يشتد الصراع بين حركة "طالبان أفغانستان" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في أفغانستان يوماً بعد آخر. وبعد احتدام المعارك بين الجماعتين المتناحرتين في عدد من جبهات القتال في شرق وجنوب أفغانستان، والتي أدت إلى مقتل عشرات المقاتلين، وإصدار فتوى الجهاد ضد بعضهم البعض، اتهم فرع "داعش" في خراسان حركة "طالبان" بالعمالة للاستخبارات الباكستانية، وأن جميع أعمال هذه الحركة تهدف إلى إلحاق الضرر بالشعب الأفغاني وفق رغبة الاستخبارات العسكرية الباكستانية.
وشرح القيادي السابق في حركة "طالبان أفغانستان"، وهو أحد أبرز قادة "داعش" في فرع خراسان المولوي مسلم دوست، في حوار له مع قناة "بي بي سي"، أسباب إعلان التنظيم الحرب على "طالبان"، والتي من أبرزها كون الحركة تعمل لصالح الاستخبارات الباكستانية وضد مصالح الشعب الأفغاني، مشيراً إلى أن كل خطوات "طالبان" العسكرية مبنية على أساس مصالح الاستخبارات الباكستانية، والشعب الأفغاني الأعزل يدفع ثمن تلك الخطوات.
وأكد مسلم دوست، الذي عاش سنوات عديدة في سجن غوانتنامو لانتمائه إلى حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، أن "طالبان" تحارب "داعش" لأن الاستخبارات الباكستانية أمرتها بذلك، ولأن التنظيم لا يعمل لصالح أي جهة بل هدفه الوحيد العمل لأجل الأهداف الجهادية المرسومة. كذلك شدد على أن سبب انشقاقه من "طالبان" هو أنها تمارس جميع أنواع الظلم في حق الشعب الأفغاني لإرضاء الاستخبارات الأجنبية، بينما "داعش" يقاتل ضد الجيش الأفغاني والقوات الدولية، وليس له أي نوع من العداء مع باقي أفراد الشعب.
ويأتي موقف القيادي السابق في "طالبان" في مرحلة حرجة جداً، إذ ظهرت أولى بوادر الحوار بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان". ويعتقد الأفغان أن "طالبان" عادت إلى طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية مباشرة بعد أن قررت إسلام أباد ذلك، وبعد أن اتفقت الأخيرة مع كابول على العمل لإنهاء الأزمة الأفغانية. ونتيجة ضغوطات متزايدة من إسلام أباد، رضيت "طالبان" بالحوار مع الحكومة الأفغانية، بعد أن كانت ترفض ذلك بحجة أن الحكومة الأفغانية حكومة عميلة. من هنا قد تتسبّب تصريحات مسلم دوست في تدهور شعبية "طالبان" نظراً للحساسية الموجودة في أوساط الشعب الأفغاني إزاء الاستخبارات الباكستانية، وخصوصاً أن الحركة التزمت صمتاً مطبقاً إزاء جميع التهم الموجهة إليها بشأن علاقتها مع الاستخبارات الباكستانية.
ولم يتحدث القيادي عن تفاصيل أكثر حول كيان "داعش" في أفغانستان وأعماله العسكرية، إلا أن مصادر قبلية تشير إلى أن الوضع يتفاقم بصورة مضطردة بين الجماعتين المسلحتين، إذ امتدت المعارك الشرسة بين الطرفين إلى عدد من مناطق الشرق الأفغاني بعد أن بدأت على الشطر الحدودي بين باكستان وأفغانستان في مديرية شينواري، وبعد أن سيطر "داعش" على بعض المناطق الاستراتيجية والمهمة على الحدود.
ولم يبقَ الأمر في دائرة المواجهات المسلّحة بين "طالبان" و"داعش"، بل تعداه إلى ممارسة أنواع من العنف ضد بعضهما البعض، مثل الإعدامات الميدانية وحرق المنازل وتشويه جثث القتلى.
وكشفت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، أن مسلحي "داعش" أعدموا عشرة من عناصر "طالبان" في إقليم ننجرهار، رداً على الخسائر التي لقيها خلال المعارك على الحدود، في المقابل ردت "طالبان" بالمثل وأعدمت ستة من عناصر "داعش". كما قام مسلحو التنظيم بحرق عشرات المنازل في مديرية سبين غر بإقليم ننجرهار نفسه بحجة أنها منازل عناصر "طالبان". ويشير المسؤول المحلي في مديرية سبين غرمحمد قاسم، إلى أن مسلحي "داعش" قاموا بإضرام النار في عشرات المنازل لعناصر "طالبان" بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وأن الوضع متفاقم بصورة غير مسبوقة بين الجماعتين.
وبدأت المواجهات العنيفة بين الجماعتين قبل شهرين في مديرية شينواري بإقليم ننجرهار، ثم طالت إلى مديرية شبرهار، وخوجياني، وسبين غر. وهكذا امتدت مع مرور الأيام إلى إقليمي كنر وفراه وغيرهما، وأدت حتى الآن إلى مقتل العشرات من عناصر الجماعتين.
