أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأول الخميس، اعتقال المزارع الفلسطيني ماهر السعيد تركمان (51 عاماً)، من سكان وادي برقين في محافظة جنين، بعد 9 أشهر من ملاحقته بشبهة ضلوعه في عملية إطلاق النار على حافلة جنود في منطقة الأغوار ومحاولة إحراقها في الرابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، ما أدى حينها إلى إصابة 6 منهم.
بعد نحو ساعتين من تنفيذ العملية، اعتقل الاحتلال الشابين محمد ماهر تركمان وابن عمه محمد وليد تركمان، وهما في العشرين من عمرهما، بعد أن اندلعت النار في المركبة التي كانا يستقلانها، وانفجار خزان الوقود، ما أدى إلى إصابتهما بجراح وحروق خطرة، فيما أعلن أن شخصاً ثالثاً تمكن من الفرار وهو ماهر، الذي يملك سجلاً سابقاً من الاعتقالات في سجون الاحتلال الإسرائيلي على خلفية محاولاته لتنفيذ عمليات فدائية.
وفي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أعلنت سلطات الاحتلال استشهاد محمد، وهو نجل ماهر، متأثراً بحروقه الشديدة، ليَظهر آنذاك والده لأوّل مرّة كاشفاً عن وجهه وسط مخيم جنين شماليّ الضفة الغربية، وإلى جانبه مجموعة من المقاومين.
وكان ماهر تركمان يقيم في منطقتين: الأولى مسقط رأسه بحيّ واد برقين حيث توجد عائلته، وفي بيت في منطقة الأغوار، حيث كان يمتهن تربية المواشي.
يواجه الظلم
يؤكد شقيقه وليد تركمان لـ"العربي الجديد" أن "ماهر إنسان بسيط، متسامح إلى أبعد الحدود، لكنه بالمقابل كان شرساً في مواجهة الظالمين، لا يسكت عن الظلم، كان باراً بوالديه، حيث عمل على خدمة أبيه الذي يسكن معه في بيته بالأغوار طوال فترة مرضه حتى توفاه الله، فوهب نفسه لخدمة أمه المريضة المقعدة حتى طورد من الاحتلال".
ويوضح وليد أن شقيقه ماهر "كان على احتكاك دائم مع الاحتلال، الذي كان يرفض منذ عقود السماح لنا بتعبيد مدخل البيت في الأغوار لتسهيل نقل والديّ إلى المستشفى، حيث كنّا نضطر إلى حملهما لعشرات الأمتار بسبب الطريق الوعرة، حالنا حال آلاف الفلسطينيين القاطنين هناك".
يتابع وليد: "أخي وضعه المادي ممتاز، ولم يكن ينقصه أي شيء، فعندما يقدم ومعه ابنه وابني على تنفيذ عملية بهذه الدقة والخطورة تطرح على نفسك سؤالاً عن سبب إقدامه على ذلك! الجواب هو الاحتلال وظلمه، وأكرر: ماهر يسامح في كل شيء إلا الظلم".
المناضل منذ زمن
واعتقل ماهر لأول مرة عام 1990 بعد اتهامه بالتخطيط لعملية فدائية قال الاحتلال الإسرائيلي إنه تمكن في اللحظات الأخيرة من ضبط عبوات ناسفة، وأمضى على إثر ذلك نحو أربع سنوات في سجون الاحتلال.
وعن ذلك يقول وليد تركمان: "لقد أثرت تلك الفترة بشقيقي ماهر كثيراً، وصقلت شخصيته، علماً بأنه اعتقل وكان منتمياً إلى حركة فتح، ثم انتمى إلى حركة حماس، وما زال عضواً فيها".
وفي عام 2000، حاول ماهر، كما يقول شقيقه وليد، استدراج ضابط مخابرات إسرائيلي وتصفيته، لكن العملية اكتشفت، واعتقل على إثرها لعامين في سجون الاحتلال.
المقاومة في دمه
رغم تعهد ماهر تركمان لزوجته صبحية حسين كيوان بعد الإفراج عنه بعدم الانخراط في العمل العسكري، فإن مقاومة الاحتلال تعشّش في قلبه ووجدانه، حيث لم تلحظ أقرب الناس إليه أنه منخرط في المقاومة.
تقول زوجته لـ"العربي الجديد": "مرت الأشهر التسعة الماضية من مطاردة ماهر وكأنها 9 سنوات، لم نذق خلالها طعم النوم، كنا نتلقى يومياً كماً كبيراً من الأخبار عن ماهر، ونعيش ترقباً شديداً بشأن مصيره".
