ارتدادات حملة السلطة على مخيم جنين تصل إلى الجامعات.. استقطاب وعنف

06 يناير 2025
عناصر من الأمن الفلسطيني في مخيم جنين 6 ديسمبر 2024 (جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاقم التوتر في الجامعات الفلسطينية: العملية الأمنية "حماية وطن" في مخيم جنين أثرت على الجامعات، مما أدى إلى أعمال عنف بين الطلاب في جامعة بيرزيت وجامعة النجاح، وسط تحذيرات من تصاعد الأزمة.

- ردود فعل متباينة بين الكتل الطلابية: الكتل الطلابية أصدرت بيانات متناقضة حول العملية الأمنية، حيث استنكرت بعض الكتل الحملة واعتبرتها متماشية مع رؤية الاحتلال، بينما دافعت حركة الشبيبة الطلابية عنها.

- دعوات للحوار وتجنب التصعيد: شخصيات فلسطينية بارزة دعت إلى حوار داخلي لتسوية الأزمة وتعزيز الوحدة الوطنية، محذرة من تأثير التوتر على النسيج الاجتماعي وإمكانية وقف العملية التعليمية.

لا تتوقف ارتدادات العملية الأمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت مسمى "حماية وطن" في مخيم جنين شمال الضفة الغربية على المخيم ومجمل مدينة جنين أو على السجالات السياسية فقط وقرارات التضييق على الإعلام، فقد وصلت إلى الجامعات الفلسطينية، حيث اندلعت أعمال عنف بين الطلاب في جامعة بيرزيت في شمال رام الله، وسط الضفة الغربية، أول أمس السبت أدت إلى إصابة عدد من الطلبة، وجرى اعتداء على طالب في جامعة النجاح بنابلس، شمال الضفة، في 31 ديسمبر/ كانون أول الماضي، بعد توتر في البيانات المتبادلة بين الكتل الطلابية في الجامعتين حول العملية العسكرية للسلطة في جنين.

وحذرت شخصيات تحدثت مع "العربي الجديد" من تحول ما يجري في الجامعات إلى مواجهة أوسع وحالة توتر أكبر، في حال عدم تطويقه وعدم التوصل إلى صيغة مشتركة لحل الأزمة التي سبّبتها حملة السلطة الفلسطينية على جنين. وبدأ التوتر في جامعة بيرزيت الأسبوع الماضي على شكل بيانات متبادلة بين كتل طلابية حول أحداث جنين، حيث أصدرت كل من كتلة الوحدة الطلابية التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والقطب الطلابي التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس بياناً مشتركاً، في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يستنكر الحملة الأمنية في مخيم جنين ويتهم الأجهزة الأمنية بـ"التماشي مع رؤية الكيان الصهيوني"، واستعمال السلاح في وجه أبناء الشعب الفلسطيني.

لترد حركة الشبيبة الطلابية، وهي الإطار الطلابي لحركة فتح، في اليوم ذاته، ببيان أبدت فيه استهجانها ورفضها لبيان تلك الكتل، معتبرة أنه "يحاول تشويه دور السلطة الفلسطينية وتحريف الحقائق بما يضلل قطاع الطلبة"، داعياً إلى أن تكون الحركة الطلابية نموذجاً للوحدة الوطنية، وأكد البيان أن "حملة حماية وطن" ليست سوى حملة وطنية تستهدف ملاحقة "القلة من الخارجين عن القانون"، وأن "السلطة الفلسطينية بمختلف مؤسساتها وعلى رأسها الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها الوطني تجاه الشعب وحماية أمنه وسلامته".

