الإضراب عن الطعام يتسع في السجون المصرية: أوامر بعدم الاستجابة للمطالب

05 ابريل 2022
احتجز أبو الفتوح بانتظام بالحبس الانفرادي (خالد كامل/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر مصرية برلمانية وأمنية إن دوائر مقرّبة من النظام نقلت رسائل مباشرة لقيادات في مصلحة السجون بالتعامل الصارم مع المعتقلين السياسيين الذين يعلنون عن الدخول في إضرابات عن الطعام داخل السجون والمعتقلات ومقار الاحتجاز، وعدم الاستجابة لأي مطالب تتعلق بتحسين أوضاع هؤلاء المضربين.  

النظام المصري يرفض التنازل للمعتقلين السياسيين

وأشارت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إلى أن الدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي ما زالت تصر على استراتيجيتها في التعامل مع هذه الحالات. وتقوم هذه الاستراتيجية، بالأساس، على أن "أي تنازل في هذا الإطار ستتبعه تنازلات أخرى تمثل تهديداً مباشراً لبقاء النظام كلّه"، بحسب تعبير أحد المصادر.

وقال هذا المصدر إنه "على الرغم من هذا العناد من قبل النظام، فإن دوائر متعددة قريبة منه، تشعر بتخوفات كبيرة من امتداد موجة الإضراب عن الطعام من قبل السجناء والمعتقلين السياسيين، خصوصاً من الأسماء البارزة".

تخشى الدوائر المقربة من النظام من امتداد موجة الإضراب لأنها قد تمثل ضغطاً على النظام

وتخشى هذه الدوائر من امتداد موجة الإضراب "لأنها بالتأكيد يمكن أن تمثل ضغطاً خارجياً على نظام يسعى طوال الوقت لنيل رضا مؤسسات دولية اقتصادية، من أجل أن يقترض منها في مواجهة واحدة من أخطر الأزمات التي يواجهها منذ استيلائه على السلطة عام 2013"، بحسب تعبير المصدر. 

اعتداءات وانتهاكات متكررة

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، توالت شكاوى عدد من أبرز السجناء السياسيين في مصر من اعتداءات وانتهاكات متكررة دفعت عدداً منهم للإضراب عن الطعام لوقف هذه الاعتداءات، وآخرها الاعتداء الذي تعرض له السياسي البارز، رئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح، البالغ من العمر 71 عاماً (في مارس/ آذار الماضي)، ما تسبب له بأزمة قلبية.

كما بدأ عدد من النشطاء السياسيين والصحافيين والباحثين، منهم زياد العليمي وأحمد دومة وأحمد سنطاوي وعلاء عبد الفتاح وغيرهم، إضرابات عن الطعام، في أوقات متفاوتة، للمطالبة بالحرية وتحسين أوضاع حبسهم ووقف الانتهاكات المتواصلة بحقهم، بعد شكاوى من تكرار اعتداءات الضابط أحمد الوكيل على المساجين.

وبعد إعلان عدد من السجناء السياسيين إضرابهم عن الطعام في سجن المزرعة بطرة، تعرضوا في 2 مارس/ آذار الماضي، للاعتداء البدني بالضرب بالأيدي من قبل مُسيرين في السجن (مجموعة من المحتجزين لهم علاقة بالأمن)، تحت إشراف إدارة السجن وضابط الأمن الوطني المسؤول داخل السجن، والذي كان شاهداً على الاعتداء، بحسب ما أكدوا لاحقاً لذويهم ومحاميهم في الزيارات.

سجون مصر: انتقادات حقوقية لتعذيب ممنهج

وبشكل عام، يغلب على السجون المصرية التعذيب المنهجي وإساءة معاملة السجناء وظروف معيشية مروعة، بحسب تقرير لمنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (داون)، أكدت فيه أنه "غالباً ما يحرم مسؤولو السجون المعتقلين من حقوقهم الأساسية، في حين يجبرونهم على العيش في ظروف قاسية وغير إنسانية".

وأضاف التقرير أنه "في حين أن ظروف السجون المصرية صعبة على جميع السجناء، غالباً ما يواجه السجناء السياسيون ظروفاً مروعة بشكل خاص وانتهاكات مستهدفة".

وجزء من التعذيب الممنهج الذي أشار إليه تقرير منظمة "الديمقراطية الآن"، الصادر في 14 فبراير/ شباط الماضي، يتمثل في "الإهمال الطبي من خلال تقييد قدرة المعتقلين على الحصول على الرعاية الطبية والأدوية، المتفشي في السجون المصرية، ما ساهم في وفاة 59 سجيناً رهن الاحتجاز في عام 2021".

وأكدت منظمة "الديمقراطية الآن" أنه في عهد السيسي كانت الشرطة المصرية ومسؤولو الأمن القومي يعذبون بانتظام المعارضين السياسيين بالضرب والصعق بالصدمات الكهربائية والأوضاع المجهدة وحتى الاغتصاب.  

