الأمتار الأخيرة من السباق الرئاسي الأميركي: حظوظ هاريس تتبلور

04 نوفمبر 2024
ناخبون يدلون بأصواتهم في التصويت المبكر في شيكاغو، 3 نوفمبر 2024 (جاك بوكازكي/الأناضول)
+ الخط -

مع دخوله أمتاره الأخيرة، استقر السباق الرئاسي الأميركي بين دونالد ترامب وكامالا هاريس على فارق بسيط، ما يصعب معه التنبؤ بالنتائج وحتى الترجيح بشأنها، لكن في النهاية، لا بد أن يكون هناك خاسر ورابح. وإذا كان تقارب الأرقام لا يسمح بالتكهنات، فإن قراءة الأجواء ومعطيات الواقع قد تكون المدخل للاستدلال على مآلات المعركة.

المخطط الانتخابي المعروف جيمس كارفيل (ديمقراطي) استند إلى ما سمّاه "عقلانية الناخب وحسن نياته"، ليتكهن ويعلن عن "ثقته التامة بفوز كامالا هاريس"، وهو ليس الوحيد من بين المشهود لهم بصوابية استطلاعاتهم المبكرة. فقد سبقه إلى مثل هذا الاعلان أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في واشنطن آلن ليتشمن، الذي توقع هو الآخر فوز هاريس، والذي أصابت توقعاته في تسعة من أصل عشرة انتخابات سابقة. حتى المخضرم نات سيلفر المشهود له بدقة قراءاته الانتخابية، ومع أنه يرجح فوز ترامب بحوالي نقطتين، إلا انه لا يستبعد أن تتمكن هاريس في النهاية من تغيير المعادلة لو استطاعت استعادة المبادرة في الفترة المتبقية.

لا يعني ذلك أن كفة معركة السباق الرئاسي الأميركي باتت راجحة بوضوح لصالح كامالا هاريس. أهمية هذه التوقعات أنها تتكامل مع مؤشرات أخرى إيجابية لهاريس وسلبية لترامب تعزز هذا الاحتمال، من بينها ما أكده استطلاع مؤسسة غالوب أن "الديمقراطي يبدو متحمساً أكثر من الجمهوري" في هذه الانتخابات، وهذا مؤشر أولي لصالح هاريس. فحتى السبت 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أدلى حوالي 75 مليون ناخب بأصواتهم، في ما يسمى بالانتخابات المبكرة في مختلف الولايات، أي ما يوازي نصف عدد المقترعين تقريباً في عام 2020. كانت حصة الديمقراطيين فيها حوالي 38 مليوناً مقابل 36 مليوناً من الجمهوريين.

يليه مؤشر العنصر النسوي. في هذا المجال، تتقدم هاريس على ترامب حيث تحظى بتأييد 55% مقابل 41% لترامب. صحيح أن هذا الأخير يتفوق على منافسته في أصوات الذكور، 56% مقابل 40%، لكن لديه مشكلة مع الجيل الجديد، إذ قد لا يصوّت الشباب له، في حين أن الشق الجامعي من هذا القطاع خاصة المحسوب على الحزب الديمقراطي يؤيد كامالا هاريس وبقوة. ثم هناك شريحة متبقية بحدود 2% من المترددين حسب استطلاع شبكة "إن بي سي" الأحد (49% لكليهما)، تتجه "إما نحو التصويت لهاريس، وإما لمقاطعة الانتخابات"، وفق تقدير الجمهوري وحاكم ولاية نيوجرسي السابق كريس كريستي الذي سبق أن تعاون مع ترامب في ولايته الأولى. وفي ذلك مؤشر إيجابي أيضاً لهاريس لو تمكنت من استقطاب معظم أو بعض هذه الكتلة الرافضة نهائياً لترامب.