ووصل التوتر بين الطرفين إلى إطلاق مسلحين النار في الهواء قرب مدخل الجامعة، فجر السبت، وتركوا ورقة مكتوباً عليها بيان بخط اليد قبل انسحابهم من المكان بعنوان "بيان لمجتمع الجامعة"، ونص على إغلاق الجامعة أبوابها حتى إشعار آخر "لمنع أي اقتتال بين أبناء الجامعة"، وطالبت الورقة الإدارة بالوقوف عند مسؤوليتها، والتأكيد على حرمة الدم الفلسطيني وحرمة المساس والاستهزاء بأي قطرة دم فلسطينية، كما جاء في البيان الذي تم إلصاقه عند بوابة الجامعة.

ورغم البيان مجهول المصدر، فتحت الجامعة أبوابها صباح السبت، لينتهي الدوام عصراً على وقع شجار أصيب فيه عدد من الطلبة بجراح، أحدها بأداة حادة يستخدمها طلبة الهندسة، وأخلى أمن الجامعة الحرم الجامعي، ولم يعد الدوام إلى طبيعته اليوم الاثنين، بل التأم عن بعد لطلبة البكالوريوس ووجاهياً لطلبة الماجستير، ولم تتوقف البيانات، فكان مساء السبت على موعد مع بيانات من الأطراف المختلفة تورد روايتها للأحداث.

ففي حين قال بيان حركة الشبيبة الطلابية أنها لم تترك سبيلاً للحفاظ على وحدة أبناء الجامعة إلا وسلكته، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى حل الخلاف القائم على إثر البيانات التي صدرت عن بعض الكتل، مما أوصل الجامعة إلى مشهد مؤلم وهو رؤية أبنائها يعتدون على بعضهم، بحسب البيان. بينما سردت الكتلة الإسلامية في بيانها ما قالت إنها تفاصيل اعتداء العشرات من كوادر حركة الشبيبة على سبعة طلاب من الكتل الأخرى بأدوات حادة وغاز الفلفل والشتم، واتهمت الطرف المقابل بـ"نية مبيتة لما حصل"، رغم خروج ممثلي الكتل قبل ذلك من اجتماع مع عميد شؤون الطلبة والتوصل إلى صيغة بيان وطني مشترك يدعو إلى الوحدة ونبذ الانقسام، وكان إصداره ينتظر إطلاع حركة الشبيبة الطلابية عليه، كما جاء في بيان الكتلة الطلابية.

وأكد مجلس الجامعة، مساء السبت، تدخل "الخيّرين" لتطويق الحادثة سريعاً، وعبر المجلس عن رفضه المطلق لممارسة أي شكل من أشكال العنف والأذى في الحرم الجامعي، وأدان "عبارات التحريض والإساءة والفئوية"، كما طالب القوى الفاعلة الفلسطينية إلى مساندة الجامعة وتحييدها عن الاستقطاب والنعرات. وأسفر اجتماع بين الكتل الطلابية وعمادة شؤون الطلبة، أمس الأحد، عن بيان يؤكد حرمة الاقتتال الداخلي ورفض أي تخوين ورد في أي بيانات منشورة سابقاً، و"رفض لغة التخوين تجاه أي شخص أو جماعة مهما كانت الأسباب، وتأكيد أن الوحدة صمام أمام للحفاظ على القضية الفلسطينية".

وفي جامعة النجاح، تعود بيانات مشابهة إلى 14 ديسمبر / كانون الأول الماضي، حيث نعى بيان باسم الكتلة الإسلامية وكتلة الشهيد أبو علي مصطفى وكتلة القطب الديمقراطي القائد في كتيبة جنين يزيد جعايصة والطفل محمد العامر، اللذين قتلا خلال الحملة العسكرية في مخيم جنين، معتبراً أن أجهزة السلطة الفلسطينية تستمر بما أسماه "النهج المشين"، داعياً لوقف سلوك الأجهزة والوقف التام للاعتداءات، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، والعمل على تصحيح بوصلتها، لترد كتل أخرى، هي الشبيبة الطلابية وكتلة الاستقلال والنضال والاتحاد وكفاح الطلبة، معتبرة أن "البيان السابق مثير للريبة بتوقيته وبما يشمله من أكاذيب"، حسب توصيفه، ومؤكداً أن "لا سلاح إلا سلاح الشرعية الفلسطينية ممثلة بالسلطة الفلسطينية الجهة الوحيدة المخولة بحفظ الأمن والنظام، وأن أي دعوات للخروج عليها هي دعوات للفلتان والفرقة وضرب النسيج الوطني".

