أعلن عدد من نواب المعارضة في مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، أمس الثلاثاء، عن بدء اعتصام مفتوح في البرلمان، احتجاجاً على تعطل انعقاد جلسات مجلس الأمة العادية، لمدة تجاوزت الشهرين.
وجاءت الخطوة التي أطلقوا عليها "اعتصام بيت الأمة" بالتزامن مع بدء جلسة خاصة عقدت أمس الثلاثاء، (قاطعوا حضورها كذلك) والتي أقرّ خلالها مجلس الأمة، بإجماع الحضور البالغ عددهم 38 (من أصل 50)، عبر المداولتين الأولى والثانية، منحة مالية بقيمة 3000 دينار كويتي (نحو 10 آلاف دولار تقريباً) لكل متقاعد.
وأعلن مجموعة من نواب المعارضة عن اعتصامهم في البرلمان، عبر تغريدات مشتركة، على حساباتهم في موقع تويتر، مع بدء الجلسة الخاصة: "رفضاً لتعطيل أحكام الدستور، وشل الحياة السياسية، والعبث بمقدرات الوطن، والابتزاز السياسي، نبدأ نحن نواب مجلس الأمة اعتصامنا في البرلمان".
السيادة للأمة
وبلغ عدد الأعضاء الذين قاطعوا الجلسة 18 عضواً، بينما بلغ عدد المعتصمين في مجلس الأمة 17 عضواً.
وحول ذلك، قال عضو مجلس إدارة "الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام" فيصل البريدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ اعتصام النواب "هو اعتراض سلمي راقٍ، على تعطيل البرلمان لأكثر من شهرين بحجة استقالة الحكومة، في انتهاك صارخ لأحكام الدستور، الذي نصّ صراحة في المادة (6) على أن السيادة للأمة، وهي مصدر السلطات". وأضاف: "بالتالي فهي خطوة مستحقة يجب استمرارها، حتى يعود البرلمان لممارسة سلطاته، وكي لا تتحول هذه المؤسسة التشريعية إلى إدارة تابعة لمجلس الوزراء".
ويرى البريدي أنّ هذه الخطوة "سابقة تاريخية لم تشهدها المجالس المتعاقبة منذ المجلس التأسيسي، وهي أول رد فعل عملي على تعطيل الحياة البرلمانية منذ استقالة الحكومة".
ويعتقد البريدي أنّ المشهد السياسي في الكويت "غير واضح منذ الجلسة الافتتاحية للمجلس الحالي، رغم أنّ هناك حالة من التفاؤل سادت بعد الدعوة للحوار الوطني (الذي دعا إليه أمير الكويت بين السلطتين التشريعية والتنفيذية)، وصدور مرسوم العفو (عن المتهمين بقضية دخول مجلس الأمة عام 2011 والتي صدرت بها أحكام على رموز من المعارضة)، لكن تم استغلاله من قبل رئيسي السلطتين (التشريعية والتنفيذية) لاستمرارهما وابتزاز النواب".
وأعلن النائب محمد المطير عن تأييده اعتصام النواب، والذي كان قد أعلن يوم السبت الماضي عن مقاطعته الجلسة الخاصة لمجلس الأمة بشأن المنحة المالية للمتقاعدين.
ودعا النائب شعيب المويزري النواب المعتصمين إلى اجتماع في مكتبه في مجلس الأمة، وأصدروا بياناً مشتركاً عقب انتهاء الاجتماع، طالبوا من خلاله بـ"عدم تعطيل العمل بأحكام الدستور، والاحتكام إلى الخيارات التي نصت عليها مواده، وتحديداً المادة (102) من الدستور"، وذلك "احتراماً للإرادة الشعبية التي عبر عنها 26 نائباً، بعد الاستجواب الأخير لرئيس الوزراء، وانتصاراً للشعب الكويتي وحقوقه ومكتسباته المعطلة".
وتمنح المادة (102) من الدستور الكويتي أمير البلاد، فيما إذا أعلن مجلس الأمة بأغلبية الأعضاء عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، بعد رفع الأمر إليه، إما بـ"أن يعفي رئيس مجلس الوزراء، ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة".
تأييد لاعتصام النواب
وأصدر 19 نائباً سابقاً، أبرزهم فيصل المسلم وبدر الداهوم، ورئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون، والمفكر الكويتي عبد الله النفيسي، بياناً مشتركاً أشادوا من خلاله بـ"موقف الأخوة النواب الذين أعلنوا الاعتصام في مجلس الأمة، براً بقسمهم وانتصاراً للدستور، وبما يحفظ حق الأمة، باعتبارها مصدر السلطات جميعاً في ممارسة سيادتها في الرقابة الشعبية". وأضافوا في البيان أنّ "ما تشهده الكويت من انتهاك لأحكام الدستور، وتعطيل لمجلس الأمة عن ممارسة دوره، على النحو الذي رسمه الدستور، مما يدعو إلى رفض هذا الانتهاك، والعودة إلى احترامه".
