استنفر قادة الاحتلال الإسرائيلي جهودهم للهجوم على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتقرير لجنة التحقيق الدولية حول العدوان على غزة خلال الصيف الماضي، والذي خلص، أمس، إلى اتهام إسرائيل بارتكاب انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم حرب، في خطوة كانت متوقعة بعد سلسلة هجمات على اللجنة وأعضائها منذ تشكيلها.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تستعد للرد على التقرير الدولي حول جرائم غزة
وذكر التقرير، الذي صدر بعد تحقيق دام عاماً، أن "القيادة السياسية والعسكرية (الإسرائيلية) لم تغير مسار ما تفعله رغم المعلومات الكثيرة التي تتعلق بالدرجة المفرطة للقتل والخراب في غزة، مما يثير تساؤلات بشأن الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدولي من جانب هؤلاء المسؤولين، والتي قد تصل الى جرائم حرب".
وأضاف أن المسؤولية تقع على عاتق إسرائيل لتقديم تفاصيل بشأن كيفية اختيار أهدافها في غزة، "للسماح بتقييم مستقل لشرعية الهجمات".
وتحدث التقرير عن "القوة التدميرية" التي استخدمتها اسرائيل في غزة، إذ شنت أكثر من 6 آلاف غارة جوية، وأطلقت حوالى 50 ألف قذيفة مدفعية خلال العملية، التي استمرت 51 يوماً.
من جهة ثانية، اتهم التقرير جماعات فلسطينية بارتكاب انتهاكات خطيرة، بقوله "تمكنت اللجنة من جمع معلومات جوهرية تشير إلى ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي والقوانين الدولية لحقوق الإنسان من جماعات مسلحة فلسطينية. وفي بعض الحالات قد تصل هذه الانتهاكات إلى جرائم حرب". وأدان الإعدامات التي نفذتها جماعات فلسطينية "لمتواطئين" مزعومين، في إشارة إلى إعدام المقاومة لعملاء أثناء العدوان، وقال إن ذلك يشكل جرائم حرب.
مع ذلك، رحبت حركة "حماس" بتقرير الأمم المتحدة، وقالت إنه "إدانة" للاحتلال. وقال المتحدث، فوزي برهوم، لوكالة الأنباء الفرنسية: "ترحب حركة (حماس) بإدانة تقرير الأمم المتحدة للاحتلال الصهيوني في عدوانه الأخير على غزة وارتكابه جرائم حرب".
وشنت وزارة الخارجية الإسرائيلية هجوماً لاسعاً على اللجنة، وزعمت أن "من قرر وضع هذا التقرير هو مؤسسة (سيئة الصيت) منحازة، وقد مُنحت اللجنة كتاب تعيين منحاز". واتهمت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه "يعاني من هوس تجاه إسرائيل، وسبق له أن أصدر قرارات ضد إسرائيل أكثر مما أصدر قرارات ضد سورية وإيران وكوريا الشمالية مجتمعة".
وقال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، عامنويل نحشون: "لقد افترض كتاب تعيين اللجنة، منذ البداية أن إسرائيل مذنبة"، مضيفاً أن حكومة الاحتلال " تفحص كل شكوى بدون علاقة بمصدرها وستدرس نتائج التقرير بشكل جدي".
وهاجمت خارجية الاحتلال أعضاء اللجنة الدولية، وفي مقدّمتهم الأميركية، ماري ديفيز، زاعمةً أنهم "اعترفوا بأنه كانت تنقصهم معلومات مهمة لإكمال التقرير". وأسفت لأن التقرير لا يميز بين "الأخلاقيات العالية لإسرائيل وبين تطرف المنظمة الإرهابية".
ونقل موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إسرائيل ردت على التقرير رسمياً بقولها إنه "من المعروف للجميع أن العملية، التي أفضت إلى نشر هذا التقرير، مدفوعة من جهات سياسية".
كما أصدر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بياناً قال فيه إن التقرير "منحاز"، متهماً مجلس حقوق الإنسان بأنه "يقوم بكل شيء ما عدا الاهتمام بحقوق الإنسان".
في المقابل، سارع زعماء أحزاب إسرائيلية إلى الطعن في التقرير الدولي، واتهام واضعيه بمعاداة إسرائيل والنفاق. وقال زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان، إن "إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب، وإن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واللجان المنحازة التي يشكلها ترتكب بشكل دائم جرائم ضد الإنسانية ، عبر إعادة كتابة التاريخ وتشويه الحقائق".
أما وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينت، فادعى، بدوره، أن "هذا التقرير مصبوغ بالدم ويستبيح دماء اليهود".
وكانت إسرائيل قد رفضت منذ تشكيل لجنة التحقيق الدولية برئاسة، وليام شاباس، وبعد استقالة الأخير وتعيين الأميركية، ماري ديفيز، خلفاً له، التعاون مع اللجنة الدولية، وادعت أنها، وبحسب كتاب تعيينها، تتهم إسرائيل مسبقاً بارتكاب جرائم حرب.
في المقابل، عملت حكومة الاحتلال على استغلال "مبدأ التكامل" في القانون الدولي، الذي يلغي صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب في التحقيق في "حوادث وجرائم" سبق للحكومة، المشاركة في الحرب، أن أجرت تحقيقاً حولها.
وفي هذا الإطار، أعلن المدعي العسكري الرئيسي، داني عفروني، قبل أسبوعين عن "توسيع نطاق تحقيقات الجيش" في شكاوى حول جرائم الحرب. وتستخدم حكومة الاحتلال ذلك للادعاء بأنها أجرت تحقيقاً مستقلاً، ما من شأنه أن يقلل فعالية تحقيق المحكمة الجنائية الدولية.
غير أن حكومة الاحتلال رفضت إجراء تحقيق في أحداث يوم الجمعة الأسود في الأول من سبتمبر/ أيلول العام الماضي، عندما قامت بقصف مدفعي وجوي لرفح بعد أسر الضابط الإسرائيلي، هدار جولدين، لمنع فرار آسريه. ونفذت إسرائيل بروتوكول "هنيبال"، الذي يقضي باستخدام مكثف للنيران لمنع فرار آسري الجنود الإسرائيليين ولو كلف ذلك قتل الجندي الأسير. وأدى هذا القصف إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين في رفح.
وأفاد التقرير الإسرائيلي، الذي نشر الأسبوع الماضي، حول العدوان وتعتزم إسرائيل تعميمه ردّاً على التقرير الدولي، بأن أكثر من نصف شهداء العدوان على غزة كانوا من عناصر المقاومة المسلّحين. كما يتوقع أن تستعين إسرائيل في هذا السياق بتقرير وضعه رؤساء أركان سابقون لجيوش غربية، بناء على طلب من إسرائيل ، زعم أن إسرائيل التزمت بالقوانين الدولية خلال العدوان على غزة.