وسط صمت التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، تحدثت تقارير إعلامية وشهود عيان عن سماع دوي انفجار في الرياض، فيما بُثت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر اعتراض صاروخ في السماء.
وتأتي المحاولة الثانية لاستهداف الرياض جواً بعد أيام من تعرض العاصمة السعودية إلى هجوم تبنته مليشيا عراقية أطلقت على نفسها اسم "ألوية الوعد الصادق"، مؤكدة أنه حصل من خلال طائرات مسيرة انطلقت من داخل الأراضي العراقية. ولم يتبين بعد ما إذا كان الهجوم الجديد شن أيضاً من قبل الحوثيين أو من مليشيا عراقية. وفي حال صح الاحتمال الثاني، فإنه يثير مخاوف من فتح جبهة جديدة ضد السعودية عبر حدودها مع العراق، خصوصاً أن المسافة بين منطقة نقرة السلمان، بين المثنى والبصرة، عن الرياض لا تتجاوز 500 كيلومتر.
تم تداول مقاطع لاعتراض صاروخ في سماء الرياض
وسمع دوي انفجار واحد على الأقل في الرياض، أمس الثلاثاء، بحسب سكان، بعد ثلاثة أيام على تدمير القوات السعودية قذيفة فوق العاصمة. ولم يصدر تعليق فوري من السلطات السعودية. كما أن الحوثيين لم ينفوا أو يؤكدوا وقوفهم خلف الهجوم الجديد. وهز الانفجار النوافذ في الرياض، بحسب مراسلين لوكالة "فرانس برس" وسكان في العاصمة. وقال البعض، على وسائل التواصل الاجتماعي، إنهم سمعوا دوي انفجارين. كذلك نقلت وكالة "رويترز" عن عدد من الشهود قولهم إنهم سمعوا دوياً قوياً مرتين، ورأوا عموداً صغيراً من الدخان في سماء المدينة. وتم، على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول مقاطع مصورة تظهر اعتراض صاروخ في سماء الرياض.
وكانت القوات السعودية قد أعلنت، السبت الماضي، تدمير "هدف جوي معادٍ" فوق الرياض، في حين أكد الحوثيون أن لا صلة لهم بما حصل. وتتعرض السعودية لهجمات متواصلة من قبل جماعة "أنصار الله"، لكن الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يطلقها الحوثيون نادراً ما تصل إلى أجواء الرياض التي تبعد نحو 700 كيلومتر عن الحدود اليمنية. وكانت منصات إعلامية تابعة لفصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران، تبنت بياناً أصدرته، الأحد الماضي، مليشيا أطلقت على نفسها اسم "ألوية الوعد الصادق"، وأعلنت فيه مسؤوليتها عن محاولة الهجوم على الرياض، مؤكدة أنه حصل من خلال طائرات مسيَّرة انطلقت من داخل الأراضي العراقية.
ووفقاً لقناة "صابرين نيوز"، على منصة "تلغرام"، وهي الذراع الإعلامية لكتائب "حزب الله" العراقية، فإن الهجوم على الرياض انطلق "من الأراضي العراقية بواسطة طائرات مسيرة ثابتة الجناح من نوع كاميكازي (kamikaze)، وبأيادٍ عراقية"، متحدثة عمّا أسمته "قاعدة توازن الردع الدولي". ونقلت القناة عن "ألوية الوعد الصادق"، بأنهم "أوفوا بوعدهم"، وأيضاً "أرسلوا طائرات الرعب المسيَّرة إلى قصر اليمامة".
