الإضرابات العمالية في مصر… حراك سياسي أم مطالب فئوية؟

23 سبتمبر 2024
سوق في القاهرة، 19 ديسمبر 2023 (محمود الخواص/Getty)
+ الخط -

تصاعدت حدة الإضرابات العمالية في مصر خلال الفترة الحالية، نتيجة تدهور الحالة المعيشية لملايين العمال بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية وانخفاض مستوى الدخل، وذلك على الرغم من القبضة الأمنية المشددة وشبه الاختفاء التام للفعل السياسي التقليدي في الشارع المصري، سواء من خلال الأحزاب والنقابات أو من خلال العمل السياسي الجماهيري، وهو ما طرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه الإضرابات في إعادة إحياء النشاط السياسي في مصر، والذي شهد تدهوراً ملحوظاً على مدار السنوات العشر الماضية. وعلى الرغم من قلة الإضرابات العمالية نتيجة القبضة الأمنية التي تفرضها السلطات المصرية بموجب قانون التظاهر على المواطنين، خصوصاً العمال، إلا أن أربعة إضرابات عمالية كبرى، شقت طريقها على مدار الأشهر الماضية من العام الحالي، بسبب غلاء الأسعار وانخفاض الدخل والتدهور المعيشي. وطاول ارتفاع الأسعار كل شيء في مصر، بنسب وصلت في الكثير من الأحيان إلى أكثر من 50%.

تنامي الإضرابات العمالية في مصر

وخرجت الإضرابات العمالية في مصر تعبيراً عن رفض زيادات الأسعار وغيرها، كما خرجت للمطالبة بزيادة الأجور، في أعقاب إعلان الحكومة عن زيادة الحد الأدنى للأجور، لكن الشركات التابعة للقطاع العام وقطاع الأعمال الحكومي رفضت تطبيق تلك الزيادات، ما اضطر العمال للمجازفة بالإضراب والتظاهر، الذي أدى إلى القبض على العشرات منهم أو فصلهم وتحويلهم للتحقيق الداخلي وتهديدهم. وعلى الرغم من التعامل الأمني مع الإضرابات العمالية في مصر إلا أن عدواها في تصاعد مستمر، من دون دعم أو ظهير سياسي أو نقابي، رغم أنها تعبر عن الإنهاك الشعبي من الضغوط الاقتصادية المتراكمة على مدار السنوات الأخيرة.

مع العلم أن كل الإضرابات التي استهدفت زيادة الأجور، كانت نتيجة لمفاوضات فشلت مع إدارات تلك المصانع في الحصول على الحد الأدنى للأجور الذي أقره رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي. ومن هذه الإضرابات، إضراب غزل المحلة، الذي بدأ في 22 فبراير/شباط الماضي، احتجاجاً على استثنائهم من القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة، وانتهى الإضراب بعد نحو أسبوع بصدور قرار من وزير قطاع الأعمال السابق، محمود عصمت، بالاستجابة الجزئية لمطالب العمال، وذلك بعد أن تكبد العمال ضريبة توجيه إنذارات بفصل عدد منهم، والقبض على آخرين مع إخفاء بعضهم قسراً، قبل الإفراج عنهم لاحقاً.


أحمد بهاء الدين شعبان: تنصلت قطاعات عدة من قرار رفع الحد الأدنى للأجور

وشجع إضراب شركة غزل المحلة، عمال شركة النصر للغزل والنسيج "الشوربجي"، للدخول في احتجاجات لتحقيق نفس المطلب. تجمع عمال شركة "الشوربجي" في 15 أغسطس/آب الماضي، لعرض مطالبهم داخل مقر الشركة، وسط تهديدات باستدعاء الأمن الوطني لهم، والقبض عليهم. وطالب العمال خلال وقفتهم الاحتجاجية بعودة اللجنة النقابية للشركة للعمل بغية تسهيل حصول الأعضاء على مستحقاتهم، ورفع الإيقاف على حساب النقابة المصرفي الذي أوقفته النقابة العامة، كما طالبوا بالمساواة مع عمال مجمع حلوان في المنحة السنوية، الذين يتقاضون ستة أشهر ونصف الشهر، فيما يتقاضى عمال "الشوربجي" خمسة أشهر فقط. وفي 16 أغسطس الماضي، دخل عمال وعاملات "وبريات سمنود"، في إضراب عن العمل لمطالبة إدارة الشركة بتطبيق الحد الأدنى للأجور.

وفي خطوة تصعيدية فوجئ العمال في 16 سبتمبر/أيلول الحالي، بتكثيف الوجود الأمني حول مقر الشركة واستدعاء الشرطة النسائية وحشد "البلطجية" الذين تم استخدامهم لترهيب العاملات والعمال في اعتصامهم السابق، حسب ما أكده عمال ومراقبون ومنظمات حقوقية. وفي الثامن من سبتمر الحالي، نظم عمال شركة رؤية للمقاولات، المملوكة من وليد زكي العضو البارز في حزب مستقبل وطن ورئيس نادي فيوتشر الرياضي، في موقع تلال بالعين السخنة وفي القطامية، شرقي القاهرة، وقفة احتجاجية للمطالبة بمستحقاتهم المالية المتأخرة منذ سنوات، والتي تماطل الإدارة في تنفيذها.

