أبدت روسيا ارتياحها لاقتراح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنشاء آلية ثلاثية للتواصل بين تركيا وروسيا والنظام السوري، فيما تشهد مناطق شمال غربي سورية، اليوم الجمعة، وقفات احتجاجية رفضا للمصالحة مع النظام السوري.
وقال نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، اليوم الجمعة، إن موسكو "تنظر بإيجابية كبيرة بشأن فكرة الرئيس التركي عقد اجتماع لقادة تركيا وسورية وروسيا الاتحادية". ونقلت وكالة "سبوتنيك" عن بوغدانوف قوله: "نجري الآن اتصالات مع الأصدقاء السوريين" بشأن هذه الفكرة.
وكان الرئيس التركي أردوغان قال، أمس الخميس، إنه اقترح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "تشكيل آلية ثلاثية مع روسيا وسورية لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق".
ونقلت مواقع تركية عن أردوغان قوله: "يمكن أن تجتمع وكالات استخباراتنا أولاً، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء خارجية الدول الثلاث، وبعد ذلك يمكن أن نلتقي كقادة، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لسلسلة من المفاوضات"، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي بوتين رأى المقترح إيجابيا.
وقال أردوغان إن "هناك مشكلة يجب التعامل معها بشكل عاجل"، وهي "التنظيمات الإرهابية الموجودة في سورية، خاصة في الشمال السوري، التي تهدد وتستفز بلدنا من هناك، والتي تفعل كل شيء".
وسبقت ذلك دعوة رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، إلى عقد مؤتمر دولي لـ"مكافحة الإرهاب" في موسكو، بمشاركة تركيا والنظام السوري ودول أخرى، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره التركي مصطفى شنطوب، الأربعاء الماضي، في ختام زيارته إلى تركيا.
كما أعلن وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو، خلال كلمة ألقاها في البرلمان الإثنين الماضي، إن جهاز الاستخبارات التركي وجهاز مخابرات النظام السوري يتواصلان منذ مدة، وقال: "إذا تصرف النظام السوري بواقعية، فنحن مستعدون للعمل معاً على محاربة الإرهاب والعملية السياسية وعودة السوريين".
ويطلق المسؤولون الأتراك منذ أشهر تصريحات حول نية أنقرة التقارب مع النظام السوري، لمواجهة ما تصفه تركيا بتهديدات التنظيمات الكردية المسلحة الموجودة على الأراضي السورية، غير أن النظام السوري يحاول إظهار عدم تحمسه لهذه المساعي، ويطلق شروطا للحوار مع تركيا، منها انسحاب قواتها من الأراضي السورية، ووقف دعمها فصائل المعارضة في الشمال السوري.
تحذيرات من التقارب مع نظام الأسد
وكان المبعوث الأميركي السابق إلى سورية جيمس جيفري، الذي زار أنقرة مطلع الشهر الجاري، قد حذر تركيا من أنها "لن تحصل على شيء في حال التقت بالنظام السوري".
وذكر جيفري في تصريحات لوسائل إعلام تركية أن "تركيا دولة ذات سيادة، تتخذ قراراتها العسكرية والدبلوماسية لضمان السلام والأمن والرفاهية للبلاد، بما في ذلك قرارها الحوار مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن كل الذين التقوا بالأسد في الماضي لم يحصلوا على شيء من هذه اللقاءات".
وأضاف: "رأينا دولاً عربية مثل الإمارات العربية المتحدة عندما أرسلت وفداً للقاء الأسد عام 2018، أي منذُ سنوات، ولم يحصلوا على شيء منه، وكل الوفود التي التقت بالأسد وأجرت معه مفاوضات لم تحصل على أي شيء".
وحث جيفري النظام السوري على اتخاذ خطوات لحل المخاوف الأمنية لتركيا والدول المجاورة الأخرى "ليجعل من مسألة الجلوس معه أمراً منطقياً"، لكنه عبر عن تشككه الكبير في نية نظام الأسد حل هذه القضايا، بحسب تعبيره.
استبعاد عقد لقاء قبل الانتخابات التركية
من جهته، عبر الصحافي التركي هشام جوناي عن اعتقاده بأن مواظبة المسؤولين الأتراك على إطلاق تصريحات إيجابية تجاه النظام السوري، الذي يقابلها ببرود مصطنع، قد تثمر في النهاية عن حصول لقاءات على المستوى السياسي، لكن من غير المتوقع أن يكون لهذه اللقاءات تأثير كبير على أرض الواقع.
وأضاف جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تركيا تشهد تحولا براغماتيا حادا في سياستها الخارجية لجهة تغليب الاعتبارات السياسية على المبادئ، حيث "كانت تركيا والرئيس أردوغان يصفان بشار الأسد بـ(المجرم القاتل شعبه)، واليوم نراهما يتبعان القاعدة الميكيافيلية الشهيرة (الغاية تبرر الوسيلة).
وبحسب جوناي، فإن تركيا تفضل في النهاية بقاء نظام الأسد على ألا تكون هناك دولة، أو على حكم ذاتي للأكراد شمالي سورية، أي تختار النظام الذي لا يهدد أمنها ولا يوجه الصواريخ نحوها، كما يقول.
ورأى أن خطوة تركيا بهذا الاتجاه هدفها إرضاء روسيا التي لديها استثمارات كبيرة في تركيا، فضلا عن تحقيق مصالح أنقرة.
وحول النتائج العملية لأي لقاء محتمل بين أردوغان وبشار الأسد، استبعد جوناي حدوث مثل هذا اللقاء قبل الانتخابات التركية المقبلة بعد 6 أشهر، كما لا يفضل النظام السوري عقد اللقاء قبل ذلك أيضًا، مضيفًا: "إذا ربح أردوغان، فسيكون للحوار معنى من وجهة نظر النظام، وإذا خسر، فالمعارضة التركية تتبنى أصلا فكرة الحوار مع النظام وبمطالب أقل من تلك التي يطرحها أردوغان".
وقفات احتجاجية
وفي السياق، وجه نشطاء سوريون في مدينة إدلب، شمال غربي البلاد، ومدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، دعوات لوقفات احتجاجية وتظاهرات، اليوم الجمعة، رفضاً للصلح مع النظام السوري.
وجاءت دعوة نشطاء إدلب تحت عنوان "محاسبة الأسد لا مصالحته"، مؤكدين أن الوقفة الاحتجاجية تعبير عن "الرفض المُطلق للمصالحة وجميع أشكال التواصل مع نظام الإرهابي بشار الأسد"، وذلك ردا على تصريحات تركيا الأخيرة بشأن التقارب مع نظام الاسد.
كما دعا ناشطون في مدينة أعزاز إلى التظاهر في ساحة فيوتشر وسط المدينة اليوم الجمعة، وذلك رداً على التصريحات التركية، إضافة إلى تذكير العالم بالذكرى السادسة لـ"جريمة التهجير القسري لسكان مدينة حلب على يد نظام الأسد وروسيا وإيران".
وأطلق أيضا ناشطون سوريون حملة إعلامية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "راجعين يا حلب"، مرفقين خلال الحملة صور الدمار الذي حل بالمدينة على يد النظام وحلفائه.