياسي المعارض أحمد الأبيض إلى أن "مليشيات عراقية موجودة كانت تعمل على تأجيل محاكمة أحمد الكناني، بسبب نفوذ رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي الذي كشف وجه القاتل عبر الإعلام، لذلك فقد عملت هذه المليشيات على تأجيل القضية قدر الإمكان، وتكشّف الآن عدم وجوده في سجون وزارة العدل".
وبيّن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "معظم الناشطين والفاعلين في المجتمع المدني والسياسي، والأصوات البارزة خلال فترة تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وما بعدها، تم قتلهم بفتاوى دينية ومن قبل جماعات مسلحة موالية لإيران لا تخشى القانون أو الدولة أو أي سلطة نظامية".
وولد الهاشمي في بغداد عام 1973، وينتمي إلى عشيرة الركابي العربية جنوبي البلاد، وهو أكاديمي وباحث متخصص بالشأن الأمني والسياسي في العراق، اغتيل أمام منزله في حي زيونة الراقي ببغداد، بواسطة ملثمين كانوا على دراجات نارية، أثناء عودته من مقابلة تلفزيونية انتقد فيها أنشطة الجماعات المسلحة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ ومهاجمة البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء ببغداد، واصفاً إياها بـ"قوى اللادولة"، في 6 يوليو/ تموز عام 2020.