رياح التغيير "القسري" تهب على السلطة الفلسطينية
الضغط الأميركي والعربي على السلطة الفلسطينية بازدياد
خطوة لوضع موطئ قدم ومقعد على طاولة المفاوضات
يرى محللون سياسيون أن رياح التغيير "القسري" تحت عنوان "الإصلاح" قد هبّت بالفعل على السلطة الفلسطينية، بعد استقالة حكومة رئيس الوزراء محمد اشتية، تمهيداً لتشكيل حكومة "تكنوقراط" لم يُعلن عنها حتى الآن، لكنها كانت مطلباً أميركياً وعربياً ملحاً على ضوء الحرب على غزة.
وقال مسؤول فلسطيني، فضل عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد": "لقد تلقينا الكثير من النصائح من الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة بأن تشكيل حكومة (تكنوقراط) من شأنه أن يفتح أفقاً على صعيد معالجة المسار السياسي اللاحق، وحل الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها السلطة الفلسطينية، بسبب قرصنة أموال المقاصة من الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وشح الدعم العربي والدولي المقدم للسلطة الفلسطينية من جهة أخرى".
وتابع المصدر أن "الرئيس (الفلسطيني) محمود عباس يريد أن يرمي الكرة في ملعب الولايات المتحدة ودول عربية أخرى (لم يرغب بتسميتها)، وكأن الرئيس يقول لهم: في إطار المطالبات بإصلاح السلطة، قدمت الحكومة استقالتها، وسوف نشكل حكومة "تكنوقراط" أي حكومة خبراء كما تريدون، ماذا سوف نحصل بالمقابل؟)".
المطالب الأميركية الملّحة انضمت إليها مطالب عربية أيضاً منذ أن بدأت الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، عقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ستة لقاءات مع الرئيس عباس كانت في جلّها متوترة و"مشحونة"، إذ أصر بلينكن على أن الإدارة الأميركية ترى وجوب إحداث إصلاحات في السلطة، بينما ظل الرئيس عباس يؤكد أن الولايات المتحدة غير قادرة على الضغط على حليفتها إسرائيل للإفراج عن عائدات الضرائب التي قرصنتها لمنع وصول الأموال إلى قطاع غزة، وأنها لا تجيد سوى الضغط على السلطة فقط.
استجابة لضغوط كبيرة
الأحاديث في مقر الرئاسة الفلسطينية "المقاطعة" في الأسابيع الماضية، كانت تفيد بأن عباس لن يقدم أي خطوة مجانية للأميركيين الذين طالما وعدوه وخذلوه، وبأن "أي خطوة من السلطة يجب أن تقابل بخطوة من واشنطن، ولن نرضخ لسيناريو ابتزاز السلطة عبر مطالب الإصلاح"، حسب ما أفاد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد".
لكن ما الذي تغير منذ آخر لقاء بين الرئيس عباس وبلينكن في السابع من فبراير/شباط الجاري برام الله؟، تجيب مصادر متطابقة في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "الضغط الأميركي والعربي بازدياد، وكذلك الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها السلطة".
وأكدت المصادر أن "السعودية أخبرت القيادة الفلسطينية بشكل واضح أنها لن تقدم أية مساعدات مالية إن لم يجر إصلاح السلطة، وتغيير الحكومة الحالية".
وتابعت المصادر: "اليوم تستطيع القيادة الفلسطينية أن تقول للولايات المتحدة وأصدقائها من الأنظمة العربية (لا أستطيع الانتقال من مرحلة حكومة تسيير أعمال إلى تشكيل حكومة خبراء (تكنوقراط) دون دعم مالي يشكل أساساً للاستقرار، لا سيما أن شهر رمضان على الأبواب، والضفة الغربية تغلي من العمليات العسكرية اليومية في قلبها، والتي تخلف دماراً كبيراً وشهداء يومياً".
وأضافت المصادر أن "الموضوع لا يتعلق فقط بالاستجابة للضغوط الأميركية والعربية في الإصلاح، وإنما هناك مصلحة للسلطة بأن تكون جزءاً مما يجري حالياً، حيث تستأثر حركة حماس بالمشهد من حيث المفاوضات على الأسرى، ووقف إطلاق النار والإعمار، والسلطة تقف بدور المتفرج، لذا فإن تشكيل حكومة من الخبراء (تكنوقراط) سيعطيها موطئ قدم ومقعداً على طاولة المفاوضات".