والمعروف أن هناك نسبة من المتأرجحين والمترددين قد تختار العزوف كلياً عن التصويت، من باب أن المرشح المرغوب مفقود، والمرشح المقبول لا يشجع حتى الآن. وهذه النسبة، على صغر حجمها، تمسك بمفتاح الفوز في هذه الانتخابات المتكافئة. حملة هاريس تركّز على هذا الفريق، على افتراض أنه يميل ضمناً نحوها، وأن ابتعاده من الأساس عن ترامب كان وراء بقاء هذه الأخيرة في الطليعة طوال الأشهر الثلاثة الماضية، ولو بفارق ضئيل. وما زالت هذه المعادلة على حالها حتى هذه اللحظة، حسب ما كشفه الأحد استطلاع شبكة "إن بي سي نيوز"، الذي جاء بتعادل 49% لكليهما، مع بقاء 2% في دائرة الانتظار المفتوح عملياً على التصويت في النهاية للمرشحة هاريس. وذلك غير مستبعد في ضوء التحولات الأهم التي جرت لصالحها، والتي تمثلت بالمفاجأة التي أعلن عنها بتقدم هاريس على ترامب في ولاية أيوا (47% - 44%) المحسوبة تقليدياً في خانة الحزب الجمهوري ومرشحه. وربما كان ذلك مؤشراً مبكراً لمفاجآت أخرى قد تكشف عنها الصناديق في وقت متأخر من ليلة 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.

طبعاً، الاستطلاعات لا يعوّل عليها للتنبؤ بالفوز أو الهزيمة لهذا المرشح أو ذاك في السباق الرئاسي الأميركي. فهي ليست أكثر من "لقطة اللحظة" التي تساعد في فهم نبض الناخب، خاصة غير الحزبي، وتسليط الضوء على همومه وأولوياته التي يأخذها في الحسبان لحسم خياره الانتخابي، لكن مع ذلك لا يصح إهمالها.

هاريس في هذه الحسابات ليست في وضع خطير ولو أنه مُهدّد. وقد ساعدها في تدعيمها وجعلها في موقع المنافس الندّ ما تدفق عليها في الأسابيع الأخيرة من تأييد واسع لمرجعيات ونخب سياسية (مسؤولون جمهوريون سابقون معارضون لترامب)، وقانونية (قضاة)، وأكاديمية، وإعلامية (نيويورك تايمز)، ومن مشاهير هوليوود الذين يترك تأييدهم عادة تأثيره على قسم من المترددين، فضلاً عن تأييد غير مباشر لبعض الجنرالات الذين عملوا مع ترامب، وحذروا من عودته إلى البيت الأبيض. بذلك، اصطف إلى جانبها فريق وازن من "الاستبلشمنت" الذي تحرك أخيراً بصورة ملحوظة ضد ترامب باعتباره منافساً جدّياً، للحيلولة دون وصوله إلى الرئاسة مرة ثانية. فهو يستند إلى رصيد انتخابي وازن في الولايات السبع الحاسمة.

حظوطه في ضوء الأرقام لا تقل عن حظوظ هاريس، لكن أعطابه الكثيرة، من خطابه السلبي الذي اتسم بالذم والقدح الفاقعين، إلى تلفيقاته المفضوحة، مروراً بعدم تماسك طروحاته وتضاربها، فضلاً عن تلويحاته بالتسلط، كلها أثارت الخشية من عودته. وحتى عدم عودته يثير الخشية، فهو يلوح مسبقاً وبوضوح بعزمه على رفض النتائج لو فازت هاريس. وتسرب أوساطه أنه يعتزم إعلان فوزه مبكراً بعيد إقفال الصناديق، وقبل الإعلان رسمياً عن النتائج. كما يعتزم، في حال خسر المعركة، عدم التسليم بالنتائج كما فعل في 2020، وبالتالي الدخول في منازعات قانونية حول الحصيلة في عدد كبير من الولايات، وجمع 95 مليون دولار من التبرعات لسد نفقات هذه الدعاوى. إشارات تشي بتخوف حقيقي من خسارته المحتملة للمعركة، إلا إذا أخطأت المؤشرات، وكان مجيء امرأة إلى الرئاسة في أميركا لا يزال من الممنوعات. احتمال قائم، ولو أنه مستبعد.