تتجه السلطات الجزائرية إلى تغيير طريقة معالجة ملفات الناشطين الموقوفين في السجون أو الملاحقين قضائيا، إذ يجري الإفراج بشكل متتالٍ عن عدد من الناشطين من السجون، بعد إصدار أحكام مخففة في حقهم، لكن أسئلة كثيرة تحوم حول هذا الاتجاه؛ وعما إذا كان يظهر رغبة السلطة في تصفية ملف الناشطين ضمن خطوات تهدئة باتت مفروضة عليها، خاصة مع تحرك لافت للشارع، أم أنها تأتي استجابة لدعوات قوى سياسية عديدة.
وأقر مجلس قضاء بومرداس خفض العقوبة السابقة الصادرة في حق الناشط في الحراك الشعبي حمزة جعودي إلى سنة، منها ستة أشهر موقوفة النفاذ، ما يعني إطلاق سراحه اليوم الأربعاء، بعد قضائه ستة أشهر في السجن، كما قرر مجلس قضاء تمنراست خفض عقوبة معتقل الرأي والناشط بادي عابدين إلى ستة أشهر حبس نافذة، إذ سيتم بموجب ذلك الإفراج عنه في 14 فبراير الجاري بعد استكماله مدة عقوبته.
يربط البعض التوجه الطارئ بمخاوف لدى السلطة ومحاولتها التهدئة بعد تحرك لافت للشارع وعودة مظاهرات الحراك الشعبي الجمعة الماضية في عدة ولايات
وقبل هذه التطورات الإيجابية في ملف الناشطين الموقوفين، كان القضاء الجزائري قد أفرج أمس عن الناشط وليد نقيش، بعد تبرئته من تهم التحريض على حمل السلاح والوحدة الوطنية وإدانته بستة أشهر نافذة عن تهمة إهانة هيئة نظامية كان قد استكملها في السجن، كما أفرج قبل ذلك عن الناشط في الحراك الشعبي والرسام وليد كشيدة، وعن الشاعر محمد تاجديت، في ما يعتقد أنها محاولة واضحة من السلطة لتهدئة الغضب المتصاعد في الشارع بعد عودة لافتة لمسيرات الحراك الشعبي في عدة ولايات الجمعة الماضية، وتلويح بعض المكونات بالسعي لإعادة المظاهرات السلمية بعد توقف دام عشرة أشهر بسبب كورونا.
ويعتقد متابعون أن هذه التطورات يمكن أن تنسحب على عديد القضايا المتعلقة بالناشطين خلال الأيام المقبلة، بما فيها قضية الناشط إبراهيم لعلامي، وغلق قضية الناشط كريم طابو وفضيل بومالة وسمير بلعربي وغيرهم نهائيا، وكذا ملف الناشطة في الحراك الشعبي دليلة توات، التي حددت جلسة النظر في طعن تقدمت به هيئة دفاعها ضد حكم يدينها بالسجن 18 شهرا سجنا نافذا بتهمة التجمهر وإهانة هيئة نظامية، كما أعلنت اليوم عن مقاضاتها لإدارة سجن بولاية مستغانم، بسبب سوء المعاملة التي تتعرض لها الناشطة داخل السجن منذ إدانتها بالسجن، إذ كانت قد قررت الدخول في إضراب عن الطعام منذ يوم الجمعة الماضي ورفعت تظلما إلى وزير العدل والنائب العام لدى مجلس قضاء مستغانم حول ما تتعرض له.
ويقر الكثير من المحللين بأهمية الإفراجات الأخيرة للناشطين وخفض الأحكام، وفي المقابل عدم تسجيل أية استدعاءات أو توقيفات جديدة للناشطين على الرغم من وجود عدد من المظاهرات مؤخرا. ويربط البعض التوجه الطارئ بمخاوف لدى السلطة ومحاولتها التهدئة بعد تحرك لافت للشارع وعودة مظاهرات الحراك الشعبي الجمعة الماضية في عدة ولايات، مصحوبة بحراك اجتماعي يرفع مطالب التنمية والتشغيل في عدة مدن، أبرزها البيض والأغواط وورقلة جنوبي الجزائر، إضافة إلى إمكانية أن تكون السلطة بصدد تغيير ظرفي في قراءة الوضع والتوترات القائمة، بما في ذلك الاستجابة لمطالب عدة قوى سياسية، أبرزها جبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم، كانت دعت السلطة إلى ضرورة اتخاذ خطوات وتدابير تهدئة وتحرير الناشطين من السجون والحد من الملاحقات ضد الناشطين ورفع الإكراهات عن الفضاء العام والنشاط السياسي والإعلام، قبل أي نقاش حول الاستحقاقات الانتخابية والسياسية المقبلة.
وعلى الرغم من ذلك، لا تطرح الإفراجات الأخيرة عن الموقوفين الكثير من الأمل لدى الناشطين بشأن توبة السلطة عن القمع، خاصة وأنه كانت هناك سوابق لسلسلة إفراجات عادت بعدها السلطة للاعتقالات. ورغم تلك الإفراجات، يلفت الإعلامي والناشط السياسي عماد بوبكري، في تصريح لـ"العربي الجديد": إلى أن إطلاق سراح المعتقلين هذا "مصحوب بإدانات على أفعال لم يقم بها وغير مؤسسة قانونا، وفي المقابل لم يتم التخلي نهائيا عن مقاربة قمع النشطاء حيث تم إيداع ناشط في ولاية مستغانم الخميس الفارط، ولو كان النظام مستعدا بالفعل للتخلي عن القمع، لقدم إشارات سياسية قوية تسمح ببعث الأمل في إصلاحات ديمقراطية كما طالب بها الحراك الشعبي.
ويضع بوبكري ما يصفها بـ"الموجة" في"خانة تسيير الوضع قصد التمهيد لاستقرار المنظومة التي اهتزت أركانها بسبب قوة الحراك الشعبي والتناقضات التي تشهدها من الداخل"، مضيفا أن "النظام لن يتوانى عن سجن ناشطين جدد من خلال هذا الأسلوب القمعي الناعم، و ما المرحلة الحالية إلا تمهيد لإعادة الاستقرار للواجهة المدنية من خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة بالإضافة إلى تجنب ضغوطات دولية كما جرى الحال مع لائحة الاتحاد الأوروبي، لذلك لا اعتقد أن النظام سيتخلى عن المقاربة التسلطية وهو يحضر نفسه للانفتاح على المجتمع السياسي والمدني فحسب".
لكن التغير اللافت في معالجة السلطة لقضايا الناشطين في الأيام الأخيرة وتخفيف الأحكام، والتباين الكبير بين حجم طلبات والتماسات النيابة العامة والحكم، كما في قضية الطالب وليد نقيش (بين التماس المؤبد والبراءة)، يظهر في الوقت نفسه أيضا في المقابل استمرار سطوة التوجيه السياسي، وغلبة المعالجة السياسية لقضايا الناشطين وباقي القضايا ذات البعد السياسي على المعالجة القضائية والقانونية الصرفة، كما أنه يمكن أن يعطي في السياق نفسه مؤشرا على أن الملفات في حد ذاتها فارغة المحتوى من حيث الوقائع والدلائل السياسية، وكانت نتاج تلاعب من قبل الأجهزة الأمنية في الفترة السابقة، وبالتالي تأخذ الأحكام الأخيرة سياقها الطبيعي.