مع العلم أنه سبق أن اتهمت واشنطن طهران بالوقوف خلف استهداف منشآت "أرامكو" في سبتمبر/أيلول العام 2019، وأشارت إلى أنه نفذ عبر طائرات مسيرة أطلقت من العراق أو إيران. وفي السياق، قال الخبير بالشأن السياسي العراقي مجاهد الطائي، لـ"العربي الجديد" أمس، إن ملف الهجمات من العراق باتجاه السعودية غير جديد مشيراً إلى هجوم أرامكو تحديداً، لكن من حيث التبني الأخير من قبل مليشيا تطلق على نفسها "ألوية الوعد الحق"، فهو الأول، ويتزامن مع نفي الحوثيين، والذي لا يبدو أن الجماعة كانت مضطرة له لو أنها هي من نفذت الهجوم.
الطائي: إيران تنظر للعراق كقاعدة انطلاق ضد خصومها
وأضاف الطائي، لـ"العربي الجديد"، أن إيران تنظر إلى العراق كقاعدة انطلاق وساحة صراع مع خصومها الإقليميين، وتكرار مثل هذه الهجمات، بوجود تبني ومباركة من الفصائل العراقية الموالية لطهران، قد يشعل فتيل أزمة كبيرة بالمنطقة، إذا أسفر أحد الهجمات عن ضحايا مدنيين في السعودية. كما أنه يعني حرفياً فتح جبهة جديدة على السعودية من داخل العراق، وهذا تطور كبير في الصراع قد يهدف لكسب أوراق جديدة من قبل إيران في أي مفاوضات مستقبلية مع دول الخليج، أو أميركا، ضمن استعراض قوة مُكرر من قبل طهران. وأشار إلى أن "الهجمات ممكنة الآن، وباتت ضمن إمكانيات كتائب "حزب الله" التي تنامت أخيراً، خاصة مع وجود حدود طويلة تنتشر في جزء كبير منها. وعادة هناك صعوبة كبيرة في صد المسيرات من قبل منظومات الباتريوت أو أي منظومة أخرى". واعتبر أن "الحكومة (العراقية) لا تملك غير العجز عن اتخاذ أي موقف من الممكن أن يردع هذه المليشيات. وأقوى ما يمكن أن تفعله هو التنسيق مع واشنطن، أو تخويلها إيقافهم بصورة غير مباشرة". وتساءل: "هل هو اختبار لردة فعل إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن، وهل ستكون امتداداً لنهج (الرئيس السابق دونالد) ترامب، عبر شحن الأجواء، قبل المضي بأي مفاوضات نووية".
مع العلم أن خبيراً في شؤون الجماعات المسلحة في العراق، طلب عدم ذكر اسمه لقاء إدلائه بالمعلومات لأسباب وصفها بالأمنية، قال لـ"العربي الجديد" قبل أيام إن "كتائب حزب الله لديها 6 مواقع تنتشر فيها على الحدود مع السعودية منذ عام 2018، ورفضت الانسحاب منها عدة مرات".
وتعتبر منطقة نقرة السلمان بين المثنى والبصرة، المقابلة لمنطقة حفر الباطن السعودية، أقرب النقاط من العاصمة السعودية، إذ لا تتجاوز المسافة 500 كيلومتر، على عكس المناطق الحدودية الأخرى بين البلدين المحاذية للأنبار غربي العراق. وترتبط السعودية بحدود برية مع العراق طولها أكثر من 800 كيلومتر، من الأنبار غرباً، وصولاً إلى أطراف محافظة البصرة المجاورة لمحافظة المثنى جنوب العراق.
إلى ذلك، تواصلت الإدانات لمحاولة استهداف الرياض السبت الماضي. وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، أن الخرطوم "تدين بأشد العبارات تلك المحاولة التي شنتها المليشيات الحوثية ضد الرياض". وأكدت أن "استمرار مثل هذه الهجمات خرق للقانون الدولي، ويعكس خطر جماعة الحوثي على الأمن القومي وجهود الوصول لحل سياسي في اليمن". كما دان رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري الهجوم على العاصمة السعودية. وكان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال، مساء الإثنين الماضي، "نحن ندين بقوة كل الهجمات التي تستهدف المدنيين، والبنية التحتية المدنية".
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)