وحول حادثة الاعتداء على أحد الطلبة في 31 ديسمبر/ كانون أول الماضي، قالت الكتلة الإسلامية في بيان لها في 1 يناير / كانون ثاني الجاري، إنها "ترفض ما تقوم به مجموعات طلابية من تهديدات واعتداءات لفظية وجسدية وبالضرب المبرح، بسبب تعبير الطلبة عن رأيهم وانتقادهم لعملية السلطة في قمع المقاومة في جنين". كما استنكرت الكتلة الإسلامية حملة اعتقالات سياسية، وتواصل اعتقال خمسة من طلبة الجامعة، بينهم رئيس مجلس الطلبة، واستنكرت "قيام أفراد باقتياد طالب من داخل الجامعة إلى سجن الجنيد التابع للسلطة الفلسطينية مباشرة، أمام أنظار أمن الجامعة".

ويتوقع مدير مركز "ثبات" للدراسات واستطلاعات الرأي جهاد حرب أن يكون لتحول الخطاب إلى سلوك كما حصل في الجامعتين دور في التسبب بمواجهات أوسع، وقال لـ"العربي الجديد" إن هناك حالة توتر عالية وخطاب كراهية واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وإن أكثر من يتأثر به هم الفئة العمرية من الشباب الذين في أغلبهم طلبة جامعيون، محذراً من آثار ذلك على النسيج الاجتماعي. وحذر حرب من تأثير ذلك على إمكانية وقف العملية التعليمية، معتقداً أن "التسوية في مخيم جنين واجبة عبر حوار فلسطيني داخلي يعزز أواصر العلاقة الداخلية ويمنع التوتر، حوار يوقف أحداث مخيم جنين ويبني خطة وطنية أو اتفاقاً وطنياً حول أشكال المقاومة وطبيعتها".

ويقول رئيس تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة خليل عساف، لـ"العربي الجديد"، إن التوتر في الساحة الفلسطينية موجود في كل الأوساط، لكنه يظهر في أماكن تجمع الشباب، مطالباً بالتعامل مع حالة الاصطفاف بشكل أكثر عقلانية في الضفة الغربية، فلا يمكن في رأيه "السير في أزمة مخيم جنين بحالة مع أو ضد"، معتبراً أن من يتعامل بطريقة "معي أو ضدي" هي أصوات نشاز، مطالباً إدارات الجامعات بمحاسبة كل من يخالف قوانين الجامعة وعدم محاباة أي جهة.

ويضيف عساف أن "استمرار هذا الاستقطاب قد يؤدي إلى حرب أهلية، على العقلاء وقف ذلك، فلا يجوز أن يلغي أحد الآخر". ويؤكد عساف أن كل الفلسطينيين ضد أي شخص يقوم بأعمال مخالفة للقانون، لكن في المقابل "لا يمكن أن يكون الإنسان مقاوماً ومتهماً بالإجرام في الوقت نفسه، لأن المقاوم حر ولا يمكن أن يكون مجرماً".

وبدأت الاشتباكات في مخيم جنين في الخامس من الشهر الماضي، فيما كانت السلطة الفلسطينية أطلقت رسمياً حملة عسكرية في مخيم جنين، في الرابع عشر من الشهر الماضي، لملاحقة من قالت إنهم خارجون على القانون، بينما تؤكد كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في المخيم، أن الأمن يلاحق المقاومين ولا يريد استمرار حالة المقاومة فيه. وسبّبت الحملة مقتل 14 فلسطينياً، بينهم 6 من عناصر الأمن، وقائد في كتيبة جنين و7 مدنيين، بينهم أطفال والصحافية شذى الصباغ.

المساهمون