وتابعت: "كنا نجهل مصيره في ظل تضارب الأنباء، ومع إعلان الاحتلال اعتقال ابني محمد وابن عمه محمد وهما في حالة صحية صعبة إثر الانفجار الذي وقع في مركبتهما بعد تنفيذ العملية، حاولنا طوال أسابيع الحصول على معلومة عنهما، حتى جاء نبأ استشهاد ابني متأثراً بحروقه، واحتجاز جثمانه".
ومع إعلان الاحتلال أن ماهر شريك في العملية، انقطع الاتصال بزوجته كلياً، تقول: "لم أكن أعلم عنه شيئاً إلا من خلال ما ينشر عبر الإعلام، وتعرض منزلنا لمداهمات كثيرة من جيش الاحتلال بحثاً عنه".
بعد عملية الأغوار بفترة وجيزة، اعتقل الاحتلال محمود تركمان (16 عاماً)، وهو الابن الأصغر لماهر، وفي 12 إبريل/ نيسان الماضي، اعتقل الاحتلال ابنه الأكبر أحمد، لتزداد معاناة العائلة، حيث تقول الزوجة بلهجة تحمل يقيناً كبيراً: "يكفي أن الله معنا، وهو الذي لا ينسانا، نحن مؤمنون بقضائه وقدره، صابرون محتسبون، لسنا أول عائلة، ولن نكون الأخيرة، والظلم سيزول لا محالة".
القسامي الوحدوي
مصدر في المقاومة الفلسطينية طلب عدم كشف اسمه قال لـ"العربي الجديد" إن "الأسير تركمان يتبع كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، لكنه كان رجلاً وحدوياً جامعاً، وماهر شكل خلية عائلية إن صح لنا القول، مكونة إضافة إليه من نجله وابن أخيه، وهذا كان تحدياً كبيراً ونجحوا به، وهم يعلمون يقيناً المصير الذي قد يواجهونه، إما الاستشهاد وإما الاعتقال، ومع هذا مضوا في جهادهم، وأوجعوا الاحتلال، إذ كانت عملية الأغوار نوعية بامتياز".
ولفت المصدر إلى أن "تركمان يُعَدّ صاحب أطول فترة مطاردة أخيراً، إذ قاربت تسعة أشهر، في منطقة معقدة أمنياً وأقصد جنين ومخيم جنين، بل والضفة الغربية المحتلة برمتها، وكان ماهر حريصاً جداً في تحركاته وقليل الظهور، ولم يظهر مكشوف الوجه إلا في جنازة رمزية لابنه الشهيد محمد يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي".
وكشف المصدر أن الاحتلال، في عدة مرات، كان قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى تركمان واعتقاله، لكن العملية كانت تفشل في اللحظات الأخيرة.
الاحتلال يزعم.. هكذا نفذت العملية
وفقاً لما نشرته المواقع العبرية، فإن ماهر شرع في إعداد مخطّط العملية في إبريل/ نيسان 2022، أي قبل التنفيذ بنحو خمسة أشهر، حيث جهّز مركبة، وزوّدها بخزان وقود ومضخّة.
وفي صباح يوم التنفيذ، قطع ماهر بالسيارة طريق حافلة غير مصفَّحة كانت تقلّ جنوداً من وحدة "كفير" لم يمضِ على التحاقهم بالجيش سوى أسبوعين، وأعطى إشارة لنجله وابن شقيقه بضخّ الوقود في اتّجاه الحافلة تمهيداً لحرقها، فيما بدأ هو بإطلاق النار على الجنود.
غير أن قاذفة اللهب لم تعمل، فيما حاول الثلاثة، بعدما أفرغوا ما لديهم من رصاص، التخلّص من الوقود والمضخة، لكنّ النيران اندلعت في السيارة التي كان الشابان يستقلانها، فأصيبا بحروق بالغة، سهّلت عملية تتبّعهما ثمّ اعتقالهما، بينما تمكّن تركمان الأب من الانسحاب من الأغوار، قبل أن يَظهر لاحقاً في جنين.
وذكر جيش الاحتلال أن قواته اعتقلت تركمان ليل الأربعاء، في قرية اليامون، وحوّلته للتحقيق، عقب نشاط مشترك للوحدة الشرطية الخاصة والجيش وجهاز الشاباك.