روى الأسير الفلسطيني زكريا الزبيدي، لأول مرة تفاصيل انتزاع حريته مع خمسة أسرى آخرين من سجن "جلبوع"، في ما عرف لاحقاً بعملية "نفق الحرية"، والتي أثارت تفاعلاً دولياً واسعاً، في سبتمبر/أيلول الماضي.
وتحدّث الأسير الزبيدي، لمحامية "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" حنان الخطيب، التي تمكّنت من زيارته في عزل سجن "ريمونيم"، وفق ما ذكرته الهيئة في بيان.
وقال الزبيدي: "كنت أقبع في قسم 4 بسجن جلبوع عندما سألني الأسير أيهم كممجي: (فيه طلعة)، وسألني عن استعدادي لذلك، فقلت: (أنا اللي بطلع)".
وأضاف: "قبل أسبوع من العملية، طلبت الانتقال إلى غرفتهم لأطّلع على الموضوع، وعندما دخلت، ورأيت الحمام، عرفت أننا سننجح بالخروج، وسألتهم عن التكتيكات، والخطة المرسومة، وكيف سنسير في النفق لأنني لم أجرب الدخول إليه سابقاً، فأخبروني بأنّ السير سيكون يداً للأمام ويداً للخلف، والمشي بطريقة الحلزون، ولكن يوجد مقطعان يجب النوم فيهما على الظهر، والسير زحفاً".
وتابع الزبيدي: "يوم العملية جاء أحد السجانين، وبدأ بفحص فتحة الصرف الصحي، فرأى تراباً مبلولاً، فثارت الشكوك بداخلنا، فتدخلت، وبدأت بمناداة الأسرى لخلق حالة إرباك، وعندها أطبقوا الفوهة، وذهبوا إلى التفتيش بالغرفة المجاورة، فأخبرت الشباب أنّ الوضع لا يحتمل التأجيل، ويجب أن نخرج الليلة من النفق".
وأشار إلى أنه "في البداية، دخل النفق مناضل انفيعات، وتلاه محمد العارضة، وبعدهما يعقوب قادري، ثم دخلت أنا، وبعدي أيهم كممجي، وآخرنا كان محمود العارضة، وداخل النفق علقت، وشعرت أنّ جسمي لا يتحرك لنحو ربع ساعة، وكانت المنطقة مظلمة، وعندها طلب مني أيهم ومحمود مواصلة السير، وأخبرت يعقوب الذي كان أمامي بأنني عالق، فظن أنّ الحقيبة تعرقل مسيري، فقام بسحبها مني، فقلت له إنّ جسمي عالق بالنفق، وأنا لا أستطيع التحرك، وبعد محاولات عديدة خلصت نفسي، وواصلت المسير".
وقال الزبيدي: "وصل يعقوب إلى فوهة النفق منهك القوى، أما أنا فرفعت يدي، وقام مناضل انفيعات بانتشالي وإخراجي من فوهة النفق، وبعد أن خرجنا جميعاً قطعنا الشارع، وكادت سيارة أن تدهس أيهم، وحينها أيقنا بأنه سيتم الإبلاغ عنا، فقلت لهم سنقطع أرض القطن بسرعة لأنهم سيبلغون عنا، ويجب أن نجري، وأثناء ذلك رأينا طائرة هيلوكوبتر، وسيارات شرطة، فتأكدنا أنه تم الإبلاغ عنا".
وأضاف "بعد حوالي كيلومتر من السير، تعب يعقوب، ولم يعد يقوى على الجري، فتوقف وقال: اتركوني واذهبوا، فالمهم أن تنجوا، فرفضنا جميعاً، وقلت له اتكئ عليّ، فاستند عليّ، وواصلنا السير، وكنا نمشي في أرض زراعية محفورة، إلى أن وصلنا إلى قرية الناعورة، وهناك اغتسلنا في الجامع، واستبدلنا ملابسنا، وعندما لم تأت السيارة لنقلنا، خاب أملنا، وقررنا الانفصال إلى أزواج، وكان نصيبي مع محمد العارضة، وواصلنا المسير بطريق لا نعرفها، وكان همنا الخروج من البلدة، ومشينا حوالي 7 ساعات، وعندما حلّ النهار أحسست بجسم يرتطم بالأرض، فقال لي محمد إنها أبقار".
