لم تعد الدعوات للتطهير العرقي وقتل المسلمين أمراً غريباً في الهند، مع تردد الحكومة في اتخاذ أي إجراء ضد هذه الأجندة المتطرفة، والتي تلقى دعماً وتأييداً من قبل قادة سياسيين ومسؤولين عن الأمن، لا سيما من قبل حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الحاكم والذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
الأخير الذي وصل إلى سدة الحكم في العام 2014 برسالة للنمو الاقتصادي، التزم بأجندة هندوسية أولاً، ليعزز الانقسامات الطائفية ويقوّي شوكة مجموعات هندوسية متشدّدة تعتبر الهند وطناً قومياً وتسعى لتقويض دعائمه العلمانية على حساب الأقلية المسلمة التي تشكّل نحو 15 في المائة من سكان الهند (200 مليون نسمة).
اليوم بات المتطرفون الهندوس يهيمنون فعلياً على السياسة في البلاد، ليصبح الداعون للعنف ضد المسلمين يشعرون بالحماية. ووصل الخطاب العنيف إلى مرحلة جديدة خطيرة، من دعوات للاستعداد لـ"قتل مليوني مسلم"، إلى محاولة عزل المسلمين بقرار حظر ارتداء الحجاب في مدارس جنوبي البلاد، وغيرها من الاعتداءات المتكررة.
ومع انتشار الرسائل اليمينية بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتردد الحكومة في اتخاذ أي إجراء، يتخوف مراقبون من وقوع حدث فردي، كنزاع محلي، أو هجوم من قبل جماعات إرهابية مثل "القاعدة" أو "داعش"، لتنفجر موجة عنف واسعة النطاق قد يكون من الصعب احتواؤها.
وما يزيد قلق مسلمي الهند على مصيرهم، أن هذا التوجّه العنصري ضدهم بات مكرساً داخل السلطة، بل نهجاً من المتوقع أن يسير عليه من يخلف مودي في السلطة، مع بروز اسم الراهب البوذي المعروف بتصريحاته المناهضة للمسلمين يوغي أديتياناث، الذي يقود حزب "بهاراتيا جاناتا" في أوتار براديش، أكبر ولاية هندية من حيث عدد السكان، والذي يتحوّل إلى أبرز المرشحين لخلافة رئيس الوزراء الحالي.
دعوات لقتل المسلمين في الهند
ويجد خطاب بعض الهندوس المتطرفين التحذيري من المسلمين في الهند، وبأنهم يسعون لتحويل البلاد إلى دولة مسلمة، والحديث عن أن "طالبان" و"داعش" نموذجان لما يمكن أن يحصل، ودعوة الهندوس إلى "الاستعداد للحرب"، انعكاسات واضحة المعالم على أكثر من صعيد.
في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، كانت مدينة هاريدوار الواقعة شمال الهند، والتي تُعتبر إحدى الأماكن المقدسة لدى الهندوس، شاهدة على إحدى الوقائع المحرضة على المسلمين. أمام حشد كبير من الجمهور والآلاف من المشاهدين عبر الإنترنت، كان رهبان هندوس يدعون للعنف ضد الأقلية المسلمة، وروجت خطاباتهم "لقتل مليونين منهم".
وبعد أن أثارت مقاطع الفيديو الخاصة بالحدث غضباً وطنياً، حضرت الشرطة إلى المعبد الهندوسي مكتفية بتحذير الرهبان من تكرار خطاب الكراهية. منظم الحدث المعروف بخطابه العنيف، ياتي نارسينغاناند، طمأن الرهبان بأنهم "سيكونون إلى جانبنا"، في إشارة إلى الشرطة، وفق مقطع فيديو انتشر، كما قالت صحيفة "نيويورك تايمز".
لاحقاً اعتُقل نارسينغاناند بعد أن تجاهل تحذير الشرطة وكرر دعواته إلى العنف. لكن تصرفه ليس فردياً، ففي المعبد الذي يرأس الكهنة فيه، تنتشر علامات تدعو للاستعداد لـ"حرب دينية"، مع دعوة الهندوس إلى تقدير أسلحتهم "تماماً مثلما تُقدر الزوجات المخلصات أزواجهن".