اقرأ أيضاً: غرائب "داعش" و"طالبان" في أفغانستان: قتال بالشمال وتحالف بالجنوب
وبهدف مواجهة الأوضاع الراهنة، أمرت القيادة العليا في حركة "طالبان" القيادات الميدانية ببذل كل ما في وسعها لمنع ظاهرة الانشقاقات المتزايدة في صفوف "طالبان" وانضمامهم إلى صفوف "داعش"، وهو ما يؤكده أحد القياديين في الحركة في حديث مع "العربي الجديد"، لافتاً إلى أن الأوضاع أكثر حساسية وخطورة بالنسبة لـ"طالبان"، إذ أن أعداداً كبيرة من المقاتلين والقيادات الميدانية في الحركة ينضمون بصورة يومية إلى صفوف "داعش"، والأخطر من ذلك أن الحرب على "طالبان" أولوية تنظيم "داعش" إذ أنه أمر مسلحيه بالقتال ضد "طالبان" بدلاً من القتال ضد الجيش الأفغاني.
ويشير القيادي إلى أن المسلحين المنتسبين لـ"داعش" يملكون أسلحة متطورة وإمكانيات مالية وعسكرية أكثر مقارنة بحركة "طالبان" التي تواجه أزمات متنوعة الأشكال وشائكة، قائلاً إن "داعش" في أفغانستان مشروع أطلقته الحكومة الأفغانية للقضاء على "طالبان".
وبغض النظر عن الجهات الداعمة لـ"داعش" وأهدافه، إلا أن الأهم هو وضع حركة "طالبان" بعد توسّع رقعة نفوذ "داعش" في أفغانستان، وإعلانه الحرب علناً ضد الحركة، ما جعل الحركة في موقف حرج للغاية لأول مرة في تاريخها، وأثار تساؤلات حول مستقبلها كقوة واحدة متماسكة بعد تزايد وتيرة الانشقاقات في صفوف عناصرها. واللافت هو أن جميع هذه التطورات أتت في وقت رضيت فيه الحركة بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية، مع العلم بأن هناك شريحة كبيرة داخل الحركة، خصوصاً في المجلس العسكري تعارض التفاوض مع الحكومة، وتعوّل على الخيار العسكري، وبالتالي قد يكون الخيار البديل لدى بعض هؤلاء الانضمام إلى "داعش".
ويبقى السؤال الأهم المطروح هو حول كيفية تعامل الحكومة الأفغانية مع الصراع القائم بين "طالبان" و"داعش" واستغلاله لصالح أفغانستان وبالتحديد في ملف المصالحة الوطنية الأفغانية، إذ أن الحركة تواجه حالياً ضغوطات متزايدة، من شأنها أن تجبرها على قبول المصالحة الشاملة لكافة أطياف الصراع الأفغاني بهدف القضاء على الأزمة الأمنية التي دامت أكثر من ثلاثة عقود.
وتعليقاً على القضية، يقول عضو البرلمان الأفغاني المولوي شاهد الله شاهد، إنه يتعيّن على الحكومة أن تتعامل مع القضية باهتمام، كي تجبر "طالبان" بحكم الضغوطات المتزايدة عليها على الحوار معها. ويلوّح شاهد إلى أن هناك فرقاً شاسعاً بين كل من الحركة والتنظيم في الأفكار والأهداف، وتشير المعطيات على الأرض إلى استمرار الصراع بينهما.
فيما يرى العضو في البرلمان القاضي عبد الرحيم، أن الصراع هو بين الإمارة والخلافة ولا بد أن يستمر، وأنه لا محالة يصب في مصلحة الجهود الرامية لحلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية، شرط أن تتعامل الحكومة مع الملف بحذر.
وترتفع وتيرة التوتر بين حركة "طالبان" وتنظيم "داعش" في وقت تُعقد فيه جلسات حوار غير رسمية بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان"، وكان آخر تلك الجلسات قد عقد في دبي الأسبوع الماضي، والتي كانت تمهيداً لاجتماع مهم يتوقع عقده في الدوحة بين الطرفين مباشرة بعد عيد الفطر. وعُقدت حتى الآن ثلاث جلسات غير رسمية شاركت فيها شخصيات أفغانية وممثلو "طالبان". وعلى الرغم من أن الحركة تصر على أنها جلسات بين شخصيات أفغانية وممثلي الحركة بهدف تقريب وجهات النظر، غير أن مصادر في الحركة والحكومة الأفغانية تؤكد أن كافة تلك الجلسات تعقد بالتنسيق الكامل مع الحكومة الأفغانية، ويشارك فيها مندوبو الحكومة وعلى رأسهم الرجل القبلي البارز، وعم الرئيس الأفغاني قيوم كوشي.
اقرأ أيضاً: الرئيس الأفغاني يمهل باكستان شهراً لمحاربة "طالبان"