مع مصادقة المحكمة الاتحادية العليا في العراق على نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد جلسة قررت فيها رفض دعوى تقدم بها تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، لإلغاء نتائج الانتخابات، تترتب في المشهد العراقي جملة استحقاقات، أبرزها هو موعد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان وطريقة اختيار الرئاسات الثلاث: رئاسة البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ثم رئاسة الوزراء.
دستور 2005: محاصصة طائفية
وضع الدستور العراقي الجديد، الذي أقرّ عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وجرى التصويت عليه عام 2005، آليات يرتبط بعضها بالبعض الآخر لتسمية المناصب العليا المتمثلة برئاسات قضى العرف السياسي أن تختار وفقا لمحاصصة طائفية بين القوميات والطوائف الرئيسية في البلاد.
وبمصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، اليوم الإثنين، يكتسب الفائزون الشرعية نوابا في البرلمان الجديد، يدعو بعدها رئيس الجمهورية المنتهية ولايته برهم صالح إلى عقد الجلسة الأولى للبرلمان برئاسة أكبر الأعضاء سنا، وفقا للمادة 54 من الدستور، التي أوجبت عقد الجلسة الأولى في غضون 15 يوما بعد المصادقة على النتائج، ولا يجوز التمديد أكثر من المدة المذكورة، وهو ما يعني أن البرلمان يجب أن يعقد هذه الجلسة قبل تاريخ الخامس عشر من الشهر المقبل في أقصى الأحوال، حتى مع فرضية اعتبار أيام العطل الرسمية (عطل نهاية الأسبوع، ورأس السنة الميلادية).
وفي الجلسة الأولى للبرلمان، التي تعقد برئاسة أكبر الأعضاء سنا، يؤدي جميع النواب الجدد اليمين الدستوري، ليقوموا بعد ذلك باختيار رئيس مجلس النواب ونائبيه بالأغلبية (النصف + 1)، من خلال الاقتراع السري المباشر، بحسب ما جاء في المادة 55 من الدستور.
تتمثل الخطوة اللاحقة بتولي البرلمان الجديد، الحائز على الشرعية، مهمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي يشترط أن يكون من أبوين عراقيين بالولادة، وحسن السمعة والسلوك، وتجاوز الأربعين من عمره، ويمتلك خبرة سياسية، ومشهود له بالاستقامة والنزاهة والإخلاص للوطن، وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف.
الخلافات حول تأويل مواد الدستور
ووفقا للمادة 70 من الدستور، فإن البرلمان ينتخب أحد المرشحين لتولي منصب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين، ويعد هذا الشرط من أهم الدوافع التي تدعو للتوافق بين الكتل الفائزة لجمع نحو 220 صوتا من مجموع عدد أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائبا.
وفي حال فشل أي من المرشحين في نيل ثقة ثلثي عدد أعضاء البرلمان، يجري الاختيار بين أعلى مرشحين اثنين للمنصب، ويكون رئيسا للجمهورية من يحصل على أعلى الأصوات بعد إجراء عملية الاقتراع الثانية داخل البرلمان.
وقد ألزمت المادة 72 من الدستور مجلس النواب باختيار رئيس جديد للجمهورية في مدة لا تتجاوز 30 يوما من تاريخ انعقاد أول جلسة برلمانية، وفي حال خلو المنصب لأي سبب كان، يحق للبرلمان انتخاب رئيس جديد خلال الدورة البرلمانية ومدتها 4 سنوات.
رئيس الجمهورية لديه مهمة رئيسية أيضا هو الآخر، تتمثل بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، بحسب ما جاء في المادة 76 من الدستور، ليقوم رئيس الوزراء المكلف بإكمال كابينته الحكومية خلال 30 يوما، وتقديمها إلى مجلس النواب من أجل منحها الثقة.
وفي حال أخفق رئيس الوزراء المكلف في نيل الثقة لحكومته، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر للمنصب، دون أن يشترط الدستور أن يكون المرشح الجديد لمنصب رئيس الحكومة من الكتلة البرلمانية الكبرى.
الكتلة البرلمانية الكبرى هي القضية الأكثر إثارة للجدل مع كل انتخابات، بسبب تعدد وجهات النظر في فهمها، وثار خلاف كبير بشأنها بعد انتخابات 2010، حين فازت "القائمة العراقية" برئاسة إياد علاوي بـ91 مقعدا، ثم "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، الذي كان رئيسا لحكومة تصريف الأعمال وقت إجراء الانتخابات.
حينها، أكد ائتلاف علاوي حقه بتشكيل الحكومة، باعتباره يمثل الكتلة البرلمانية الكبرى الفائزة، لكن ذلك قوبل بمعارضة شديدة من "ائتلاف المالكي"، الذي فسّر "الكتلة الكبرى" بأنها التي تتشكل من تحالف عدة قوى فائزة في الجلسة الأولى للبرلمان. وصل الخلاف إلى المحكمة الاتحادية، واتخذت قرارا لصالح "ائتلاف دولة القانون"، نظر إلى القرار يومها على أساس أنه اتخذ على سبيل المحاباة للمالكي، الذي كان يتدخل في جميع السلطات.