الاستقالة في معادلة اليوم التالي للحرب على غزة
ورغم أن تشكيل حكومة تكنوقراط، أي حكومة غير فصائلية، يتفق مع ما قاله رئيس حكومة الاحتلال الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لا يريد "لا عباس ولا حماس في قطاع غزة"، يظهر وكأنه تحضير لـ"اليوم التالي للحرب"، فإن سياسيين يؤكدون أن هذه الخطوة لا تعني أي شيء حقيقي على الأرض.
وقال الكاتب والمحلل السياسي أحمد جميل عزم لـ"العربي الجديد"، "لا يوجد نقاش فلسطيني حقيقي على مستوى سياسي عال يتحدث فعلاً عن (اليوم التالي)، وكيفية ترتيب البيت الفلسطيني".
وأضاف: "الحكومة الفلسطينية هي المعيار الأقل أهمية في ترتيب البيت الفلسطيني، والخلافات التي تقف عائقاً أمام الوحدة الوطنية كبيرة جداً، والحكومة تشكل جزءاً صغيراً من هذه الخلافات، واستقالتها وتشكيل حكومة تكنوقراط لا يرتقي لمستوى الحدث وحرب الإبادة".
وتساءل الخبير الفلسطيني، الذي كان يشغل منصب مستشار رئيس الحكومة اشتية واستقال بعد نحو سنة من عملها: "إذا كانت الحكومة بالمرجعيات نفسها، وآلية التشكيل، والظروف السياسية، ما الذي ستعنيه فلسطينياً ودولياً؟"، مضيفاً: "للأسف الحديث عن الإصلاح الداخلي، يبدو أنه هروب من مواجهة المشاكل الحقيقية". واستبعد عزم في الوقت ذاته أن يقود تغيير الحكومة إلى وقف المشروع الإسرائيلي، وحرب الإبادة في قطاع غزة.
ورغم أن اشتية عزا تقديم استقالة حكومته في كلمته اليوم "إلى أن المرحلة القادمة وتحدياتها تحتاج إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة، تأخذ بالاعتبار الواقع المستجد في قطاع غزة، ومحادثات الوحدة الوطنية، والحاجة الملحة إلى توافق فلسطيني فلسطيني مستند إلى أساس وطني، ومشاركة واسعة، ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على أرض فلسطين كاملة"، فإن حركة "حماس" نفت أكثر من مرة، آخرها على لسان عضو المكتب السياسي للحركة محمد نزال لموقع "ألترا فلسطين"، "وجود أي تواصل رسمي بين حماس وفتح لبحث أوضاع غزة حتى الآن، لا بشكل مباشر ولا عن طريق وسيط".
من جانبه، يرى الوزير الفلسطيني السابق، عزمي الشعيبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن صلاحيات الحكومة القادمة لن تتخطى الرؤية الأميركية التي وضعت للمنطقة، ووافق عليها الرئيس محمود عباس، "إذ يكون دور الحكومة في الإطار الوظيفي الذي تمليه أميركا، بما يخدم المصالح الإسرائيلية، لا سيما أنها لن تعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، أو تقرير مصير الشعب الفلسطيني، أو أن تعمل في ملف الإعمار داخل قطاع غزة في ظل وجود جيش الاحتلال وعدم انسحابه".
وأضاف الشعيبي: "الحكومة القادمة هي حجر شطرنج ضمن مجموعة أحجار تديرها أميركا، وستنفذ تعليمات الرئيس عباس، بعد أن أعطى إشارات لأميركا بأنه على استعداد لتنفيذ الدور المطلوب منه في المنطقة، لا سيما أن الحكومة القادمة لن تخرج عن دائرة تعليمات الرئيس بصفته متنفذا في كل الصلاحيات".
وتسعى أميركا، وفق الشعيبي، لتنفيذ مشروعها داخل النظام الفلسطيني بأن يكون الجهاز الأمني في كل خطوات عمله ضمن دائرة التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، بالإضافة إلى تغيير المناهج الفلسطينية التعليمية، وإنهاء تسلح الفصائل الوطنية، وإلغاء دور التنظيمات والأحزاب، وسط انتشار مكثف للاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية، ثم مناقشة قضية "حل الدولتين".