وأشارت المنظمة إلى انتشار التعذيب على نطاق واسع في عهد السيسي، لدرجة أن لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة خلصت في عام 2017 إلى أن الوقائع تؤدي إلى استنتاج واضح بأن التعذيب ممارسة ممنهجة في مصر، وأن السجون تعد أحد المواقع الرئيسية للتعذيب داخل مصر، وحتى الأطفال يواجهون الاعتقال التعسفي والاعتداء الجسدي الذي يرقى إلى مستوى التعذيب.

وأشار تقرير المنظمة إلى مسؤول اعتبرته المشرف على حملات التعذيب الممنهجة في السجون، وهو اللواء طارق مرزوق، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، ورئيس مصلحة السجون في مصر.

وقالت المنظمة عن مرزوق: "باختصار، مرزوق هو أكبر مسؤول حكومي مكلف بالإشراف على السجون المصرية، بما في ذلك صحة وسلامة السجناء والأوضاع داخل السجون. بصفته المسؤول الحكومي الأول عن الإشراف على السجون المصرية، فإن مرزوق مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة وواسعة النطاق والممنهجة، لا سيما التعذيب والأوضاع اللاإنسانية في هذه السجون. لقد فشل في تخفيف الانتهاكات في السجون المصرية، والتي وصفتها منظمات حقوق الإنسان بأنها جرائم ضد الإنسانية".

يرفض النظام أي تنازل باعتبار أنه قد تتبعه تنازلات أخرى تمثل تهديداً مباشراً له

بالإضافة إلى ذلك، حظر مسؤولو السجون على نشطاء الديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين المعارضين المسجونين تلقي زيارات عائلية، غالباً لفترات طويلة على أسس تعسفية، واحتجازهم بانتظام في الحبس الانفرادي، تماماً مثلما حدث مع أبو الفتوح.

وكان أبو الفتوح قد أعلن قبل نحو شهر، امتناعه عن استقبال الزيارات لحين عودتها إلى وضعها الطبيعي، قبل أن يعدل عن هذا القرار بعد الاعتداء الأخير عليه، من أجل إمداد أسرته ومحاميه بتفاصيل أوضاعه الصحية في الحبس الاحتياطي، خصوصاً بعد تكرر تعرضه لأزمات قلبية حادة، واكتشاف أن إدارة السجن لا تسلم خطاباته لأسرته.

وتنحدر أوضاع السجون في مصر من سيئ إلى أسوأ، حسبما أفادت العديد من التقارير الحقوقية الدولية، بما في ذلك تقرير منظمة العفو الدولية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر لعام 2021.

ووثّق التقرير حرمان السجناء من السلع الأساسية، ما يجعل تحمل هذه الظروف أكثر صعوبة، كما يفشل مسؤولو السجن بشكل روتيني في توفير الطعام المناسب والفراش والملابس، وكذلك لوازم التنظيف ومواد النظافة الشخصية للمحتجزين، بهدف تجريد السجين من إنسانيته، وهو ما يشكل بدوره تحذيراً صارخاً للمصريين الذين قد يعارضون الحكومة أو يدعون إلى الإصلاح الديمقراطي. بينما ينفي مسؤولو السجون هذه الحقائق ويصورون السجون المصرية على أنها أماكن نظيفة وآمنة.

أما أهالي السجناء السياسيين الذين تعرضوا لاعتداءات أخيراً في السجون، فيحملون رئيس الجمهورية ووزير الداخلية (محمود توفيق)، والنائب العام (حمادة الصاوي)، المسؤولية عن سلامة وأمن المضربين عن الطعام في السجون احتجاجاً على تلك الانتهاكات.

وتأتي تلك الشكاوى من التعذيب الممنهج للسياسيين في السجون بعدما اتخذت مصر إجراءات هامشية عدة في سبيل تحسين صورتها أمام العالم، مثل إفراجات محدودة لعدد من النشطاء والصحافيين، وتقليل الإجراءات المشددة على منظمات المجتمع المدني، وإطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان مدتها خمس سنوات في سبتمبر/ أيلول 2021، وإعلان رئيس الجمهورية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إنهاء حال الطوارئ في جميع أنحاء البلاد.

كما جرى أخيراً تعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون، والهادف إلى تغيير المسمى إلى "مراكز إصلاح وتأهيل" بدلاً من السجون، وتغيير اسم السجناء إلى نزلاء، ومأموري السجون إلى مديري مراكز التأهيل، وإلغاء كلمات "سجون" و"ليمانات" (سجون صغيرة) أينما وردت في القانون. وأقرّت إلى ذلك حقوقاً جديدة للنزلاء، مثل استكمال التعليم، وتسليمهم المذكرات والمكاتبات شخصياً تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا بشأن وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون. 

وقالت الحكومة في مذكرتها الإيضاحية بشأن تعديل القانون، إن "التعديل جاء في إطار خطة تطوير المؤسسات العقابية من حيث مسمياتها، وأبنيتها، وإدارتها، على نحو يرسخ قيم ومبادئ حقوق النزلاء، ويوفر الحماية المجتمعية لهم، والاستفادة من تأهيلهم في برامج وخطط التنمية، فضلاً عن تأهيل المحكوم عليهم اجتماعياً وثقافياً، وإدماجهم في المجتمع من خلال دعم حقوقهم التعليمية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية".

 

المساهمون