على الرغم من انتشار دعوات رهبان هندوس إلى حمل السلاح، فإن مودي وكبار قادة حكومته التزموا الصمت
وعلى الرغم من انتشار دعوات رهبان هندوس إلى حمل السلاح، فإن مودي وكبار قادة حكومته التزموا الصمت، بل إن أعضاء صغارا من حزب مودي لطالما حضروا احتفالات دينية شهدت دعوات للعنف، وكثيراً ما نشر رهبان صوراً مع كبار القادة.
وتتعزز الرسائل المتطرفة والكراهية الطائفية في ظل "الموافقة الضمنية" عليها من قبل مسؤولين سياسيين وأمنيين لا يتحركون لوقفها، وفق صحيفة "نيويورك تايمز". ونقلت عن القاضي المتقاعد في المحكمة العليا روهينتون فالي ناريمان، قوله: "لسوء الحظ، فإن المستويات العليا الأخرى في الحزب الحاكم لا تلتزم الصمت بشأن خطاب الكراهية فحسب، بل تكاد تؤيده".
وإزاء هذا الواقع، تجد هذه الأجندة صدى لدى مجموعات مسلحة تزداد جرأة في الاعتداءات. وتقوم هذه المجموعات بضرب أشخاص متهمين بعدم احترام الأبقار التي يعتبرها بعض الهندوس مقدسة؛ كما يقومون بسحب أزواج من القطارات والمقاهي والمنازل للاشتباه في أن رجالاً مسلمين قد يغرون نساء هندوسيات، ويقتحمون تجمعات دينية للاشتباه في أن الناس يتحولون عن ديانتهم الهندوسية.
منع الحجاب في الثانويات
تطور آخر في سياق تزايد الاضطهاد لحق المسلمين كان مسرحه ولاية كارناتاكا جنوبي الهند، التي يهيمن حزب "بهاراتيا جاناتا" عليها، مع إصدار مرسوم يمنع تلميذات الثانويات الحكومية من ارتداء الحجاب، والذي سرعان ما اعتمدته مؤسسات تعليمية أخرى في الولاية.
هذا الأمر دفع إلى احتجاجات واسعة وغضب في صفوف التلامذة المسلمين، لتضطر السلطات في الولاية يوم الثلاثاء الماضي لإعلان إغلاق المدارس الثانوية لثلاثة أيام.
شهدت ولاية كارناتاكا احتجاجات بعد قرار بمنع ارتداء الحجاب في الثانويات
وشهد يوم الثلاثاء تظاهرات استخدمت فيها الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين في حرم مدرسة حكومية. وقالت عائشة، التلميذة في جامعة المهاتما غاندي بمدينة أودوبي "فجأة يطلبون منّا ألا نرتدي الحجاب... لماذا الآن؟". وأضافت لوكالة "فرانس برس" أنّ أستاذاً طردها من امتحان الكيمياء لارتدائها الحجاب. وتابعت "لسنا ضد أي ديانة. لا نحتجّ ضد أي شخص. نطالب بحقوقنا فحسب".
من جهتها، قالت مديرة المنظمة الإسلامية للفتيات في كارناتاكا سميّة روشان، خلال مؤتمر صحافي الإثنين، إنّ القرار "تمييزي بطبيعته ويتعارض مع الحقوق التي ينصّ عليها الدستور الهندي". واعتبرت أنّ منع ارتداء الحجاب هو تعدٍّ على "قرار شخصي يحقّ للتلميذات اتخاذه ولا يؤذي أحداً".
أما الناشطة أفرين فاطمة، فاعتبرت أن "ما نراه هو محاولة لإخفاء المرأة المسلمة وإخراجها من الأماكن العامة". وقالت إن الحظر هو تتويج لمناخ متزايد من الكراهية ضد المسلمين.
متطرفون يهيمنون على الحكم
وعلى الرغم من تصاعد هذه الحوادث، فإن مودي ينظر في الاتجاه الآخر، حتى بات المتطرفون اليوم "يهيمنون الآن على السياسة في الهند بطريقة تجعل الذين يدعون إلى العنف يشعرون بالحماية، وهو ما قد يؤدي لعواقب لا يمكن تخيلها"، كما يقول الكاتب ديريندرا جها، الذي درس صعود القومية الهندوسية.