كذلك أصدر 24 ناشطاً سياسياً بياناً أعلنوا عبره تأييدهم اعتصام النواب. وجاء في البيان: "إن اعتصام الأخوة النواب في مجلس الأمة الحالي الذي تم الإعلان عنه اليوم، وبيان الأخوة النواب السابقين المؤيد له، يحتم علينا أن نعلن، وبشكل واضح، دعمنا وتأييدنا لهذا التحرك السياسي الراقي انتصاراً للدستور". ودعوا في البيان "جميع القوى السياسية في البلاد، وجميع أبناء الشعب الكويتي، إلى إعلان التأييد ورفض هذا السلوك الذي انتهجته السلطة، وحفاظاً على الحقوق والمكتسبات الشعبية الدستورية".
بدورها، أعلنت "الحركة التقدمية الكويتية" عن تفهمها "الأسباب والدوافع التي قادت مجموعة من أعضاء مجلس الأمة إلى إعلان الاعتصام اليوم في مقر المجلس، رفضاً لتعطيل أحكام الدستور وشلّ الحياة السياسية". ودعت، في بيان "جماهير الشعب الكويتي إلى دعم نواب الأمة المعتصمين ومساندتهم، وعدم التعامل مع هذا الاعتصام وكأنه شأن خاص بالنواب وحدهم".
وشددت "حركة العمل الشعبي" الكويتية، والتي يتزعمها المعارض السياسي البارز والنائب السابق مسلّم البراك، على "أهمية وضرورة الاعتصام المفتوح، للتصدي للاعتداء الواقع على النظام العام الدستوري بتعطيل جلسات مجلس الأمة". وطالبت بـ"ألا يفض الاعتصام حتى عودة الجلسات للانعقاد الطبيعي، وألا يسمح بأي شكلٍ من الأشكال بفض دور الانعقاد دون تعويض الجلسات التي لم يُدع لها".
من جانبها، دعت "الحركة الدستورية الإسلامية" (حدس)، الجناح السياسي لـ"الإخوان المسلمين" في الكويت، إلى احترام "هذه الوسيلة السلمية في التعبير عن الموقف السياسي الرافض لتعطيل انعقاد الجلسات، ونحيي الدور الوطني في التصدي للعبث بالدستور، وتعطيل مؤسسات الدولة"، وفق بيان لها. ورفضت أن تُعطّل أعمال مجلس الأمة بسبب استقالة الحكومة وتأخر تشكيلها، قائلة إنه "لا يجب أن يتجاوز المدد الدستورية المتعارف عليها، ولا يجب أن يستمر بما يخل بالرقابة الشعبية على أعمال الحكومة والأموال العامة".
"فصل" التيار الكهربائي
وقال النائب ثامر السويط، أحد النواب المعتصمين في مجلس الأمة، حسبما نقلت عنه صحيفة القبس الكويتية، إنّ "اعتصام النواب غير محدد المدة، وسيقومون بالمبيت في مكاتبهم".
وأعلن النائب حسن جوهر، عبر حسابه في "تويتر" عن فصل التيار الكهربائي عن مكاتب النواب المعتصمين، حيث قال: "بعد الفشل الذريع في تحصين وحماية رئيس الوزراء المقال بالأغلبية البرلمانية، يأتي الانتقام الرخيص في تعطيل خدمة الإنارة عن مكاتب النواب المعتصمين!".
ولكن الأمانة العامة لمجلس الأمة أوضحت أنّ "مبنى صباح الأحمد (مبنى مكاتب أعضاء مجلس الأمة الملاصق للبرلمان) من المباني الذكية المبرمجة على إطفاء الأنوار، وتخفيف الأحمال الكهربائية آلياً بعد ساعات العمل الرسمية"، وبأن هذا النظام "معمول به منذ افتتاح المبنى عام 2016".
كما كتب النائب شعيب المويزري، عبر حسابه في "تويتر"، أنّ رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم "يستخدم حرس المجلس لطرد سكرتارية النواب المعتصمين والصحافيين، ويصدر أوامره بمنع العاملين في المجلس من توصيل الوجبات الغذائية التي يطلبها النواب".
مواطنون يدعمون الاعتصام
وتداعى عشرات المواطنين الكويتيين إلى الاعتصام أمام مبنى مكاتب أعضاء مجلس الأمة، دعماً للنواب المعتصمين، ورفعوا شعار "رحيل الرئيسين" للمطالبة برحيل كلاً من رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة.
واعتصم المئات من المواطنين الكويتيين، في 26 مايو/ أيار الماضي، في ساحة الإرادة وسط العاصمة الكويت، احتجاجاً على ما وصفوه تعطيلاً لأعمال مجلس الأمة بسبب عدم انعقاد جلساته العادية.
يذكر أنّ مجلس الأمة لم يعقد جلساته العادية، منذ جلسة مناقشة استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، في 29 مارس/ آذار الماضي، والتي أعقبها إعلان 26 نائباً عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ما يعني الإطاحة بالحكومة، مما أدى إلى تقديمه لاستقالة الحكومة في 5 إبريل/ نيسان الماضي. وأصدر أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد في 10 مايو/ أيار الماضي، أمراً أميرياً بقبول استقالة الحكومة، وتكليفها تصريف العاجل من الأمور.