أثار إعلان المرجع الشيعي كاظم الحائري (84 عاماً) الذي يقطن في إيران، في ساعة متأخرة من ليلة أمس الأحد، الاعتزال الديني كمرجع لتردي وضعه الصحي، تساؤلات عدة، لا سيما وأنها حالة لم تحدث في أوساط المرجعيات الدينية الشيعية سابقا، خصوصاً أن بيان الاعتزال جاءت فيه توصية "المؤمنين من أتباعه" باتباع المرشد الإيراني علي خامنئي.
وذهب مراقبون إلى تفسيرات عدّة لهذا الاعتزال، من بينها أن الحائري، الذي يُعد من أكثر المراجع تشددًا، عُزل ولم يعتزل، في حين أشار آخرون إلى أن الإعلان الأخير يتزامن مع تأزم الوضع السياسي في العراق، وصعود زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على مستويات مهمة منها حوزة النجف، والقرار السياسي، رغم إعلانه اليوم الاعتزال وإغلاق كافة مؤسساته.
وجاء في بيان اعتزال الحائري، الذي نُشر الأحد، "عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية بسبب المرض والتقدم في العمر.. وإسقاط جميع الوكالات والأذونات الصادرة من قبلنا أو من قبل مكاتبنا وعدم استلام أية حقوق شرعية من قبل وكلائنا وممثلينا نيابة عنا اعتباراً من تاريخ إعلاننا هذا". كما دعا الحائري "المؤمنين" إلى "إطاعة الولي قائد الثورة الإسلامية علي الخامنئي، كونه الأجدر والأكفأ على قيادة الأمة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار".
وأضاف أنه "على أبناء الشهيدين الصدرين (يقصد محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو -في الحقيقة- ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب".
عقب البيان بساعات، أصدر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يعتصم المئات من أنصاره منذ نحو شهر داخل المنطقة الخضراء، وسط بغداد للمطالبة بحل البرلمان والتوجه نحو انتخابات جديدة، بياناً شديد اللهجة أعلن فيه اعتزاله العمل السياسي بشكل نهائي، وإغلاق المؤسسات المرتبطة بالتيار.
وقال الصدر: "يظن الكثيرون بمن فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم.. كلا إن ذلك بفضل ربي ومن فيوضات الوالد الذي لم يتخل عن العراق وشعبه"، مضيفاً "على الرغم من استقالته (الحائري)، فإن النجف هي المقر الأكبر للمرجعية، وما أردت إلا أن أقوم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".
وأردف "على الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع (الحائري) لم يكن محض إرادته وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضا، إلا أنني قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية، فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".
وبالرغم من أن بيان الصدر لم يتحدث عن الاحتجاجات والاعتصام لتياره في المنطقة الخضراء، إلا أنه سرعان ما توجه المئات من أنصار التيار الصدري الغاضبين باتجاه عمق المنطقة الخضراء من جهة، وما يُعرف بمنطقة "المربع الرئاسي" التي يقع فيها القصر الجمهوري، لرئيس الجمهورية.
وقال قيادي من التيار الصدري، إن "الإعلان الأخير للصدر عن الانسحاب من العملية السياسية جاء بعد التنكيل الذي لحق به من المرجع الحائري، فقد سعى الأخير إلى سحب الشرعية الدينية من الصدر، مع العلم أن الصدر لم يقل ولا ليوم واحد في حياته بأنه مرجع ديني، كما أن الحائري أراد أن يضرب مقتدى الصدر من خلال جمهوره".
وأكد القيادي الصدري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الجماهير الصدرية لها حق الاحتجاج والاعتصام، لأنهم عراقيون ولن يكون هناك أي منع من الصدر لهم في حال تبنوا خطوات تصعيدية ضد الطبقة السياسية والنظام الحاكم المرفوض شعبياً"، معتبراً أن "الغضب الشعبي لم يعد صدرياً فقط من الآن، وبعد أن غادر الصدر السياسة، على كل العراقيين أن يتوجهوا للمطالبة بحقوقهم وقلع الأحزاب الفاسدة، ومنع أي تدخلات إيرانية في بلادهم".
من جهته، رأى المحلل السياسي والباحث علي البيدر، أن "إيران عملت على تكسير أدوات الصدر للتحكم في المشهد العراقي، حتى وصلت أخيراً إلى عزله عن دوره الديني الشيعي ومحاولة فصله عن جماهيره، وتحويل ولائهم إلى خامنئي، وبذلك فهي تضع الشيعة على المحك في محاولة لكسب مزيدٍ منهم ليكونوا تحت الوصاية الإيرانية".
وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر محترف في التعامل مع هذه الضغوطات، وتحديداً الصادرة من إيران، لذلك ترك الرد إلى أنصاره بعد انسحابه من العملية السياسية، وهو يريد أن يكون العراق بعيدا عن الثورة الإيرانية، وأن يحدث التمرد الشيعي ضد عناوين ومرجعيات إيران".
والحائري مرجع شيعي مولود في مدينة كربلاء العراقية، عام 1938 ومقيم حالياً في مدينة قم الإيرانية، وكان من تلاميذ المرجع الشيعي "محمد باقر الصدر"، وبعد إعدامه رجع إليه الكثير من الأتباع الصدريين في التقليد وإدارة شؤونهم السياسية، وأسس حوزة علمية باللغة العربية في مدينة قم بعد هجرته إلى إيران. وبعد عام الاحتلال الأميركي للعراق، أسس حوزة علمية في العراق، ويُعد من أكبر المناوئين لمقتدى الصدر، وقد اعتبره من "الجهّال" في أكثر من بيان رسمي.
وأصدر الحائري عدة فتاوى سياسية لاذعة منها ما دعم الفصائل المسلحة العراقية للقتال خارج الحدود العراقية، إضافة إلى جواز القيام بالعمليات الانتحارية، ومنها فتوى (جهادية) ضد حزب البعث الحاكم في العراق أجاز فيها قتل البعثيين صراحة، وفتوى أخرى لصالح النظام السوري، واعتبر حينها أن كل من يُقتل دفاعاً عن النظام السوري، فهو "شهيد"، لأنه دفاع عن ما اسماها "بيضة الإسلام"، وفتوى للقتال ضد تنظيمات "القاعدة والنصرة وداعش"، وقال إن كل من يقتل في مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية فهو "شهيد"، وفتوى أصدرها لشيعة البحرين يحرضهم فيها على التصدي للحكومة البحرينية، وفتوى حرّم فيها "التحالف الثلاثي" بين التيار الصدري والقوى السنية والكردية (تحالف وطن) الذي شكّل الكتلة الأكبر في البرلمان قبيل استقالة "الكتلة الصدرية" من مجلس النواب.