غاب محافظ السويداء في جنوب سورية عن الأنظار، دون إعلان سلطات النظام السوري عن تحييده أو عزله، على إثر الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى حرق مبنى المحافظة وسقوط ضحايا، الأحد الماضي.
وكان رئيس مجلس المحافظة، رسمي العيسمي، التقى مع رئيس مجلس وزراء النظام السوري ووزير الإدارة المحلية في اليوم التالي لاحراق مبنى المحافظة، ونقلت عنه إذاعة "شام أف أم"، المقربة من السلطة، سخطه واستياءه لما حصل ووصفه الحدث باللاأخلاقي واللاوطني، ومشيداً بمبادرة الأهالي والفعّاليات الاقتصادية لإعادة ترميم مبنى المحافظة.
العيسمي، الذي برر المطالب الشعبية المحقة، أكد أن المياه هي الحاجة الأولى ولكنها تحتاج إلى الطاقة لتشغيل الآبار وهذه غير متوفرة، مطالباً بحل استثنائي للمحافظة.
في هذه الأثناء، كلفت رئاسة مجلس الوزراء نائب المحافظ، وائل جربوع، بتسيير أعمال المحافظة والمواطنين، في إشارة واضحة لتغيّب المحافظ، بسام بارسيك، الذي لم يمض على توليه منصبه أكثر من أربعة شهور، وكان كُلف بمهمته كمحافظ للسويداء في 26 يوليو/تموز الفائت بعد انتفاضة أهالي السويداء على أخطر عصابات السلطة السورية الأمنية وسحقها، ووصل يومها إلى مدينة السويداء بطرق فرعية، فيما غادرها سراً.
واتهم المحامي، سليمان العلي، اسم مستعار، أعضاء مجلس المحافظة والأجهزة الأمنية بتسهيل اقتحام المبنى وحرق المكاتب بهدف إخفاء ملفّات فساد كبيرة تطاول مؤسسات المحروقات والمياه كان المحافظ بدأ بالتحقيق بها ووصل إلى نهايتها، وبدأ بإعفاء أكثر من موظف ومدير من عمله وإحالتهم إلى التحقيق.
وأضاف أن "مافيا" الفساد بمؤسسات المحافظة تمتد لداعمين بمراكز عليا بالعاصمة، مثل وزير القصر الجمهوري، منصور عزام، المنحدر من محافظة السويداء، وعضو مجلس الشعب المقرب من القصر، معين نصر، وهذه المافيا وقفت حاجزاً دون عمل المحافظ.
أحد الداعين للتظاهرة قال لـ"العربي الجديد": "لم نخطط لاقتحام مبنى المحافظة وحرقه، ونعي تماماً أن المبنى يحتوي على ملفات ووثائق هامة وأضابير تخص المواطنين، ولكن لم نستطع السيطرة على ثلة من الشباب الذين اقتحموا وأحرقوا، بعد إخلاء المبنى من الحراس والموظفين". وأضاف: "كان إخلاء المبنى من الموظفين علنياً ومن الباب الرئيسي، وإدخال الحرس إلى الداخل هو بمثابة الإيعاز باقتحام المبنى".
وينقسم المجتمع المحلي في السويداء في رؤية ما جرى بين اتجاهين، أولهما يرى في مؤسسات الدولة بؤراً للفساد ولا ضير بإحراقها ورفع مستوى المواجهة مع السلطة المغتصبة للدولة، بينما يرى الاتجاه الآخر أن المظاهرات السلمية ضمن خصوصية محافظة السويداء تحقق نتائج مقبولة من السلطة في الوقت الذي يفتقر فيه الحراك السوري لأي دعم دولي.
وسارع المنتفعين من السلطة وعلى رأسهم غرفة تجارة وصناعة السويداء إلى زيارة مبنى المحافظة وطرح مبادرة لترميم جزء من المبنى، وذكرت الصفحة الرسمية لمحافظة السويداء أن رجل أعمال اسمه، زياد عامر، عرض تقديم عقار مساحته 650 مترا مربعا ومجهز بالكامل كمكاتب لإدارة المحافظة ريثما يتم الانتهاء من إعادة تأهيل المبنى.
وأثار حرق المبنى جدلاً بين من يراه بمثابة إعلان لنهاية الحراك السلمي ومن يراه بداية للتصعيد، ومما أثار التساؤلات حول ما حدث هو تكليف نائب المحافظ بتسيير أمور المحافظة دون الإعلان عن مصير المحافظ، وقيامه منذ اليوم الأول بتصديق عقود شراء لصالح مديريات الصحة والمياه والإرشاد الزراعي، علماً أن مثل هذه الأعمال لا يقوم بها إلا المحافظ عندما يكون على رأس عمله بشكل رسمي. علماً أن نائب المحافظ هو من محافظة السويداء فيما توجب القوانين السورية أن يعين المحافظ من خارج المحافظة التي ينتمي لها، الأمر الذي فسره البعض على أنه ربما يكون خطوة باتجاه اللامركزية وتثبيت نائب المحافظ كأول محافظ في سورية من أبناء المحافظة.