وتابع "كنا جالسين بأحد الأحراش، ورأيت شجر الصنوبر الذي زرعه الاحتلال في مكان شجر الزيتون، وكان بجانب إحدى الشجرات فروع زيتون نابتة، فقلت لمحمد: شوف كيف زرعوا صنوبر محل الزيتون. بس الأساس طالع من جذره، قطعوا الزيتون بس نسيوا أن له مد، هم يقطعوا الشجرة لكن ما بقدروا يقطعوا مد الزيتون".
وأكمل: "قبل اعتقالنا بيوم، اختبأنا في مبنى قيد الإنشاء، ودخلت الشرطة الإسرائيلية لتفتش ولم تجدنا، وكنا مختبئين بالطابق الثاني، وكنت أتسلق شجرة للاستطلاع، وتفاجأت بحجم التفتيش، وإغلاق الأماكن لم يكن طبيعياً، وحجم التحركات والوسائل التي استعملتها الشرطة الإسرائيلية. لم أتوقع أن نصمد بالخارج 6 أيام من دون اعتقالنا، علماً أنهم كانوا على مقربة منا عدة مرات، ولم يعثروا علينا. كان معنا جهاز راديو، وعلمنا أنه تم اعتقال محمود ويعقوب، ولكننا لم نخف، فنحن طالبو حرية".
وتابع الزبيدي "ذهبنا لاستكشاف ما حولنا، فرأينا أرضاً بها خروب، فأكلنا منه، وبالصدفة مر شخصان (بتراكتورون)، فنزل أحدهما وأعطانا زجاجة ماء، وبعد أن ذهبا حاولنا الركض لأننا شعرنا بأنهما سيبلغان عنا، واختبأنا حوالي ساعتين تحت شجرة، وكانت سيارات الشرطة تمرّ من جانبنا، وبعدها رآنا شخص كان برفقة طفلة صغيرة، فتحدث معه محمد، وأنا جلست وسلّمت على الطفلة، ولكن بعد دقائق رأينا طائرات الهيلوكوبتر، وقوات كبيرة من الشرطة، فدخلنا تحت سيارة كبيرة".
ووفق الزبيدي "كان محمد يضع على رأسه حجراً كحماية، وبعد مرور 3 إلى 4 ساعات، تعب محمد من الحجر، ما اضطره للتخلص منه، وعندما رماه رآه أحد الجنود، فتم اعتقالنا بالقرب من قرية أم الغنم، في منطقة الجليل الأسفل".
يشار إلى أنّ الأسير الزبيدي من مخيم جنين، ويعتبر من رموز "انتفاضة الأقصى" والقائد السابق لكتائب "شهداء الأقصى" الذراع العسكرية لحركة "فتح"، وهو من عائلة مناضلة، وشقيق المحررين يحيى وداوود الزبيدي، ووالدته وشقيقه استشهدا خلال اجتياح مخيم جنين عام 2002، كما أنه انتخب في المؤتمر السابع لحركة "فتح" عضواً في المجلس الثوري للحركة، وهو مدير عام في "هيئة شؤون الأسرى والمحررين".
وهذا هو الاعتقال الخامس للأسير الزبيدي، إذ اعتقل أول مرة وهو قاصر خلال "انتفاضة الحجارة"، كما أنه متزوج وأب لطفلين.
واعتقلت قوات الاحتلال الأسرى الستة الذين تمكنوا من الفرار من سجن "جلبوع" على فترات، بعد أيام من هروبهم.