ومودي راقب عن كثب كيف يمكن أن تتحول التوترات غير المضبوطة إلى إراقة دماء. فعندما كان رئيس وزراء ولاية غوجارات، في العام 2002، شاهد كيف استهدفت حشود غاضبة الجالية المسلمة مما خلّف أكثر من ألف قتيل، وذلك بعد حريق في قطار تسبّب بمقتل 59 حاجاً هندوسياً.
على الرغم من ذلك، اعتمد مودي منذ وصوله للحكم سياسة عززت هذا التطرف. وهو اختار في العام 2017، يوغي أديتياناث، وهو راهب كان قد أسس مجموعة شبابية متهمة بارتكاب أعمال عنف أهلية، لقيادة ولاية أوتار براديش، أكبر ولاية هندية تضم أكثر من 200 مليون شخص.
يوغي أديتياناث، المرشح الأبرز لخلافة مودي، متهم بارتكاب أعمال عنف طائفية
اليوم يقود أديتياناث حملة لإعادة انتخابه على رأس الولاية، وفي حال فوزه المتوقع، سيصبح في موقع الصدارة لخلافة مودي في رئاسة الوزراء. وكان أديتياناث قد أصدر تشريعات لحظر التحول إلى الدين عن طريق الزواج، كما عملت مجموعته كشرطة أخلاقية، ولاحقت الأزواج عبر الأديان وعاقبت أي شخص يشتبه في عدم احترامه للأبقار.
وأثناء حملة أديتياناث لإعادة انتخابه، عقدت المجموعة اجتماعاً في نيودلهي، أقسم الحاضرون اليمين لتحويل الهند إلى دولة هندوسية، حتى لو كان ذلك يعني القتل من أجلها.
وازدادت شعبية هذا الكاهن البوذي بسرعة حتى خارج ولاية أوتار براديش نتيجة خطاباته النارية وصورته كقائد متمسك بمواقفه مهما كان الثمن.
وقالت الصحافية والمعلقة السياسية سونيتا أرون لوكالة "فرانس برس": "يجاهر بسياسته وأيديولوجيته الهندوسية من دون تردّد، ويقدّم نفسه كزعيم هندوسي، وهذا ما يجذب الجماهير والأصوات". وأضافت "عندما يتهجّم على المسلمين، يستقطب انتباه الجماهير".
في الفترة التي سبقت الانتخابات، قال أديتياناث إن الانتخابات ستكون معركة بين "80 في المائة و20 في المائة"، في إشارة إلى الانقسام الديمغرافي للولاية دينيا. وفي أحد التجمعات الانتخابية الحاشدة، كان الحضور يهتف عالياً في كل مرة كان يسخر فيها من الناخبين المسلمين.
وهو كتب على "تويتر" الشهر الماضي: "إنهم يعبدون جناح"، في إشارة إلى محمد علي جناح، مؤسس باكستان. وأضاف "إنهم يعشقون باكستان، نحن نضحي بحياتنا من أجل ما بهاراتي (الهند الأم)".
وأديتياناث ملاحق بالعديد من القضايا الجنائية المعلقة في محاكم مختلفة. في العام 2007، سجن 11 يوماً لمحاولته إثارة توتر مجتمعي. وقال في أحد خطاباته "إذا قتلوا (المسلمون) هندوسياً واحداً، سنقتل 100 مسلم".
وأفادت تقارير إعلامية هندية أن عمليات إعدام خارج القضاء نفذت خلال فترة حكمه للولاية في أكثر من 100 شخص متهمين بارتكاب جرائم، ومعظمهم من المسلمين أو من طبقة الداليت التي تعتبر طبقة دنيا في المجتمع.
ويتماشى أسلوب أديتياناث السياسي بقوة مع حزبه المتهم بتعزيز التعصب الديني بهدف تحقيق مكاسب انتخابية. ويبدو أن أديتياناث يمثل ثقلاً موازياً لمودي، إذ إنه يقود أجندة الغالبية الهندوسية للحزب بشراسة فيما رئيس الوزراء مقيّد إلى حد ما بسبب الالتزامات التي يفرضها منصبه.
داخل الحزب، يعتبر خلفاً محتملاً لمودي الذي يكبره بـ20 عاماً. وسيساهم فوزه في الانتخابات التي تمتد لأكثر من سبع جولات من التصويت قبل عملية فرز الأصوات في أوائل مارس/آذار الحالي، إلى تعزيز ذلك.
(العربي الجديد)