لا تزال جلسات محادثات المسار الليبي العسكري بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة مستمرة في جنيف السويسرية، بعد انطلاق أولى الجلسات يوم أمس الاثنين، برعاية الأمم المتحدة، توازياً مع استمرار التوتر والتأهب الميداني، في مناطق التماس بين الأطراف المسلحة، وسط البلاد.
وتبحث اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 ملفات أمنية وعسكرية عالقة بهدف التمهيد لبدء جلسات منتدى الحوار السياسي الليبي الشامل، المزمع عقده مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في تونس، من بينها ملفات توحيد المؤسسة العسكرية وإخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح والمقاتلين الأجانب، ولا يزال الملف الأخير أصعب الملفات التي تواجه استعصاءً لحلها، بحسب مصادر ليبية مسؤولة.
وقالت المصادر (برلمانية من طبرق وحكومية من طرابلس)، لـ"العربي الجديد"، إنّ التفاهمات حول أغلب الملفات قائمة على حلحلة ملف المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف الطرفين، مشيرة إلى أنّ ممثلي اللواء المتقاعد خليفة حفتر في اللجنة العسكرية يشددون على ضرورة اعتبار الوجود العسكري التركي إلى جانب حكومة "الوفاق" ضمن ملف المقاتلين المرتزقة، مطالبين بضرورة فكّ الحكومة في طرابلس حلفها مع الحكومة التركية.
التفاهمات حول أغلب الملفات قائم على حلحلة ملف المقاتلين الأجانب
وفيما لم يتوصل الطرفان إلى أي تفاهمات حتى الآن بشأن الملفات الأمنية والعسكرية المطروحة، أفاد أحد تلك المصادر، وهو دبلوماسي رفيع تابع لحكومة "الوفاق"، بأنّ أطرافاً دولية، من بينها واشنطن، تسعى بالتوازي إلى حثّ الجانبين التركي والروسي على التوصل إلى تفاهمات بشأن وجودهما العسكري في ليبيا، مشيراً إلى قناعة دولية وأممية بضرورة إخراج كل الأطراف المسلحة من ليبيا.
وفي الوقت الذي ترتبط فيه الحكومة التركية باتفاقات رسمية مع حكومة "الوفاق"، يؤكد الدبلوماسي الليبي أنها لا تزال تبحث عن صيغ في إطار تواصلها مع الجانب الروسي للحفاظ على مصالحها في ليبيا، ولا سيما أن الملف الليبي مرتبط بملفات أخرى توجد فيها الدولتان.
توازياً ميدانياً، أعلنت غرفة عمليات سرت – الجفرة التابعة لحكومة "الوفاق"، اليوم الثلاثاء، أنّ الطرق الرئيسية والفرعية الواقعة في منطقة جنوب أبوقرين والوشكة باتجاه الجفرة تعتبر "مغلقة نهائياً".
وأكد بيان للغرفة أنه لن يسمح بحركة المسافرين من خلالها إلا بتعليمات غرفة العمليات الميدانية، مشيراً إلى أن من يخالف ذلك "عليه تحمل المسؤولية الكاملة تجاه ما سيحدث من تعامل، فيمنع التجول والتنقل نهائياً، مهما كانت الأسباب".
وفي مؤشر آخر على استمرار التوتر بين طرفي الصراع، أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لمليشيات حفتر، أنّ القوات الخاصة البحرية "أجرت مناورات عسكرية ضمن المشروع التعبوي شهداء البحرية"، بهدف دعم القدرات القتالية في تأمين الحدود البحرية الاستراتيجية الليبية، بحسب بيان منشور على صفحتها الرسمية على "فيسبوك".
من جانبه أكد المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، أنّ محادثات اللجنة العسكرية المشتركة "لم تتوصل إلى شيء رسمي حتى الآن"، في تصريح تلفزيوني ليل البارحة الاثنين.
رغبة مكتومة لخرق وقف النار
ورغم بدء تطبيق ما اتفقت عليه لجان اجتماعية التقت في مدينة مصراتة، الأسبوع الماضي، بشأن فتح المطارات والطرقات البرية بين الشرق والغرب، وتبادل الأسرى والمحتجزين على مراحل، إلا أن تصريحات القادة العسكريين من طرفي الصراع لا يبدو أنها تبعث على الطمأنينة وخلق مناخ يمكّن محادثات اللجنة العسكرية المشتركة من التوصل إلى تفاهمات مهمة، بحسب الباحث السياسي الليبي زايد مؤمن.
ويعبّر مؤمن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن مخاوف من الرغبة المكتومة للطرفين بشأن اختراق وقف إطلاق النار، ما يشعر بأن الضغط الدولي والأممي على المسلحين على الأرض غير كافٍ لإرغامهم على القبول بنتائج المحادثات العسكرية.
واتهم المسماري، في ذات التصريحات، تركيا بـ"نقل أسلحة ومعدات إلى ليبيا، بالإضافة إلى آلاف الإرهابيين المقاتلين، وكميات كبيرة جداً من الذخائر، وآلاف الضباط والجنود الأتراك إلى الأراضي الليبية"، مضيفاً أنّ تركيا غير راغبة في الخروج من قاعدة الوطية، غربي البلاد.
وفيما شدد المسماري على ضرورة وقف تركيا دعمها لحكومة "الوفاق"، دافع وزير الدفاع بحكومة "الوفاق"، صلاح النمروش، عن الاتفاقات المشتركة بين الحكومتين في طرابلس وأنقرة، وأكد أن حفتر استعان بمرتزقة من "فاغنر" الروسية و"الجنجويد" من السودان وأسلحة فرنسية في عدوانه "السافر على الآمنين في طرابلس".
وفي تصريح آخر نشرته الصفحة الرسمية للوزارة، أكد النمروش جاهزية منتسبي الوزارة لـ"لدفاع عن الوطن والمواطن".
وجاءت تصريحات النمروش متزامنة مع زيارة رسمية لرئيس الأركان التابع لحكومة "الوفاق" لتركيا، أمس الاثنين، التقى خلالها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الذي أكد استمرار دعم حكومته لحكومة "الوفاق".
ورغم تشاؤم مؤمن، معتبراً أنّ هذه تصريحات ومواقف رافقت جولات حوار ومحادثات سابقة، إلا أنها لم تعبّر عن الواقع الميداني، يرى الصحافي والناشط السياسي الليبي خالد بلعيد، من جانبه، أن التوتر الميداني الحالي "لا يعكس إلا استمراراً لأزمة عدم الثقة بين الطرفين".
ويوضح بلعيد رأيه قائلاً، لــ"العربي الجديد"، إنّ "التصريحات والإجراءات من الجانبين تأتي فقط للتهديد وللقول إنّ كل طرف لديه القوة لحسم الميدان والموقف"، مشيراً إلى أن شكل مسارات الحوار وترتيبها يشيران إلى توافق دولي وإقليمي على ضرورة حل الأزمة في ليبيا، ولو مرحلياً.
ورحبت أطراف دولية من بينها ألمانيا وإيطاليا ببدء انعقاد محادثات اللجنة العسكرية المشتركة، التي أكدت البعثة الأممية أنها ستستمر في جنيف السويسرية حتى يوم 24 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وهي مدة يراها بلعيد "دليلاً على حساسية الملفات التي تناقشها اللجنة، واقتضت كل هذا الوقت لحلحلتها"، كذلك فإنها تشير إلى محورية المسار العسكري بالنسبة إلى محادثات الحوار السياسي الرئيسية الشهر المقبل.