استهداف معارضي سعيّد: تصاعد الانتهاكات الجسدية للترهيب

02 يناير 2022
تعرّض الحزقي (وسط) للاعتداء على أيدي القوى الأمنية (الشاذلي بن ابراهيم/Getty)
+ الخط -

بعدما كان استخدام القضاء أبرز الوسائل في يد الرئيس التونسي قيس سعيّد لترسيخ انقلابه ومحاكمة كل من يتجرأ على معارضته، منذ إعلان تدابيره الانقلابية في 25 يوليو/تموز الماضي، يلاحظ في الفترة الأخيرة تصاعد وتيرة الانتهاكات والاعتداءات الجسدية التي تطاول معارضي الانقلاب.

وبدا لافتاً تحوّل حملات التشويه وتأليب الرأي العام التي انتهجها الرئيس التونسي وأنصاره إلى اعتداءات جسدية وانتهاكات تصاعدت وتيرتها، تم توظيف بعض أجهزة الدولة فيها.

وفيما يؤكد معارضو سعيّد أن ذلك يستهدف قمعهم بكل الوسائل بهدف ترهيبهم لفرض سياسة الأمر الواقع، فإن بعضهم يضع ذلك في إطار تكريس نظام استبدادي جديد بات يذكّر بنظام زين العابدين بن علي المخلوع.

اختطاف نور الديني البحيري

وكشفت حركة "النهضة"، أول من أمس الجمعة، أن نائب رئيسها، البرلماني نور الدين البحيري، تعرض للعنف الجسدي أثناء عملية "اختطافه" قبل أن يتم اقتياده إلى جهة غير معلومة.

وجاء في إعلان "النهضة"، أنه تم "تعنيف المحامية سعيّدة العكرمي، زوجة نور الدين البحيري"، كما تم افتكاك هاتفها وتعنيف عدد من الجيران الحاضرين ممن حاولوا التدخل، محذرين من "محاولات قتله" بحسب تصريحاتهم.

واعتبرت الحركة أن هذا دليل على "دخول البلاد في نفق الاستبداد وتصفية الخصوم السياسيين خارج إطار القانون من طرف منظومة الانقلاب".


وضع البعض ما يجري في سياق تكريس نظام استبدادي جديد

وقال عميد المحامين الأسبق، الرئيس السابق لهيئة شهداء الثورة وجرحاها، عبد الرزاق الكيلاني، في ندوة صحافية، يوم الجمعة، عقدتها مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، إن مصالح الحرس الوطني اقتادت البحيري إلى مكان بمحافظة بنزرت وتم إيواؤه بمكان شبيه بثكنة.

وأفاد الكيلاني بأنه "تم إيداع شكوى لدى وكيل الجمهورية وإعلام رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، واصفاً العملية بـ"الاختطاف، وأن تونس اليوم تخضع لقانون الغاب وحكم العصابات والاختطاف، بعد ثورة شهد لها العالم". وقال الكيلاني إن "مثل هذه الجرائم ستتم متابعتها ولا يسقط جرمها بالتقادم".

ونقل الكيلاني عن شاهد عيان رفض الكشف عن هويته أن "البحيري رفض الأكل والشرب والخضوع لفحص طبي، باعتباره يعاني من أمراض مزمنة كما سبق له الخضوع إلى أكثر من تدخل جراحي وهو ما يعرض حياته للخطر".

وفي اليوم نفسه، أعلن الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، عن تعرض شقيقه لاعتداء بالعنف الشديد في ضاحية العاصمة تونس، من دون أن تتضح ملابسات الاعتداء.

وكتب المرزوقي، على صفحته في "فيسبوك"، أنه "تمّ هذا الصباح الاعتداء بالعنف الشديد على شقيقي نجيب المرزوقي، أستاذ فيزياء متقاعد في ضاحية رادس".

وأضاف: "تمّ سلب جواله الذي استعمل للاتصال بزوجته وإخبارها أنه نقل للمستشفى في حالة خطرة، الشيء الذي أجبر بقية أشقائي على البحث عنه في مستشفيات المدينة من دون نتيجة".

وأوضح المرزوقي أن شقيقه "تمكن لحسن الحظ من العودة للبيت على الرغم من الرضوض والكدمات التي تعرض لها".

كما أعلن المناضل اليساري عز الدين الحزقي، المتحدث باسم المضربين عن الطعام رفضاً للانقلاب، أنه تعرض للاعتداء بالعنف من قبل الوحدات الأمنية خلال تحرك 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وشدد على أن تم قمع المحتجين من الشباب والاعتداء على حقهم في الاعتصام والتجمهر والتعبير عن الرأي.