الأمين العام للحزب المصري الاشتراكي، أحمد بهاء الدين شعبان، أبدى اعتقاده أن "الإضرابات العمالية في مصر ليست ظاهرة ضخمة، حتى الآن، لكنها تتبلور باتجاه تصاعدي ولأسباب موضوعية مفهومة". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "أول هذه الأسباب، هو الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة من دون سقف، والتضخم الرهيب الذي ضرب كل مناحي الحياة في البلد، وإضافة إلى ذلك، الزيادات الهائلة في أسعار الخدمات الأساسية مثل النقل والوقود والكهرباء والمياه والغاز، وآخرها رفع سعر أسطوانة البوتاغاز 50 جنيهاً (1.03 دولار) دفعة واحدة، بما يزيد عن الثلث، مما يلقي عبئاً كبيراً جداً على المواطن المصري".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتابع شعبان أنه "في المقابل حينما أصدر الرئيس قراراً باعتبار الحد الأدنى للأجور ستة آلاف جنيه (123.9 دولاراً)، يقتطع منها التأمين والضرائب، تنصلت منه قطاعات واسعة الإنتاجية مثل شركات القطاع الخاص والعام، وللدولة جانب كبير من ملكيتها، ومع هذا ادعت الخسارة وأنها غير قادرة على تنفيذ هذا القرار الرئاسي، وتنصلت من واجبها تجاه عمالها، بما دفع العمال والعاملات للإضراب المستمر حتى الآن، وقد اقتضى الأمر التدخل واعتقال بعض القيادات العمالية، وأفرج عنهم في وقت لاحق".

وحول استمرار الإضرابات العمالية في مصر رأى السياسي المصري أنه "من المتوقع مع استفحال الوضع الاقتصادي الذي يمس ملايين المواطنين، أن تتصاعد هذه الظاهرة في الفترة المقبلة، ليس فقط بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، بل بفعل إصرار النظام أيضاً على إحكام القبضة الأمنية بإصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد. وفي حال تطبيق هذا القانون، فإنه يعني إغلاق آخر نوافذ الضوء الخافت في الحريات المصرية، لأنه يتجاوز حق المحامين والدفاع الشرعي، ويرتب على المتهم إجراءات يصعب معها أن يتحلل من تلفيق التهم والأحكام الجائرة. وهو ما استفز المجتمع، وعلى رأسه نقابتا الصحافيين والمحامين وقطاعات المثقفين والأحزاب السياسية وغيرها، ولذلك فإن الوضع الاجتماعي الحالي، متمثل في هجمات من الدولة مع محاولات للدفاع من الجهات الاجتماعية والحزبية، لأن هذه المعارك سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي، ستحدد شكل المجتمع المصري خلال المستقبل".


محمد أنور السادات: الإضرابات لا تدفع إلى تغيير في البنية السياسية

وشدد شعبان على أنه لا بديل عن "حل مشاكل الاختناق الاجتماعي، وإيجاد بدائل سلمية يمكن الاعتماد عليها، أما إذا لم يتحقق هذا الأمر، فستكون هناك انفجارات اجتماعية نتيجة الغضب المكبوت في نفوس عشرات ملايين المصريين، وهذا الأمر صعب ويجب تجنبه. وهو ما يعني التنازل عن السياسات المجحفة لملايين المصريين لصالح فئة قليلة لا تقدر بـ5% كونت الثروات". وختم شعبان قائلاً: "مصر تعيش فترة صعبة. نتمنى لها السلامة، وعلى القائمين على شؤون الدولة إدراك أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار، ومعاكس له في الاتجاه".

الإضرابات نوع من حراك سياسي

من ناحيته، رأى رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، أن الإضرابات العمالية في مصر هي "نوع من الحراك السياسي الموجود إلى حد ما في كثير من النقابات والاتحادات". وقال لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن هناك مساحة من الدولة والأجهزة للناس للتعبير عن نفسها، نتيجة قراءتهم الأوضاع الاقتصادية والمالية، وأيضاً نتيجة التحديات المحيطة بنا إقليمياً في السودان وفلسطين وليبيا وما يتردد عن البحر الأحمر وسد النهضة والقرن الأفريقي، ولذا من الواضح أن هناك مساحة، ولكن هل نقول أن هذا يدفع إلى التغيير بشكل مباشر؟ لا أعتقد ذلك".

وتابع السادات: "هناك إظهار لحالة الاحتقان، ولكن لا أعتقد أنها تدفع إلى تغيير في البنية السياسية، لأنه يتم التعامل معها من قبل الدولة والحكومة، أحياناً بنوع من الهدوء والاستماع والامتصاص، وأحياناً أخرى يتم التعامل معها بخشونة، بحسب حدود هذه الاعتصامات والاحتجاجات". وأوضح أن "المشكلة لم تعد مقتصرة على محدودي الدخل والفلاحين والعمال، بل شملت متوسطي الدخل، حتى رجال الأعمال والعاملين في المشاريع المختلفة". وأكد السادات أن "هناك أزمة واحتجاجاً في كل هذه المستويات، نتيجة الظروف الحالية، وبالتالي نحن بحاجة إلى حل، وليس لمواجهة الاحتجاجات. نحن بحاجة لحلول تنهي هذه الأزمات وتخفف من آثارها على الشارع".

المساهمون