ونقلت صفحة "مواطنون ضد الانقلاب" على "فيسبوك" عن الحزقي قوله، إن "سلطة الانقلاب تستعمل اليوم الأداة الصلبة للدولة المتمثلة في البوليس والعسكر لقمع المعارضة وترهيبهم"، مشدداً على أن "هذا الأمن ليس جمهورياً، لأن دوره هو حماية حقوق المواطنين في التعبير والاحتجاج ضد من انقلب على القانون والدستور والجمهورية وليس العكس".

ويذكر التونسيون الطريقة التي تم بها توقيف عدد من النواب الملاحقين في قضايا عسكرية، مثل الاعتداء بالعنف على البرلماني ياسين العياري أمام عائلته عند اقتياده للسجن من قبل فرق أمنية بالزي المدني، وكذلك ما تعرض له رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" سيف الدين مخلوف، عند توجهه لتسليم نفسه أمام مقر المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة في العاصمة.

ولطالما اشتكت عائلات البرلمانيين من نواب "الكرامة" من عمليات الترويع التي ترافق المداهمات الليلية التي نفذتها الفرق الأمنية، في محاولة لضبط عدد من النواب على غرار محمد العفاس وعبد اللطيف العلوي.

وعن ذلك، قال المحامي سمير بن عمر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "هذه الممارسات التي تنتهجها سلطة الانقلاب تثبت تخبّطها العشوائي في محاولاتها لكتم صوت المعارضة وفرض الأمر الواقع على التونسيين".

ووصف بن عمر "ما حدث مع البحيري وشقيق المرزوقي ليلة انطلاق الاستشارة الإلكترونية المزيفة، بمحاولة بائسة لترهيب التونسيين جميعاً ودفعهم إلى القبول بسياسة الأمر الواقع".

عدم احترام الدستور والحريات

وتابع "أن تواتر هذه الانتهاكات والاعتداءات يكذب ما يروج له سعيّد من احترامه الحقوق والحريات التي ادعى الإبقاء عليها في الدستور"، مشدداً على أن "نظام الانقلاب تحول إلى السرعة القصوى في تكريس وسائل نظام الاستبداد الذي يعتمد على الآلة الصلبة للدولة لتخويف وترهيب كل من يعارض".

وأضاف بن عمر "كل يوم يتكشف الوجه الحقيقي للانقلاب أمام التونسيين، وعند العجز عن الإقناع بالمشروع والبرنامج يتم استعمال القوة لترهيب الناس" مشيراً إلى أن "هذه الممارسات تذكرنا بنظام (زين العابدين) بن علي الاستبدادي".


تعرض البحيري للعنف الجسدي أثناء عملية توقيفه

من جهته، اعتبر المحامي عبد الرؤوف العيادي، أن "هذه الاعتداءات على المعارضين وكل من يرفض الانقلاب، متوقعة من شخص لا يؤمن بالديمقراطية والحريات ويسعى لفرض مشروعه بالقوة وبالعنف".

وأضاف العيادي في حديثٍ مع "العربي الجديد": "لم نتوقع من سعيّد أقل من التنكيل بخصومه وقمعهم، فهذا ما ينتهجه القائم على نظام استبدادي، محاولاً تدجين الإعلام والقضاء وتوظيف الأمن والعسكر لفرض مشروعه الوهمي إن كان له مشروع".

وعن تواتر الاعتداءات وعلاقتها بانطلاق الاستشارة الإلكترونية، بيّن العيادي أن "سعيّد ليس له مشروع مجتمعي أصلاً ليفسره ويقدمه، هذه عملية تحايل والتفاف على الشعب، وعن أي استشارة يتحدث؟".

وكان الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، قد علّق على عملية توقيف البحيري قائلاً "المحاسبة والعدالة لا تتحققان بالبلطجة".

وتابع الشواشي على صفحته في "فيسبوك": "قلتها سابقاً وأكررها الآن، الأمر عدد 50 لسنة 1978 المتعلق بحالة الطوارئ وضع في زمن الاستبداد إثر أحداث الخميس الأسود في 26 يناير/كانون الثاني 1978، بغية قمع المحتجين والمعارضين ومحاصرتهم، وهو نص غير دستوري يمس الحقوق والحريات، واللجوء إليه من طرف السلطة القائمة في هذا العهد دليل على قلة حيلتها وضعف حجتها وعدم احترامها لمواطنيها ولحقوقهم".

وأضاف الشواشي "على القضاء تحمل مسؤوليته كاملة باعتباره الضامن والحامي للحقوق والحريات التدخل لفرض سلطة القانون واحترام الدستور".

بدوره، كتب المتحدث الرسمي باسم حزب "حراك تونس الإرادة"، عمر السيفاوي على حسابه في "فيسبوك": "ما وقع مع السيد نورالدين البحيري هو اختطاف وممارسة مليشياوية استعراضية من سلطة الانقلاب، تدل على صلف وعنجهية غايتها إرباك الصف المقاوم للانقلاب وتغيير عنوان المعركة".